معركة كسر الإرادة وعدوان دولي جديد..

جمال محسن العفلق

هي معركة آخرى يخوضها الشعب السوري وعنوانها السلاح الكيميائي. ذلك السلاح الذي تستخدمه العصابات الإرهابيّة في كلّ مرة وبدعم دولي، والضحايا من الأبرياء والأطفال. المسرحية هي نفسها بفصولها المتكرّرة وبنفس العناصر والأدوات مجرم ينفّذ بأوامر من نفس الدول التي تستنكر، فرنسا الداعم العلني للإرهاب وبريطانيا المسوّق للجماعات الإرهابية والولايات المتحدة الأميركية التي تعتقد أنّها الشرطي الدولي والقادر على معاقبة الجميع والاعتداء على أيّ شعب أو دولة من دون حسيب، وباستخدام مجلس الأمن الذي أصبح اليوم مجرّد مكتب تمثيل لمصالح الدول الكبرى.

لماذا هذه المعركة اليوم؟ هل كان لفشل المفاوضات الأخيرة في جنيف، وعدم تمكّن الجماعات الإرهابيّة من تحقيق أيّ تقدّم على جبهة دمشق أو حماة دور في ذلك بعد خرق الهدنة وعودة ما يسمّى بالجماعات المعتدلة للعمل مع الجماعات الإرهابية بالعلن وتحت حماية ما يسمّى الدول الراعية للحوار والأخرى الضامنة لوقف إطلاق النار؟ أم أنّ الولايات المتحدة أرادت سحب تصريحاتها الأخيرة، والتي اعتبرها البعض إيجابيّة نحو الحلّ في سورية لتتستّر بجريمة الكيميائي وتدّعي أنّها حمل وديع، ولكنّ الجيش السوري قطع الطريق عليها؟ هذه أسئلة لها إجابات، وليست بالمعضلة. فاليوم نحن على أبواب النهايات، ولكن ما هو الحصاد؟

تركيا الجارة القريبة، والتي أتت تصريحات وزير خارجيتها الأخيره دليلاً على فشل وإفلاس عندما ادّعى أنّ تركيا مسؤولة عن ملياري مسلم في العالم، وكأنّ تركيا قرّرت وبعد الفشل مع الاتحاد الاوروبي طوال عقود تحويل حربها السياسيّة إلى حرب دينيّة، لا استطاع الأتراك تحسين شروط التفاوض مع الاتحاد الاوروبي طوال السنوات الست من مشاركتهم في العدوان على سورية، ولا استطاع أردوغان تحقيق مطلبه بالمناطق الآمنة لكي يصطنع كياناً مذهبيّاً يكون تحت سيطرته.

أمّا الفرنسيين، فقد أنهكتهم التجاذبات الدولية حول سورية، فلا أميركا تحسب حسابهم ولا بريطانية تعتبرهم شركاء، ويعلم الفرنسيون أنّهم خاسرون في النهاية، إلّا إذا أُعطي لهم بعض الفُتات من عقود كبيرة الجميع يلهث خلفها في إعادة الإعمار أو مشاريع النفط والغاز المتوقّعة في المنطقة. والتشدّد الفرنسي هذا ليس من باب الحرص على الشعب السوري، نحن في سورية حتى اليوم لم نتلقَّ أيّ اعتذار أو تعويض عن جرائم الفرنسيّين إبّان الانتداب الفرنسي للمنطقة، كما أنّ مشاكل الاتحاد الأوروبي وخروج بريطانيا كفيلان بتفجير أزمات داخلية لدى كافّة دول الاتحاد، وخصوصاً فرنسا التي تحاول إعادة دورها الاستعماري وتصدير مشاكلها إلى الخارج.

تغيّرت معطيات المعركة بالنسبة للكيان الغاصب بعد إطلاق الصواريخ على طائراته، وفشل الصهاينة بخلق جيب عميل لهم قادر على محاربة الجيش السوري وإضعاف قوة حزب الله، وهذا ما دفع بالمجرم بنيامين نتنياهو إلى الإسراع بإطلاق تصريح حول القصف الكيميائي المزعوم واتّهام الحكومة السوريّة به والادّعاء بأنّه متألم، وكأنّ العالم لا يعلم عن جرائم الكيان الصهيوني المستمرّة منذ إعلانه وحتى الساعة.

أمّا الولايات المتحدة الأميركيّة وبريطانيا فلهما تاريخ ليس بالبعيد في مثل هذه الملفات، فبعد مسرحية سدّ الفرات والقصف الأميركي لغرفة التحكّم وإعلان أميركا أنّها لا تبحث بمصير الرئيس السوري، والادّعاء أنّ هدف الإدارة الأميركيّة هو محاربة الإرهاب الذي صنعته ، فكان يجب هنا أن تحسّن من موقفها أمام الرأي العام الأميركي أولاً، وإيجاد مبرّر لخطوات أخرى قادمة قد تصل إلى رفع عدد جنودها ودخول في حرب مباشرة تفرض فيها مناطق جديدة لكيانات تعتقد أميركا أنّها ستكون أفضل لها في المستقبل، فلعبة الكيميائي وتلك البيانات الجاهزة والتي نُشرت فور إعلان الخبر، ولا يمكن اليوم أن نصدّق أنّ أميركا لا تعلم بوجود تلك المواد بيد الجماعات الإرهابيّة، وليس من المعقول أن نقبل بهذه المسرحية، وخصوصاً بعد أن دفع العراق من قبلنا مليون ونصف شهيد كان ضحيّة للخداع الأميركي والبريطاني، ومن ثمّ قالوا لنا نحن آسفون كانت التقارير كاذبة!

لقد تحوّلت سورية بالنسبة لهم إلى حرب خاسرة، وكلّ المحاولات والمشاريع التي كان من المفترض إنجازها منذ ست سنوات لم يتحقّق منها شيء، ففي بداية العدوان على سورية تصوّر البعض أنّ القضية منتهية خلال ستة أشهر وبالأكثر سنة، ولكنّ الواقع كان مختلفاً، فلا أردوغان صلّى في الجامع الأموي ولا إدارة أوباما تقدّمت خطوة ولا «إسرائيل» حقّقت هدفها في إضعاف قوة المقاومة. أمّا العرب الداعمون للحرب على سورية، فميزان مدفوعاتهم أصبح أكثر بكثير من المتوقّع.

فما يريده الجميع اليوم من هذا العمل الإجرامي هو وضع سورية تحت البند السابع، وهذا ما يطالب به من يدّعون خوفهم على الشعب السوري، وخصوصاً ما يسمّى ائتلاف الدوحة الخائن الذي يعيش حالة الغرق الكامل بالانقياد الأعمى لجماعة الإخوان المسلمين التي تعمل بأوامر مكاتب الاستخبارات الغربية والكيان الصهيوني، ومن غرق هذا الائتلاف الخائن بالغباء عدم إدراكه بأنّه سيكون كبش فداء يدفع به إلى المحرقة عند أوّل تسوية سياسية بين الدول الكبرى، فلا مكان للخونة بالتسويات.

هذه معركة كسر الإرادة، وليس هناك ما يستدعي الخوف. فالوضع الميداني تحت سيطرة الجيش والحلفاء، وكلّ هذا التهويل هدفه نشر الذعر بين الناس وكأنّ الحرب انتهت وأصحاب علم التقسيم والانتداب رفعوا أعلامهم في دمشق، وهذا ما لا يستطيعون الحلم به.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى