موسكو وبكين تُسقطان التصويت وتقدّمان مشروعاً للتحقيق… وترامب يرتبك جلسة نيابية «قلوب مليانة ومش رمانة»… ومشروع باسيل بين برّي وجعجع

كتب المحرّر السياسي

تبدو المسارات السياسية والعسكرية المتسارعة حول الحرب في سورية وعليها تعبيراً عن بلوغها مراحلها الأخيرة، وكما يفعل التاريخ الذي يرفض أن يعيد نفسه عندما يُصرّ المهزومون على إعادته، فتكون المرة الأولى على شكل مأساة والثانية على شكل مهزلة، بدت جولة خان شيخون الكيميائية مفضوحة المرامي والمقاصد قياساً بما بدت عليه غزوة الغوطة التي أنتجت تجريداً لحملة عسكرية أميركية كادت أن تتحوّل حرباً عالمية مع إطلاق الصواريخ الروسية الاعتراضية لإسقاط صاروخين أميركيين تجريبين، ومن ثم الانتقال للتفاوض الذي أدّى لحل سياسي للسلاح الكيميائي السوري. وبعكس ما بدا الكلام يومها قادراً على ترك الأثر والصدى والتأثير حتى في الحلفاء وجمهورهم وتشكيكهم للحظة ذهول، ولو بالتساؤل عما إذا كانت سورية متورطة بالهجمة الكيميائية، فكيف بالخصوم وجمهورهم الواقع تحت أمطار التعبئة الإعلامية، بينما يبدو هذه المرة أن الخصوم وجمهورهم في حال الذهول متسائلين: لماذا تفعلها سورية وهي تنتصر عسكرياً وتلقى قبولاً سياسياً؟ وهل يغامر المنتصر بما ينجز مجاناً؟ بينما بدا الحلفاء وجمهورهم في حال ثبات وصدّ للهجمة الإعلامية والدبلوماسية التي استهدفت سورية.

نجحت موسكو وبكين في تفنيد كل مقدرات الهجمة الإعلامية والدبلوماسية في مجلس الأمن الدولي، وسقط مشروع القرار الفرنسي من جدول التصويت، رغم الكلام العالي لمندوبي بريطانيا وفرنسا وأميركا، وكانت المطوّلة التي قدّمها المندوب الروسي ومثله نائب المندوب السوري تفنيداً للمزاعم التي تضمّنتها كلمات الخصوم، خصوصاً بالإشارة إلى تأكيدات منظّمة حظر السلاح الكيميائي على امتلاك التنظيمات الإرهابية أسلحة كيميائية وعلى تنفيذ سورية لالتزاماتها في اتفاقية الحظر، والتساؤل الدائم عن الرابح والخاسر من عملية خان شيخون، وصولاً للموقف الحازم بالقول إن اللعبة لن تمرّ والخدعة ستسقط هذه المرة. والحصيلة كانت مشروعاً تقدّمت به موسكو وساندتها بكين لتحقيق أممي في العملية، بينما كان اللافت كلام الرئيس الأميركي الذي تبنّى اتهام الدولة السورية، ولوّح بتغيير موقفه من الرئيس السوري، متحدثاً عن خطوط حمراء وعن ردّ لن يُفصح عنه، وضعه البعض في خانة امتصاص الحملة والتمهيد لقبول انتظار نتائج التحقيق، ورآه آخرون نجاحاً للحملة بإرباك الموقف الأميركي تحقيقاً لأهدافها.

لبنانياً، تشكل الجلسة النيابية أول اختبار للعلاقات بين مكوّنات الحكومة التي تقف أمام عقبة العجز عن إنتاج قانون انتخاب، ويشكّل تموضع مكوّناتها وراء مقاربات مختلفة ومتعاكسة للقانون ولمترتبات الفشل في إنجازه كلمة السر في تفسير ألغاز الغمزات واللمزات التي ستشهدها جلسة المناقشة العامة للحكومة، حيث يتوقع أن يصل عدد المتحدثين إلى نصف عدد النواب، وأن يتحوّل كل حديث عن الكهرباء والخدمات والموازنة وسلسلة الرتب والرواتب إلى صناديق بريد حول قانون الانتخابات، خصوصاً مع كلام رئيس المجلس النيابي نبيه بري حول رفض مشروع وزير الخارجية جبران باسيل وكلام رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع عن وصف مشروع باسيل بالمثالي ومنحه وسام تمثيل التطلّعات المسيحية، وكلام الرئيس بري عن اعتبار الفراغ تطييراً للبلد وتناوله كل مَن يستخفّ بمخاطر السير نحو الفراغ.

الحكومة تمثُل أمام البرلمان اليوم

يعقد المجلس النيابي اليوم جلسة مناقشة عامة ومساءلة للحكومة صباحية ومسائية، على أن يستكملها يوم الجمعة بجلسة واحدة مسائية.

الجلسات التي ستنقلها عدسات الكاميرات، ستبدأ بتلاوة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري بياناً عن عمل الحكومة والإنجازات التي أمكن تحقيقها خلال هذه الفترة الوجيزة من عمرها، ثم يتوالى النواب وفي الشكل الردّ على ما جاء في بيان الحكومة. وكالعادة ستتركز المداخلات النيابية على القضايا المطلبية والإنمائية، وما تعانيه المناطق من نقص في الخدمات والأشغال والبنى التحتية وما سواها. كما يستحوذ ملفا الكهرباء والموازنة محور أسئلة النواب، وفق ما قالت مصادر وزارية. وأوضحت لـ«البناء» أن «وزير الزراعة غازي زعيتر سيقدّم سؤالاً عن أحد بنود خطة الكهرباء المتعلّق بالتراضي في تلزيم أحد مشاريع إنتاج الكهرباء حيث يجب أن تلغى هذه الفقرة وتستبدل بإجراء مناقصات».

وأشارت مصادر نيابية لـ«البناء» أن «خطة الكهرباء التي نشرت في الجريدة الرسمية هي نفسها كانت أُقرّت في مجلس الوزراء ولكن ستعترض بعض الأطراف كوزراء حركة أمل على رفع تعرفة الكهرباء 20 دولاراً لـ 35 «كيلوواط»، وإن كان رفع التعرفة ضرورياً لسد الجزء الأكبر من عجز الموازنة حيث كلفة إنتاج الكهرباء أكثر من سعر المبيع ما يسبّب العجز». ولفتت الى أن «رؤية الحكومة لأزمة قطاع الكهرباء واقعية لا سيما لجهة إنتاج قسم كبير من الكهرباء على الطاقة الشمسية وإشراك القطاع الخاص من خلال إنشاء معامل تنتج 1000 ميغاواط من الكهرباء».

«القانون» نجم ساحة النجمة

ومن المتوقع أن يكون قانون الانتخاب نجم ساحة النجمة، حيث سيركّز عدد كبير من النواب الذين سجلوا أسماءهم لدى رئاسة المجلس طلباً للكلام والنقاش في مداخلاتهم، على التحذير من خطورة الوقوع في الفراغ النيابي وتداعياته على انتظام المؤسسات، وإذ لفت مصدر وزاري لـ«البناء» الى أن «لا جلسات حكومية الأسبوع المقبل، استبعد أن يطرح قانون الانتخاب في أول جلسة للحكومة»، موضحاً أن مشروعاً انتخابياً يجري طبخه على نارٍ خفيفة خارج الحكومة بين القوى السياسية». ووفق مصادر مطلعة فإن من الصعوبة إجراء انتخابات في موعدها، مؤكدة لـ«البناء» أن «التمديد بات الخيار الوحيد. إذاً لا يمكن إجراء انتخابات بلا قانون جديد، ولن يقبل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بانتخابات على القانون الحالي»، بينما لفتت مصادر نيابية في تيار المستقبل لـ«البناء» أن يحصل التمديد بتوافق جميع القوى بمن فيهم رئيس الجمهورية الذي يرفض الفراغ أيضاً كما رئيس الحكومة، مستبعدة إقرار قانون في الأيام القليلة الفاصلة».

برّي: الفراغ تطيير للبلد

وشكّل قانون الانتخاب محور المواقف في عين التينة في لقاء الأربعاء أمس، ونقل النواب عن رئيس المجلس النيابي نبيه بري قوله لـ«البناء» إن «الذهاب الى الفراغ هو تطيير للبلد، ولذلك فإن أي تفكير لدى البعض أو استسهال لهذا الأمر يعني المزيد من السقوط وانهيار المؤسسات». وشدّد الرئيس بري على ضرورة الإسراع في التوافق على قانون جديد للانتخاب اليوم قبل الغد، محذراً من الاستمرار في حالة التخبط والمراوحة، وأكد رفضه الفراغ بالمطلق باعتبار أن نظامنا السياسي برلماني وليس رئاسياً. وشدد على أهمية التمديد التقني والذي يجب أن يكون مشروطاً بإقرار قانون جديد، مجدداً رفضه صيغة رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل في ما يتعلق بالطرح الطائفي الارثوذكسي وفقاً للنظام الأكثري بصيغته المختلطة. وأمل بري أن «تبدأ الحكومة في نقاش القانون في جلستها التي ستعقدها قريباً».

وحذرت مصادر نيابية من ضرورة الاتفاق على التمديد وإقراره في المجلس النيابي قبل انتهاء العقد العادي أواخر شهر أيار، إذ لا تمديد في العقد الاستثنائي في أول حزيران، مشيرة لـ«البناء» الى أن «فتح دورة استثنائية للمجلس من صلاحيات رئيس الجمهورية ويمكن أن لا يفتحها أو يفتحها مع تحديد المواضيع والتي يمكن أن لا تتضمن قانون الانتخاب، لذلك بات من الضروري التمديد للمجلس في الشهر المقبل».

الحريري من بروكسل: ادعموا لبنان

ومن بروكسل، أطلق رئيس الحكومة سعد الحريري نداءً الى المجتمع الدولي، حذّر فيه من أن لبنان لم يعد يحتمل عبء النزوح السوري من دون دعم، داعياً المجتمع الدولي لتحمّل مسؤولياته تجاهه والاستثمار في مستقبله، ومشيراً الى أن الوضع هو بمثابة قنبلة موقوتة وأن 90 في المئة من الشباب اللبناني يشعرون بأنهم مهدّدون من النازحين السوريين، ووصلت التوترات بين هذين المجتمعين الى مستويات خطيرة، ما يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية واعمال عنف من شأنها أن تهدّد أمن البلاد واستقرارها السياسي».

وقال الحريري في مؤتمر النازحين: «لقد وضعنا استراتيجية واضحة للتعامل مع التداعيات الشديدة للأزمة السورية، وهي تعتمد على ركنين اثنين: إطلاق برنامج لاستثمار رأس المال على نطاق واسع من شأنه أن يساعد على توليد العمالة لدى كل من اللبنانيين والسوريين، وتوفير فرص التعليم للنازحين السوريين».

وأكدت مصادر وزارية لـ«البناء» أن «لبنان تلقّى وعوداً دولية في بروكسل بدعم مالي، وأن الدول الأوروبية جاهزة لتأمين كل ما يطلبه لبنان في ظل خلافها مع تركيا الذي أدى الى اجتياح النازحين للشواطئ الأوروبية، وبالتالي تخشى هذه الدول أن يتكرر ما حصل في تركيا في لبنان ويؤدي تفاقم أزمة النزوح فيه الى تسرّب النازحين اليها».

وأضافت المصادر أن «المجتمع الدولي سيساعد لبنان على تقليص أعباء النزوح وفقاً للخطة التي طرحها رئيس الحكومة، لكن لا حلّ جذري في ظل معارضة بعض الجهات الحكومية التواصل مع سورية الذي لم يُطرح حتى الآن في جلسات الحكومة».

بينما تعتبر مصادر مقرّبة من الرئيس الحريري أن «تفاقم أزمة النزوح هو نتيجة سياسات الحكومات السابقة وليس الحكومة الحالية»، موضحة أن «تيار المستقبل كان أول من حذّر من تداعيات الحرب في سورية منذ انطلاقها على الداخل اللبناني»، ودعا حكومة الرئيس نجيب ميقاتي آنذاك إلى أن يستعدّ لبنان لتوقع موجات النزوح ومواجهة احتياجات النازحين الاجتماعية والمالية والاقتصادية، مشيرة الى أن «أزمة النازحين تحتاج الى حل دولي إقليمي لم تلُح مؤشراته بعد في ظل تضارب المصالح بين القوى الإقليمية والدولية. وهذا الحل يبدأ بإنهاء الحرب في سورية».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى