التوسّع هدفاً بذاته للناتو.. ولكن هل يقرأ شفاه بوتين؟

سماهر الخطيب

يُذكر بأنّه وبعد مؤتمر يالطا في العام 1945، شهدت الخريطة الدولية «العسكرية والسياسية» انقسامات حادة بين المعسكرين، الأول بقيادة الولايات المتحدة الأميركية حمل اسم حلف «الناتو» والثاني لمجابهته سُمي «حلف وارسو» بقيادة الاتحاد السوفياتي إلى أن تطورت هذه الانقسامات إلى حرب باردة بين الطرفين.

لكنّ سقوط جدار برلين شكَّل أولى علامات التفلّت من القبضة السوفياتية، إذ أصبحت دول أوروبا الشرقية أكثر إصراراً على إلغاء كل التنظيمات المؤسسية التي كانت تنظم شؤونها كافة.

كمنظّمة تبادل المساعدة والتعاون المشترك «الكوميكون» ولم يكن مستغربًا بعد ساعات من توقيع بروتوكول بودابست في العام 1991 الذي وضع حدًا «للكوميكون»، أن تجتمع اللجنة السياسية الاستشارية لحلف وارسو في براغ 1/7/1991 للتوقيع على بروتوكول إلغاء حلف وارسو.

ما دفعنا للتذكير بهذه التفاصيل هو عودة الخوف من الـ»العدوانية الروسية» على حدِّ زعم قادة الناتو، حيث بدأت استعدادات قادته والمجمع الصناعي العسكري لإقناع السياسيين بضرورة زيادة النفقات الدفاعية للردّ على التهديدات الروسية متذرعين بـ«الصواريخ الإيرانية والكورية الشمالية».

حيث أكد وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون أمس، أنّ «وزراء خارجية بلدان حلف الناتو، سيبحثون خلال اجتماعهم الوزاري التدابير التي يتخذها الحلف رداً على عدوان روسيا».

والجدير بالذكر أن أعمال القمة الأخيرة لحلف الناتو، التي استضافتها العاصمة البولندية وارسو، يومي 8 و9 تموز 2016، ركزت على تعزيز الحضور العسكري في أوروبا الشرقية ومنطقة البلطيق. وهو الأمر الذي يشكل نقطة خلاف بين «حلف الناتو وروسيا»، لقناعة الأخيرة، بأنّه «يشكل تهديداً مباشراً على أمنها القومي الاستراتيجي، وكذلك شكل نقطة خلاف جوهرية بين وارسو وموسكو».

فقد كان الهدف من إنشاء الحلف ردع «الاتحاد السوفياتي» على أساس مبدأ «الهجوم – أفضل وسيلة للردع». وعلى الرغم من أنه فقد خصمه الوحيد في العالم، بقي الحلف يتصرف وفق هذا المبدأ بالذات لغاية هذا اليوم، وأصبح التوسّع هدفاً بذاته للحلف، والبحث عن سبب لاستخدامه سبَّب صراعات وحروباً لجميع الدول الأعضاء وغير الأعضاء.

وما قاله تيلرسون خلال ظهوره المفاجئ قبيل انعقاد الاجتماع الوزاري بتطلّعه لمناقشة موقف حلف الناتو في أوروبا، وخاصة في «أوروبا الشرقية»، رداً على «العدوان الروسي» في أوكرانيا وفي أماكن أخرى. على حدِّ زعمه يفسّر ما تشكّله روسيا من مخاوف لهذا الحلف الذي طالما كان يخيفه عودة روسيا لأمجادها السوفياتية.

ليركز اجتماع الناتو على كافة الموارد اللازمة لديه لتنفيذ مهمته في احتواء روسيا.

وتجدر الإشارة إلى أنّ موسكو أعلنت، مراراً، بأنّ حلف الناتو يستفيد سياسياً من عملية المواجهة وتشويه صورة روسيا، لأنّ هذا أسهل له من الاعتراف بوجود مشاكل في نظام الأمن الأوروبي، والدليل على ذلك، تلك القرارات التي اتخذها الحلف خلال الأعوام الماضية، ومن بينها القرار حول تقدّم الناتو نحو الشرق، والقرار الخاص بنشر عناصر نظام الدرع الصاروخي العالمي في أوروبا، ولذلك يقوم الحلف بتبرير ضرورة كبح روسيا وعدائه لها، من خلال تضخيمه للأساطير حول التهديدات المقبلة إلى الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، من الشرق، وبالذات من قبل إيران والصين وروسيا.

بطبيعة الحال، وعلى خلفية الضجة التي تثيرها أبواق «الناتو» بأن الحلف سيستعمل «كل الموارد المتوفرة» وغيرها من الميزات التي تساعد في ملء الميزانيات الحربية، لمواجهة «الخطر الروسي» فإنّ ما قاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رداً على الأميركيين الذين يريدون معرفة الإجابة عن التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية، «أن تقرأوا لغة شفاهي»، فإن هذا هو أكثر ما يمكن أن نذكره هنا كرسالة واضحة بالقوة والذكاء الروسي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى