حول التوترات بين روسيا والناتو

ترجمة ليلى زيدان عبد الخالق

بعد توقف دام ثلاث سنوات، استأنف الناتو والروس اتصالاتهم على المستوى العسكري. وفي أعقاب «تغيير النظام» في أوكرانيا مباشرةً في نيسان عام 2014، اتخذ مجلس حلف شمال الأطلسي قراراً بتجميد العلاقات مع روسيا. وكانت وزارة الدفاع الروسية قد أعلنت أنّ رئيس الأركان العامة الروسية الجنرال فاليري جيراسيموف قد أجرى اتصالاً هاتفياً مع رئيس اللجنة العسكرية للناتو الجنرال بيتر بافل، وصرّح في إعلان موسكو عن جملة من الأمور:

ـ استرعت مخاوف رئيس الأركان العامة الروسية انتباه محاوره لناحية المخاوف القائمة والمتعلقة بالتراكم الكبير للنشاط العسكري لحلف شمال الأطلسي بالقرب من الحدود الروسية ونشر نظام القوات المتحدة لحلف شمال الأطلسي الناتو الى الأمام… وأكد الجانبان الحاجة الى تخفيف حدّة التوتر وتحقيق الاستقرار في أوروبا. واتفق الجنرالان جيراسيموف وبافل على مواصلة هذه الاتصالات. ومثل هذا القرار الرئيسي للناتو في استئناف العلاقات مع كبار العسكريين الروس كان من الممكن أن يحصل فقط من خلال إشارة خضراء أو بإذن مسبق من واشنطن. وببساطة، فإنّ إدارة دونالد ترامب تذهب بعيداً من سياسة باراك أوباما في «عزل» روسيا. ويتجنّب ترامب في خطاباته الأخيرة في الكونغرس الأميركي أية إشارة الى روسيا، ويعتبر هذا تحوّلاً في السياسة الأميركية بعدما عوّدنا أوباما على انتهاج سياسة المخاوف من روسيا أمام الكونغرس طيلة العام الماضي.

ومن المثير للاهتمام، أن يعلن وزير الخارجية الروسي منذ أسابيع قليلة عن زيارة وزير الخارجية الألماني سيغمار غابريا الى موسكو والتي تضمّنت «التركيز على الجهود المتعدّدة الأطراف لحلّ أزمة أوكرانيا وسورية وتطبيع الوضع في ليبيا.» وقبل ذلك بوقت قليل، ألمح نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف الى اجتماع بين الرئيس بوتين والرئيس ترامب، وفي هذا يؤكد ريابكوف أنه:

ـ ما من تفاهم واضح الى الآن حول موعد ومكان عقد مثل هذا الاجتماع، غير أنّ الاستعدادات العملية له قد بدأت، وهناك تفاهم متبادل مع الجانب الأميركي على هذه النتيجة. وبطبيعة الحال، أنه في مثل هذه المرحلة الأولية من الحوار مع الإدارة الجديدة، يبدو من الصعب التوصّل الى هذا الاستنتاج حول كيفية المضيّ قدماً في العمل بشأن بعض القضايا المحدّدة. وسوف تصبح التوقعات المتعلقة بما هو منظور ومتوقع، ممكنة عندما نرى الإجراءات العملية لواشنطن.

ـ في الوقت الحالي، وفي تطوّر مصيريّ لافت لا يصدّق، تتمركز قوات كلّ من الولايات المتحدة وروسيا في الجانب الشمالي من سورية، في محاولة منهما لكبح جماح تركيا من التورّط في حرب داخل الحرب الدائرة رحاها في سورية. وكانت الميليشيات الكردية السورية حليفة الولايات المتحدة في شمال سورية ، قد وقعت اتفاقاً مع قوات الحكومة السورية لمنع القوات التركية من التقدّم ناحية منجيب. وإنعاشاً لذاكرتنا، فقد استولت داعش على منجيب في عمليات مشتركة بين القوات الخاصة الأميركية والميليشيات الكردية في آب الماضي. وللمفارقة، فإنّ روسيا قامت بوساطة لعقد صفقة بين الميليشيات الكردية والجيش السوري. وكالة تاس

إذاً، ماذا لدينا هنا؟ تخطط تركيا للذهاب بعيداً في عمق الأوردة الدقيقة للميليشيات الكردية التي تسيطر حالياً على منجيب، والتي كما ذكرنا سابقاً مدعومة من قبل القوات المركزية الأميركية، والقوات الأميركية على الأرض مع الأكراد.

وكما كشف تحليل رويترز، فيبدو أنّ الولايات المتحدة وتركيا تسيران بمحاذاة «مسارٍ تصادميّ». وتتخطى روسيا في هذه المرحلة الحكومة السورية وتتحمّل المسؤولية عن الميليشيات الكردية في المقاربات الغربية لمنجيب بهدف منع القوات التركية من التقدّم.

ويكفي القول إنه من الصعب الاعتقاد بأنه لم تحدث اتصالات بين الجيشين الأميركي والروسي على المستوى التشغيلي في ما يتعلق بالوضع الخطير الذي يتطور حول منجيب. وعندما سئل المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف في وقت سابق عن الاتصالات بين روسيا والولايات المتحدة حول الأزمة السورية، أجاب: «لم تكن هناك اتصالات جوهرية».

وكان البنتاغون قد قدّم تقريره الى البيت الأبيض حول استراتيجية محاربة داعش، وأعطى المحلّل الروسي للقضايا الأمنية أندريه أكولوف تقييماً إيجابياً لتصوّر إمكانية التعاون والتنسيق بين الولايات المتحدة الأميركية في مكافحة الإرهاب. وتظهر الصورة التي نتجت عن الإحاطة الإعلامية التي أوردها القائد الأعلى للولايات المتحدة في العراق اللواء ستيفن تاونسند خلال مؤتمر تلفزيوني في بغداد أيضاً.

ـ من غير المحتمل أن تنشر الولايات المتحدة عدداً كبيراً من القوات في سورية

ـ ستتابع الولايات المتحدة اعتبار الميليشيات الكردية حليفاً لا غنى عنه في سورية

ـ لن يوصي الجيش الأميركي بأيّ تحوّل جذريّ في استراتيجيته المتّبعة في سورية أي سيستمرون في القتال عبر حلفائهم المحليين ومن خلالهم

ـ سوف تلعب الميليشيات الكردية دوراً هاماً في العملية المقبلة لتحرير الرقة، عاصمة داعش الفعلية شرق سورية

ـ لا تتفق الولايات المتحدة مع تصوّر تركيا من أنّ الأكراد السوريين يشكلون تهديداً لأمنها القومي.

وترد هنا نسخة من المؤتمر التلفزيوني للجنرال تاونسند. ويكمن السؤال الكبير في إمكانية وجود آفاق محتملة للتعاون العسكري بين روسيا والولايات المتحدة في سورية. وفي تصريح لوزير الدفاع الأميركي جايمس ماتيس استبعد وجود مثل هذا الاحتمال. لكن لا بدّ من تغيير هذه الإمكانيات والاحتمالات. وتُستأنف هذه الاتصالات اليوم على مستويات رفيعة بين الناتو حلف شمال الأطلسي وبين روسيا، ما يشير الى أنه من المتوقع التوصل الى تخفيف شامل للتوترات في علاقات الغرب مع روسيا. ما يمكن أن يُطلق عليه تأثير ترامب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى