من يهزّ العصا لعون في القمة العربية؟

روزانا رمّال

في سابقة غير متوقعة يرسل رؤساء سابقون لبنانيون بشكل استثنائي وبعيد عن كل الأعراف السياسية والدبلوماسية في مثل هذه الحالات والقمم المعقودة دورياً بما أوحى كأنه «جبهة» معارضة خارج السياق القانوني الذي يبيحه الدستور والعمل السياسي الديمقراطي في مجالس النواب بمعارضة «العهود» من دون التعدّي على أدوار تسيء لموقف لبنان الرسمي وصورته ووحدته. رسالة سرّبت للصحافة اللبنانية قبل ليلة من سفر الرئيس ميشال عون والوفد المرافق الذي يضمّ الرئيس سعد الحريري وهو رئيس مجلس الوزراء وما يعنيه هذا الانسجام من صورة استقرار وتماسك منشودين للمجتمعين في القمة العربية، ركزت على خمسة عناوين. وهي يمجملها موضع خلاف محلي في البلاد بمعظمها فيها مطالبة بالتأكيد على «اتفاق الطائف»، وعلى التزام لبنان بالقرارات الدولية ولا سيما القرار 1701، السلاح غير الشرعي والمقصود هنا حزب الله بطبيعة الحال، واستحضار حساسيات حادثة 7 أيار 2008 التأكيد على التمسك بإعلان بعبدا، والنأي بالنفس عما يجري في سورية وبسط سلطة الدولة والمقصود هنا لا يزال مبهما أو ربماً اشارة جديدة لهيمنة حزب الله على الدولة بمكان ما بمنظور «الجبهة»، ووقف التدخلات الخارجيّة في الأزمة السورية، وأيضاً هذا غير مفهوم اذا ما كان مقصوداً فيه تدخل حزب الله من جهة لبنان في سورية او تدخل الدول الكبرى في الأزمة السورية ككل.

تبدو بنود البيان، الرسالة «التعليمة» للجبهة المذكورة « المؤلفة من كل من رئيس الجمهورية الاسبق امين الجميّل، الرئيس السابق ميشال سليمان، رئيس كتلة «المسقبل» فؤاد السنيورة، رئيس الحكومة السابق تمام سلام ورئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي بمعظمها استهداف مباشر لحزب الله وللتعاون القائم معه بين القوى التي أسست للعهد الجديد بمكوّناته والذي تكشفه الصفقة الرئاسية المعول عليها إقليمياً ودولياً كنموذج ناجح تحدّث عنه محمد جواد ظريف وزير خارجية إيران في مؤتمر دافوس واصفاً إياه بالحوار الناجح مع السعودية في قلب لبنان من خلال تطبيق هذا النموذج غير المباشر لحلفائهما. لا تبدو هذه القوى مستفيدة من اي انسجام من هذا القبيل وهي تعتبر بطريقة او بأخرى أن ما يجري يعرّض لبنان للخطر مستنجدة بالقوى العربية ألا تتقبّل ما يمكن أن يصدر عن الفريق الذي يمثله الرئيس عون في القمة العربية الرؤساء الذين شكلوا هذه الجبهة تعمّدوا تسريب البيان للصحافة ربما «كي لا يتفاجأ» الوفد اللبناني بأي معلومة من هنا او هناك من داخل الاروقة الدبلوماسية العربية عن الحادثة وربما أيضاً كان اعلاناً متعمداً على ما يؤكده مصدر متابع لـ«البناء» الذي يستبعد أن «يرتجل» المذكورون رسالة بهذا الحجم بدون جهة عربية «ما» او «إقليمية» تمّت استشارتها بالأمر، خصوصاً أن «العهد» المستهدف هو ترجمة لصفقة إقليمية واضحة المعالم. فمن هي الجهة التي تعمد الى ارسال رسالة اعتراض او تحذير للعهد مستفيدة من رغبة الرؤساء السابقين بالتعبير عن اعتراضهم العلني له؟ ومن هي الجهة التي تريد أن تظهر خلاف بعض الداخل مع حزب الله، واستباق إلقاء عون كلمة لبنان وحصرها ضمن حدود النقاط الخمس؟ يختم المصدر.

على اي حال ليست المرة الاولى التي يتم فيها «التنغيص» على أي مشاركة او مناسبة لافتة تعني العماد ميشال عون منذ اللحظة الاولى لانتخابه، وكأن هناك جهة إقليمية ما تريد تذكير عون بأنه وعلى الرغم من التأقلم مع وصوله لسدة الرئاسة الا ان مسألة تحالفاته كرئيس لا تزال موضعاً مقلقاً بالنسبة اليها، اما اللافت في هذه الرسالة هو محاولة وضع اطار عام لكلمة الرئيس ينحصر فيها الخطاب بمضمون لا يخرج أو يحيد عن هذه الثوابت التي ترغب الجهة المعنية التذكير فيها دوماً حتى ولو على حساب خروج موقفين عن لبنان او تظهير الخلاف ومهما كان وكيف يمكن اعتبار الرؤساء المعنيين والذين يعرفون تماماً معنى هذه المخالفة للأعراف والقيم السياسية بخرق القنوات الدبلوماسية العربية والتشويش على رئيس البلاد؟ كيف تفسّر هذه الازدواجية مثلاً من رئيسين كالرئيس امين الجميل وميشال سليمان اللذين يناديان بعدم المساس بموقع رئيس الجمهورية أو تعريضه لأي نوع من الإحراج؟ عن اي احترام لمكانة الرئيس يتحدث الرئيسان المفترض ان يكونا أشد حرصاً على مقام الرئاسة، خصوصاً ان الرئيس الجميل لا يزال مرشح الكتائب للرئاسة منذ فترة قريبة..

هل هي هزة عصا سعودية – اميركية منسجمة مع التصعيد القائم في سورية تطلب فيها من عون عدم اجتياز الخطوط الحمراء في خطابه ما يعني أن هناك من يتهيّب من كلمة الوفد اللبناني، مسبقاً طالما أنه من المستبعد ان يخرج السنيورة الذي يمثل تيار المستقبل عن الموجة السعودية واستهداف الحريري جزافاً؟ أم أن هناك جهة إقليمية اخرى باركت هذه الخطوة ولا تبدو انها ممثلة بالمعادلة الحالية المحلية كتركيا وقطر مثلاً حتى اللحظة؟

بكل الأحوال لا تختلف الأجندة الخليجية مجتمعة عن المبادئ المطروحة في الرسالة، ولا خلاف على قضية مصادرها ومراجعها وأدواتها ومستشاريها تصبّ في خانة دعم الأميركيين في حملتهم على حزب الله التي تستفيد منها «اسرائيل» شاء الرؤساء «المعظَّمون» أم أبوا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى