7 أيار إقليمي دولي في سورية

ناصر قنديل

– يشبه ما قام به الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ضربته الصاروخية في سورية، بمفاعيله الميدانية المحدودة، وأبعاده السياسية والمعنوية والاستراتيجية الكبيرة، ما قام به رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق فؤاد السنيورة في 5 أيار 2008 عندما قرّر نزع شبكة الإتصالات العائدة للمقاومة، مراهناً على أن المقاومة لن تستعمل فائض القوة والمهابة لديها لتغيير قواعد اللعبة في لبنان، سواء بداعي فزاعة الفتنة أو بداعي مراعاة معادلة أن السلاح لن يستعمل في الداخل. فكان ردّ المقاومة على لسان قائدها، أن السلاح يحمي السلاح وأن اليد التي تمتدّ إليه ستقطع من إبطها، وكان السابع من ايار وما أرساه من قواعد ردع أنتجت تسوية الدوحة اللبنانية.

– عملياً يحكم معادلات العالم والمنطقة وسورية ضمنهما وفي قلب سياقاتهما، مستقبلُ العلاقة الأميركية الروسية، وما فعله ترامب هو استسهال إدارة هذه العلاقة بفرض أمر واقع، وتهوين حجمه، لاستخدامه بالإيحاء أنه صاحب اليد العليا قبيل الذهاب للتفاوض، بالإضافة لمجموعة حسابات جانبية أخرى تتصل بصورته وتتصل برسالة دعم معنوية للجماعات المسلّحة المنهارة، وإعادة ضبط صفوف حلفائه خلفه، لكن الجوهري يبقى إدارة العلاقة مع روسيا بالاستناد إلى أن روسيا ستبقى متمسكة بمبدأ التعاون مع واشنطن لصناعة التسويات، وأن روسيا لن تذهب للتصعيد في الموقف طالما العملية لم تدخل تغييراً جوهرياً على الموازين العسكرية وليست بداية للحرب.

– الحسابات الخاطئة والرهانات الخاطئة مرة أخرى تجلب لصاحبها نتائج عكسية. فالصواريخ الأميركية الطائشة الستة والثلاثين التي تاهت عن أهدافها أصابت عملياً العلاقة الأميركية الروسية في الصميم، وأول النتائج وقف أشكال التعاون العسكري والتنسيق الأمني، وثانيها الإفراج عن ترسانة أسلحة حديثة ونوعية لحساب الجيش السوري تكسر معادلات القوة في المنطقة، وثالثها تبلور قناعة روسية بلا جدوى منح الوقت لإدارة ترامب لترتيب أوراقها نحو التفاوض والتعاون في إطلاق عملية سياسية سورية من ضمن تعاون كبير في الحرب على الإرهاب، بل القناعة بمنح الأولوية للميدان ولغة الحسم مع الجماعات المسلحة التي أطاحت كل فرص منحت لها في أستانة وجنيف، وستكون موسكو مقفلة الأبواب أمام مساعي التسويات من موقع ضعف، أو ملحق، أو شريك درجة ثانية تُفرض عليه الوقائع.

– ستتجه موسكو لترك الوقائع تتكلّم وترسم المسارات، وتمنح حلفاءها كل الدعم الناري واللوجستي والتغطية السياسية والدبلوماسية لحسم ناري سريع ومتدحرج في مواقع عديدة من سورية، وسيكون هناك أكثر من حلب جديدة في أكثر من منطقة من سورية، وجرعة الدعم المعنوي التي وصلت للجماعات المسلحة بالضربة الأميركية ستتبدّد بما سيحمله الميدان في القريب العاجل، وسيكون على الأميركيين تسوّل التسوية على أبواب موسكو منعاً لبلوغ الحسم النهائي خلال شهور، وتسجيل الاعتذار عن التفرد والالتزام بقواعد عمل واضحة وثابتة، تحت ضغط النار وحقائق الحرب التي عطّل فعلها حرص روسي على الشراكة والتعاون وفتح للباب أمام التسويات، وبدلاً من أن يقابل بحرص مماثل جرى التعامل معه كنقطة ضعف قابلة للاستغلال. وهذا ما جرى فعليا قبيل السابع من أيار حتى حدث ما حدث، وهو ما يحصل اليوم كي يحدث ما سيحدث.

– دوحة إقليمية دولية تعقب سابع أيار إقليمي دولي، ربما في تموز في هامبورغ على هامش قمة العشرين يكون كل شيء قد نضج.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى