حزب الله من الجنوب يُظهر حروب العقول والمعلومات… وجعجع يمتعض الحريري: نخسر بـ«الستين» وعون يجدّد اللاءات الثلاث و«القومي» يذكّر بالنسبية

كتب المحرّر السياسي

رغم التطورات المتلاحقة على ملفات متشابكة إقليمية ودولية، يتقدّم الاستحقاق الرئاسي الفرنسي على ما عداه، فرغم فشل التحضيرات للقاء ثلاثي حول سورية روسي أميركي أممي، مقابل مواصلة الخبراء الروس والأتراك والإيرانيين اجتماعاتهم في طهران لتزخيم الجهود المشتركة لتثبيت وقف النار ومعادلات أستانة، مع تقديم إنجازات تفاوضية ظهرت بإتمام إخلاء البلدات الأربع في سورية وتقدّم حثيث في الإفراج عن القطريين المختطفين في العراق، ورغم التقدّم الذي يحققه الجيش السوري في جبهات عديدة، من الحسكة إلى دير الزور وتدمر وريفَي حماة وحمص وصولاً للقابون والقنيطرة، تبدو فرنسا التائهة في التعرّف إلى هوية رئيسها حدثاً عالمياً أول، فمصير الاتحاد الأوروبي سيقرّره مصير الرئاسة الفرنسية، ومصير التعامل الأوروبي مع روسيا ومع الحرب على سورية يرتبط كثيراً باتجاه الانتخابات الرئاسية الفرنسية، حيث تتقابل رؤى متعاكسة لمرشحين متعادلي الحظوظ، بين دعاة الالتحاق بالسياسة الأميركية، ودعاة رسم خصوصية فرنسية في الحرب على الإرهاب، فتدخل الأحداث الأمنية على الخط لخلط أوراق الناخبين والمرشحين، وثمّة من يقول للفرنسيين إنّ العمليات المتلاحقة قبيل الاستحقاق الفرنسي هي دليل على تحوّل الإرهاب إلى لاعب سياسي محلي لا يجوز التغاضي عنه، ومَن يقول إنّ أيدي استخبارية وراء ما يجري لرفع أسهم مرشحين يتصدّر خطابهم التموضع في الحرب على الإرهاب.

في لبنان نجح حزب الله بالجولة الجنوبية التي نظّمها للإعلاميين في تظهير حرب العقول والمعلومات التي تدور بين لبنان و«إسرائيل»، ويديرها المقاومون بالنيابة عن وطنهم المستهَلك بنقاشات عقيمة، ليأتي ببعض التعليقات ما يؤكد مشروعية ما قام به حزب الله بالتذكير بالأولويات، التي يدّعي كثيرون أنها مسلّمات، وظهر ما يقول إنّ في لبنان مَن لا يزال يحتاج للتذكير بالتفريق بين العدو والشريك في الوطن، وبأنّ كلّ نقاش داخلي حول الصراع مع العدو يدور في العلن من موقع التصادم، يُشرك العدو في الانقسامات الداخلية ويمنحه مواقع قوة لا يستحقها.

القنوات التلفزيونية التي عُرفت بدعم قوى الرابع عشر من آذار استنفرت ضدّ الجولة وقدّمتها كما كلام رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع كخرق للقرار 1701، بينما وصلت الرسائل الجنوبية إلى أهدافها «الإسرائيلية»، المستهدَفة بالأصل، فانكشف كلّ ما يُعدّه «الإسرائيليون» قبالة الحدود الجنوبية، وانكشف هزال التدابير السرية للتشكيلات العسكرية التي يتشكّل منها حضور جيش الاحتلال عندما كشف المقاومون غيضاً من فيض ما يعرفون عن هذا العدو بالتفاصيل.

الكلام الاعتراضي على الجولة بقي بلا صدى، والأرجح أنه سيبقى كذلك، فقد قال رئيس الجمهورية من قبل رداً على كلّ اعتبار لقوة المقاومة وحضورها كانتهاك للقرار 1701 إنّ إسرائيل هي مَن ينتهك هذا القرار، والمقاومة والجيش على أعلى درجات التعاون والتنسيق، لكن الاعتراضات ذكّرت بمواقف قالت في زمن مضى إنّ مشكلتها مع ترشيح العماد ميشال عون للرئاسة هي بما تراه المفصل الاستراتيجي للتحالفات والخصومة، وهو الموقف من خيار الحرب والسلم كما أسماه هؤلاء، ليصير مشروعاً سؤالهم أمام مَن يدّعون أنهم حلفاؤهم اليوم، كيف يستقيم حلفٌ لا تشارك فيه بالنظرة لما تعتبرونه استراتيجياً، أم هو تلاعب بالمفردات لمكاسب السياسة، فتصير التحالفات كمائن انتخابية لما بعد حصاد المقاعد والعودة إلى المقاعد الرئيسية في الخصومة والتحالف؟

على ضفة قانون الانتخاب عادت مساعي اللجنة الرباعية لمحاولة التوصل لتفاهم ينطلق من مشروع التأهيل والملاحظات حوله، بينما أكدت كتلة الوفاء للمقاومة والحزب السوري القومي الاجتماعي، تمسكهما بالنسبية الشاملة في لبنان دائرة واحدة، وكشف الرئيس سعد الحريري عن موافقته المبدئية على مشروع التأهيل والنسبية، لأنّ تياره والنائب جنبلاط سيخسران مقاعد بالعودة لقانون الستين. وخرج من بعبدا كلام لرئيس الجمهورية يطمئن بالتوصل لقانون جديد وفقاً لمعادلة اللاءات الثلاث… لا للستين ولا للفراغ ولا للتمديد، مشفوعة بجملة التوكيد «لا يحلمنّ أحد»…

جدّد الحزب السوري القومي الاجتماعي رفضه القاطع للصّيغ المتداولة لقانون الانتخابات النيابية، خصوصاً صيغتي التأهيل الطائفي والمختلط، واعتبرها صيغاً موغلة في طائفيتها ومذهبيتها، وتشكل تهديداً لوحدة النسيج الاجتماعي.

وفي بيان أصدره أمس، بعد جلسة عقدها مجلس العمد في الحزب السوري القومي الاجتماعي برئاسة رئيس الحزب الوزير علي قانصو، بحث خلالها عدداً من المواضيع، حذّر الحزب من أنّ الانسداد الذي يحول دون الوصول إلى قانون يضمن صحة التمثيل، واستنفاد المهل وتضييع الفرص، فكلّ ذلك يضاعف التعقيدات ويضع لبنان مجدّداً في مربع الأزمات، وعلى حافة المجهول، ويؤسّس لإعادة إنتاج الحروب التي تأخذ اللبنانيين إلى الهلاك.

وأكد البيان أنّ القوى السياسية وسائر المعنيين في لبنان، مُطالَبُون بتحمّل مسؤولياتهم، وبالتوصل سريعاً إلى صيغة تحقق صحة التمثيل وعدالته، كالتي تضمّنها مشروع القانون الذي اقترحه الحزب السوري القومي الاجتماعي منذ عقدين، وتقوم على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة واعتماد النسبية وخارج القيد الطائفي.

وجدّد التأكيد بأنّ النسبية الكاملة مصلحة للبنان واللبنانيين، وهي الممرّ الإجباري لتحقيق الإصلاح ومحاربة الفساد وبناء الدولة المدنية الديمقراطية العادلة والقوية.

عون: لا يحلم أحد بالتمديد والستين والفراغ

وعلى وقع مواقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون التصعيدية ضد التمديد للمجلس النيابي الحالي، باعتباره أمس، التمديد والستين والفراغ هو حلم لدى البعض، تستكمل القوى السياسية لقاءاتها لمحاولة التوصل الى قانون انتخاب جديد يجنّب البلاد كأس المواجهة في الشارع في جلسة 15 أيار المقبل، لكن الأطراف لا تزال أسرى مواقفها ولم تبلغ موقفاً نهائياً من اقتراح رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل التأهيلي، كما لم يخرج من التداول حتى الآن وفق ما كشفت قناة «أو تي في» بأن «اجتماع وزارة الخارجية الذي جمع أمس الأول باسيل ووزير المال علي حسن خليل والحاج حسين الخليل ونادر الحريري على مدى 3 ساعات، تمحور حول التأهيلي والأجواء كانت إيجابية»، بينما لفتت قناة «المنار» الى تراجع أسهم التأهيلي وارتفاع مؤشر النسبية الكاملة التي أعلنت كتلة الوفاء للمقاومة في بيانها التمسك بها.

وطمأن الرئيس عون اللبنانيين بـ«أن الشوائب التي تعترض الاتفاق على قانون انتخابي جديد ستذلل وسنتوصل الى وضع هذا القانون»، مضيفاً: «أقسمت اليمين على ذلك والحكومة نالت ثقة مجلس النواب على هذا الأساس ولا يحلم أحد بالتمديد لمجلس النواب أو البقاء على القانون نفسه أو حصول فراغ».

جنبلاط: «الستين» بدلاً من الفراغ والتمديد

كما لم يُخفِ رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط يوماً حربه على النسبية الكاملة ورفضه للقوانين الطائفية كمشروع باسيل التأهيلي، جاهر أمس برغبته بالإبقاء على قانون الستين وإجراء الانتخابات على أساسه كبديل عن التمديد والفراغ، وتساءل مغرداً: «لماذا حملة التضليل من بعض المراجع؟ ليس هناك تمديد وإلى أن يُتفق على قانون جديد هناك قانون 1960 وفق الدوحة ووفق الدستور».

«المستقبل»: التمديد خيار أخير إذا تعذّر «القانون»

وقللت مصادر مطلعة في تيار المستقبل من شأن التفاؤل السائد حيال إيجاد صيغة توافقية للقانون قبل الجلسة المقبلة، وأشارت لـ«البناء» إلى أن «أفضل الخيارات بالنسبة لتيار المستقبل هو النسبية الكاملة على دائرة واحدة أو دوائر موسّعة كالمحافظات، لأن قانون الستين يؤدي إلى خسارتنا عدداً من المقاعد، لكن في المقابل المستقبل ليس وحده في البلد، فهناك أطراف آخرون ولديهم مواقفهم ولا يمكننا تجاوزهم، لافتة الى أن التيار يتقاطع مع حزب الله وحركة أمل في تأييد النسبية الكاملة، لكن إضافة الى الرفض المسيحي للنسبية حتى الآن، تبقى العقدة النائب جنبلاط الذي يرفض كل صيغ النسبية الكاملة في ما حزب الله وأمل والمستقبل يقفون عند خاطره. وأوضحت المصادر أن إعلان المستقبل بأنه يدرس مشروع التأهيل لا يعني أنه موافق عليه ولو أنه لا يزال محور نقاش بين المعنيين، فلا يمكن لتيار كالمستقبل عابر للطوائف أن يقبل بقانون على أساس المذهبية والطائفية الكاملة فيضرب القواعد التي يرتكز عليها النظام اللبناني، فالقضية ليست فقط خسارة المستقبل للنواب المسيحيين بل قضية وطن بكامله».

وتساءلت المصادر: هل عاد منطق تعطيل المؤسسات بحجة استعادة الحقوق المسيحية؟ هل تعطيل جلسات مجلس الوزراء متعمّد للضغط لإقرار قانون يريده بعض الأطراف؟ لا سيما أن هذا ما كان يُقال قبل انتخاب رئيس الجمهورية خلال تعطيل جلسات الحكومة، فهل سيتكرّر ذلك بقانون الانتخاب؟

وأضافت المصادر: «الرئيس القوي هو بصلاحياته الدستورية وليس خارج سياق الدستور، ولو كان يملك الرئيس إمكانية تغيير المعطيات في الشارع لما لجأ الى استعمال المادة 59 وتأجيل انعقاد المجلس النيابي»، وترى بأنه أزاء هذا الواقع لا خيارات سوى التمديد للمجلس الحالي إذا تعذّر إقرار قانون جديد، إما الفراغ فلا يمكن للمستقبل أن يقبل به. وتساءلت المصادر المستقبلية: لماذا يهدد البعض بهزّ الاستقرار إذا كانت اللعبة السياسية مفتوحة، والجميع يستعمل صلاحياته الدستورية ووسائله السياسية لتحقيق أهدافه؟ وكيف يلجأ فريق في الحكم الى الشارع؟

وأكدت المصادر أن «العلاقة بين رئيسَيْ الجمهورية والحكومة مستقرة حتى الآن، إذا لا يريد الرئيس سعد الحريري أن تصل الامور الى أزمة مع بعبدا»، لكنها لفتت الى أن «المعادلة التي يريد فرضها فريق الرئيس عون مستحيلة في ظل الوضع الراهن وهي إعادة الوضع الى ما قبل الطائف وحتى الى ظروف ما قبل عام 1975 التي أدت الى الحرب الأهلية».

وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق الذي زار بعبدا أمس، والتقى الرئيس عون وتداول معه في مسألة قانون الانتخاب، رأى في تصريح «أن «خيارنا خلال المرحلة الانتقالية الخطيرة التي تجتازها المنطقة هو ألا نكون جزءاً من الاشتباك السياسي الداخلي وأن نحتفظ بأنفسنا أمنياً وسياسياً رغم الحرائق المحيطة بنا، وأن نتمسك بالثوابت القائمة على فكرة الدولة واستمرار مؤسساتها، وأن نكون منفتحين على كل القوانين الانتخابية، من دون استثناء».

الوفاء للمقاومة: متمسّكون بالنسبية

ونبّهت كتلة «الوفاء للمقاومة» في بيان إثر اجتماعها الدوري أمس، برئاسة النائب محمد رعد، الى «أخطار عدم التوافق على قانون انتخاب جديد قبل الخامس عشر من شهر أيار المقبل»، معتبرة أن «أقل التداعيات السلبية جراء ذلك، هو تسعير الانقسام بين اللبنانيين ووضع البلاد في مأزق معقد، فضلاً عن التراجع المريع للآمال المعقودة على امكانية إحداث تغيير وطني نحو الأفضل والمأمول في هذه المرحلة»، مؤكدة أنها «لا تزال عند قناعتها بأن النسبية الكاملة هي الصيغة الدستورية الأمثل للقانون المرتقب».

اجتماعات لاحتواء العقوبات على حزب الله

على صعيد آخر، وفيما ينشغل اللبنانيون بسن قانون انتخاب جديد، ينشغل الكونغرس الأميركي بإعداد مشروع قانون جديد ينص على تشديد الحصار الماليّ على حزب الله، كنموذج معدل عن الحزمة التي صدرت عام 2015.

وقالت مصادر دبلوماسية لـ«البناء» إن «نسخة العقوبات الأميركية موجودة في الكونغرس الاميركي ومع وصول إدارة الرئيس دونالد ترامب الى الحكم، بدأت محاولات جديدة للضغط على حزب الله لفتح قنوات التفاوض معه على سلاحه وانسحابه من القتال الى جانب النظام في سورية، كما استعملوا سلاح العقوبات ضد إيران لدفعها للتفاوض على ملفها النووي». ولفتت المصادر الى أن «اللوبي الصهيوني في الكونغرس يحاول من جديد إحياء قانون العقوبات الأميركي بمشروع جديد معدل ودفع الادارة الاميركية الجديدة إلى تبنيه». وكشفت المصادر أن «إليوت إنغل عضو الكونغرس عن ولاية نيويورك وكبير الأعضاء الديمقراطيين في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي، هو رأس الحربة في تسويق هذا المشروع ومعروف بدعمه المطلق للقضايا الإسرائيلية»، وأوضحت أن «أي قانون عقوبات على إيران أو سورية أو حزب الله يمرّ بسهولة في الكونغرس حيث لا توجد معارضة حياله من أي جهة». وتوقعت المصادر «صدور لائحة عقوبات جديدة موسّعة ضد حزب الله وحلفائه».

كما كشفت أن «لقاءات ومشاورات استباقية مكثفة تجري بين رئيس الحكومة اللبنانية وحاكم المصرف المركزي لاحتواء الموقف ووضع أسس لكيفية التعامل مع العقوبات، وكي لا تؤدي الى أزمة سياسية داخل الحكومة لاسيما وأن حزب الله أحد مكوناتها الأساسيين».

وتوقعت المصادر أن يتعامل المصرف المركزي والمصارف مع الأسماء والمؤسسات الجديدة التي سترد في اللائحة السوداء، كما تعاملت في المرحلة السابقة، إذ سيمنع المصرف المركزي بعض المصارف من التصرّف باستنسابية وعشوائية بتنفيذ العقوبات».

وفي سياق ذلك، أشار عضو تكتل «التغيير والإصلاح» النائب إبراهيم كنعان الى أنه اطلع على أجزاء من العقوبات التي ستطال حزب الله، معتبراً أنه «تحدٍّ كبير للبنان ونظامه المالي وهو واسع جداً ويتضمّن سلطة استنسابية كبيرة»، معتبراً أنه «من المبكر الحكم النهائي على العقوبات الاميركية لأنه ينتظر أن يتحوّل من مشروع الى قانون ويجب أن ننتظر كيفية تعاطي لبنان معه». ورأى كنعان أن «لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة خبرة في التعاطي مع ملف العقوبات الأميركية والموضوع يدرس والقرار يجب أن يتخذ سريعاً في ما يتعلّق بمنصب حاكم مصرف لبنان»، لافتاً إلى أن «مسألة استمرار رياض سلامة أو تعيين بديل عنه ستُبت في وقت قريب بالتشاور بين رئيسَيْ الجمهورية والحكومة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى