«البناء» تنفرد بكشف مشروع تفاهم تركي – كردي عرضه الأميركيون فقصفه الأتراك تصعيد سياسي أميركي عراقي بعد الغارات… قبيل زيارة أردوغان لواشنطن

كتب المحرّر السياسي

أكدت معلومات خاصة بـ»البناء» واكبت على مدى شهرين ماضيين في مناطق الرقة ودير الزور والحسكة مساعيَ أميركية لتقارب تركي كردي، أن الغارات التي شنتها الطائرات التركية يوم أمس، على المواقع الكردية شمال شرق سورية وشمال غرب العراق، جاءت لتقضي على فرص تسوية اشتغل عليها الأميركيون خلال الشهرين الماضيين وحققت تقدماً ملموساً على الجانب الكردي، ليأتي الردّ التركي بالغارات التي قتلت قرابة مئة مقاتل كردي ودمّرت مقار ومحطات إذاعة، وآليات عسكرية ومدنية وسيارات إسعاف ومستوصفاً، وتسبّبت بمواقف عراقية وكردية وأميركية عالية النبرة بوجه تركيا، قبيل زيارة الرئيس التركي إلى واشنطن ولقائه الرئيس دونالد ترامب في السادس عشر من الشهر المقبل.

تزامن الاستغراب الأميركي للغارات التركية مع نفي المعرفة المسبقة بها مع تنديد كردي وعراقي، بينما كانت أنقرة قد سجلت استغرابها لصدور بيان عن البيت الأبيض يعتبر المجازر بحق الأرمن من فظائع التاريخ الإنساني، ليصير السؤال حول مستقبل القمة الأميركية التركية مطروحاً على الطاولة.

تقول المعلومات الخاصة بـ»البناء» إنّ اجتماعاً عقد الإثنين الماضي في القاعدة العسكرية الأميركية الرئيسية شمال شرق سورية في حقل الرميلان النفطي في مدينة المالكية، ضمّ وفوداً تركية وأميركية وكردية، لمناقشة مسودة مشروع تعاون في الحرب على تنظيم داعش، تلتزم به المجموعات الكردية التي مثلها حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري، المعروفان اختصاراً، بالـ»ب ي د»، والـ «واي ب ك»، ونصّت المسودة على التزام الجانب الكردي بإخراج كلّ عناصر حزب العمال الكردستاني من صفوفه ومناطقه، وإزالة صور زعيمه عبدالله أوجلان من مقارّه، واستبدال علمه ذي النجمة الواحدة بعلم بثلاثة نجوم أو علم قوات سورية الديمقراطية، وتشكيل لجان تفتيش أميركية كردية لملاحقة مشتركة لحزب العمال الكردستاني. وعلى المستوى السياسي إعلان الحزب وجناحه العسكري إنهاء كل علاقة له بحزب العمال الكردستاني وتأكيد هويته كمكوّن من المعارضة السورية المعتدلة، وتخلّيه عن الدعوة لقيام كردستان منفصلة عن سورية، أو الدعوة للفدرالية، والقبول بصيغة تضمن اعترافاً بحقوق الأكراد ضمن دستور سوري جديد. وكان الإعلان من الجانب الكردي بقبول المشروع الأميركي ثمرة اجتماعات كردية كردية تمّت برعاية رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني، ضمّت حزب الاتحاد الديمقراطي وأحزاب المجلس الوطني الكردي التي تنسّق مع تركيا وتشارك في مؤتمر الرياض للمعارضة.

الردّ التركي كان بعدم التعليق على العرض الأميركي والموافقة الكردية، والاكتفاء بالقول إنّ طبيعة الاجتماع العسكرية لا تسمح للضباط المشاركين إلا بمناقشة شؤون عسكرية، ولذلك فهم سيكتفون بالمطالبة باختبار نيات يتضمّن موافقة الجانب الكردي على دخول البشمركة السورية إلى مناطق سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي، والبشمركة السورية هي ميليشيا شكّلها البرزاني من نازحين أكراد سوريين إلى كردستان العراق، وضمّ ممثلين عنها في صيغ إدارة مناطق السيطرة الكردية في سورية.

الغارات التركية التي جاءت بعد يوم على اجتماع الرميلان يراها الجانب الكردي قرار حرب، فيتحدّثون عن حشود تركية قبالة عين العرب، وتل أبيض، وعن نقل وحدات من درع الفرات لتشكيل ما يُسمّى بدرع الشرقية، واعتبار كلام الرئيس التركي قبل يومين عن إمكانية العودة للتدخل العسكري في سورية تمهيداً لعملية تشبه ما بدأه الأتراك غرب الفرات بعملية توغّل في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد ولا يوجد فيها تواجد أميركي مباشر.

تلفت المعلومات الواردة لـ«البناء» إلى أنّ الغارات التركية التي استمرت قرابة الساعتين وشاركت فيها ست وعشرون طائرة تركية مقاتلة، ليست عملية عادية، وتضيف أنّ المنطقة الحدودية بين العراق وسورية شمالاً، والممتدّة بين المالكية وسنجار تشكل هدفاً تركياً مثل مدينتَيْ عين العرب وتل أبيض.

التصعيد التركي المفاجئ مع الحشود التركية قبالة مناطق سيطرة الأكراد يأتي بعدما نجح الجيش السوري بالتنسيق مع لجان الحماية الكردية بتأمين طريق بري يربط القامشلي بدمشق، ومع التقدّم العسكري المتزايد للجيش السوري شمال سورية.

خلط الأوراق الذي يبشّر به التحرك التركي، مقابل خلط أوراق آخر تثيره المعلومات الواردة عن تحرّكات يجري إعداداها عبر الحدود الأردنية السورية، يفسّرهما الشعور بالقلق من الانتصارات السورية والعجز عن وقفها.

خلط أوراق آخر يعيشه لبنان مع اتجاه جماعة داعش والنصرة للتصعيد تفادياً لخطر هجوم مقبل نحو مواقعهما من الجهة السورية بعد تحرير الزبداني وتوسّع الجيش السوري نحو الحدود مع لبنان، بينما الجيش اللبناني وحزب الله يسجلان يومياً المزيد من النجاحات الاستباقية الأمنية والعسكرية.

خلط الأوراق المقلق للبنانيين هو التصعيد في التوتر المرتبط ببدائل العجز عن إنتاج قانون جديد للانتخابات.

مقتل «التلّي» بانفجار في عرسال

لا تزال التطورات الميدانية المتسارعة على جبهة عرسال تطغى على المشهد الداخلي، وسط جمود يلف قانون الانتخاب، إذ لا يتعدّى التقدم حدود رمي المشاريع والمشاريع المقابلة بما يشبه معركة قوانين من دون نتيجة تُذكَر حتى الآن مع اقتراب موعد الجلسة الحاسمة في 15 أيار المقبل.

وقُتل أمس، أبو قاسم التلة المسؤول عن التفخيخ وإعداد العبوات الناسفة في «جبهة النصرة» بجرود عرسال، إثر تعرّضه لانفجار عبوة ناسفة أمام مقره الكائن في خربة يونين في جرود عرسال وإصابة معاونه أحمد أبو داوود المعروف بـ»أبو دجانة اللبناني» الذي فقد ساقيه وحالته حرجة.

ولم تكن العملية الاستباقية النوعية التي نفذها الجيش اللبناني في جرود القاع ورأس بعلبك وعرسال منذ أيام وليدة اللحظة، بل جاءت وفق مصادر أمنية خاصة لـ«البناء» بعد تقاطع معلومات أمنية وثيقة زوّدت بها استخبارات الجيش من جهاز أمني معني بالرصد والمتابعة، عن تحرّكات غير عادية لمسلحي تنظيمي «النصرة» و«داعش» مجتمعين ومفادها أن اجتماعاً قيادياً عسكرياً لقادة الصف الأول من النصرة وداعش في أحد المواقع التابعة لهم سيحصل ويضمّ خمسة وثلاثين قيادياً على رأسهم أمير النصرة في القلمون أبو مالك التلي، وبحسب المصادر، فإن الاجتماع كان محدّد الأهداف والاتجاهات. وخلصت المعلومات الى أن عملية أمنية كبيرة كانوا يحضّرون لها أبعد من مواقع سيطرتهم، وبعد ذلك اتخذ الجيش اللبناني قراراً بتوجيه ضربة استباقية شاركت فيها وحدات النخبة بمعاونة من سلاح الجو إضافة الى وحدة النخبة في المقاومة الإسلامية وتمّت مهاجمة الموقع بعملية مباغتة أسفرت عن مقتل وإصابة من كان بداخله.

ويوم أمس، تضيف المصادر: أنه وفي ردّ على العملية العسكرية منذ يومين، حاولت الجماعات المسلّحة رفع معنوياتها، فعملت للتحضير لمجموعة من السيارات المفخخة بهدف إرسالها الى مكان محدد وفك الحصار عن مجموعاتها وإعادة الاعتبار، وفي خربة يونين تحديداً، حيث الموقع الرئيس لـ«النصرة» كانت تحضر إحدى السيارات بعبوة ضخمة قبل أن يحصل خطأ ما أدّى الى انفجارها بالمجموعة نفسها، فأدى الى مقتل أبو قاسم التلي. وتؤكد مصادر خاصة لـ«البناء» إصابة المجموعة كاملة، ومن ضمنهم أبو مالك التلي إصابة مباشرة، لكنها لم تؤكد مقتله بل جزمت إصابته.

وعقب الانفجار شوهدت سحب من الدخان الكثيف تتصاعد من الموقع المذكور الذي تحوّل ركاماً من شدة الانفجار.

مصادر مواكبة لمسار الأحداث وجرود عرسال ورأس بعلبك تشير لـ«البناء» إلى أنه على ما يبدو أن قراراً ما اتخذ في الجيش على صعيد حسم المعركة ميدانياً في البؤرة الأمنية الضيقة وفك أسر منطقتي بعلبك وعرسال من قيد الإرهابيين. وعليه فإن عملية عسكرية واسعة ستبدأ وستبرز نتائجها في مقبل الأيام وقد لا تتجاوز شهر رمضان».

وتعرّضت دورية للجيش في بلدة دار الواسعة إلى إطلاق نار من قبل مسلحين، مما اضطر الجيش للردّ على مصادر النيران، ما أدى الى إصابة أحد الاشخاص وتوقيف 5 نقلوا الى أحد المراكز العسكرية للتحقيق.

المهلة تتناقص والحلول تضيق

ومع تناقص أيام المهلة الأخيرة قبل جلسة التمديد، تضيق الخيارات المتاحة أمام القوى السياسية، فلا اتفاق حتى الساعة على مسوّدة قانون جديد، كما يُصرّ التيار الوطني الحر على رفض التمديد للمجلس الحالي بينما تتمسّك أطراف أخرى برفض الفراغ النيابي ولو لساعدة واحدة وترى بأن جلسة 15 أيار ستكون حاسمة لجهة ضمان استمرار مؤسسة مجلس النواب، غير أن رئيس الجمهورية الذي جمد الانتخابات على قانون الستين من خلال رفض توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، رفض أمس تهديد الآخرين بالفراغ، معتبراً أن لدينا مهلة حتى حزيران للتوصل الى القانون الموعود.

ونبّه الرئيس ميشال عون، الجميع، «شعباً ومسؤولين، الى أن التمديد للمجلس النيابي لا يجب أن يحصل، ولا يهدّد أحد به، لأن فيه خراباً للبنان». وأشار الى انه «حتى مهلة 20 حزيران المقبل يمكن وضع قانون جديد للانتخابات، وحتى لو وصلنا الى 20 حزيران فإن لا فراغ سيحصل في المؤسسات»، وقال: «هذا المجلس لن يمدّد لنفسه، ومن غير المقبول أن يمدد لنفسه دقيقة واحدة».

كما اعتبر وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل بعد اجتماع «تكتل التغيير والاصلاح» أمس، أن «قانون الستين وجه آخر للتمديد ولا نريده، ولا فراغ لأن الدستور يمنع الفراغ، والضمان الوحيد هو اقرار قانون انتخابي جديد، وكل مَن يطرح التمديد يضع مخرجاً لإقراره، ونحن نمنع خيارات التمديد والستين والفراغ».

وقال «لسنا متمسّكين بأي قانون انتخابي ولا أحد يستطيع منع المسار الانتخابي الذي اعتمدناه، والنتيجة هي صحة التمثيل. نحن لم نرفض النسبية، والوطن للجميع، ولقد مددنا جسور التفاهم بين اللبنانيين، وقاتلنا من أجل هذا، وحين نطرح قانون انتخاب نفكر بكل لبناني على الأراضي اللبنانية كافة، وكل القوانين التي طرحناها فيها النسبية، ويجب الأخذ بصوت المسيحيين في لبنان في الاعتبار».

مبادرة لدى بري من وحي الطائف

أما جعبة عين التينة فلم تنضب من المبادرات وآخرها مبادرة من وحي اتفاق الطائف يُعدّها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وفق ما نقل عنه زواره لـ«البناء»، وأشاروا الى أن «رئيس المجلس يعتقد أن النسبية الكاملة هي أفضل قانون للخلاص من المشاكل والأزمات التي يعاني منها لبنان عند كل محطة أو استحقاق نيابي أم رئاسي وبالتالي النسبية تؤمن عدالة وصحة التمثيل، أما توزيع الدوائر فهذا يتم بالتفاهم بين القوى السياسية، لكن المهم في البداية التوافق على مبدأ النسبية واستكمال تطبيق الدستور بانتخاب مجلس نيابي على النسبية وإنشاء مجلس شيوخ يتمّ انتخابه على أساس طائفي ومذهبي يحدّد صلاحياته ووظيفته».

ولفت الزوار الى أن «الرئيس بري لا يزال في مرحلة الاتصالات والمشاورات لاستمزاج آراء الأطراف لإنضاج مبادرته وتريّث في الاعلان عنها كي يأخذ مشروع الحزب التقدمي الاشتراكي فرصته، كما يمكن أن لا يلجأ بري للإعلان عنه في مؤتمر صحافي، بل يجس نبض الأطراف عبر قنواته الخاصة وفي حال تأمن التوافق حوله يتم الإعلان عنه».

وكما نقل الزوار عن رئيس المجلس أنه «لا يحبذ التمديد للمجلس الحالي، وفي حال ذهبنا اليه بعد تعذّر إقرار قانون جديد، سنذهب مكرهين تجنباً للفراغ الذي يرفضه جميع الأطراف»، ويضيف الزوار: إذا كان البعض لا يريد التمديد وآخرون يرفضون الفراغ واستمر الخلاف حول القانون، فلا يبقى حينها الا القانون النافذ كحل نهائي. وهذا مخرج دستوري في حال وقّع الرئيس عون مرسوم دعوة الهيئات الناخبة.

التمديد محسوم إذا تعذّر القانون

وتخوّفت مصادر نيابية مطلعة من أن ينتهي العقد العادي للمجلس النيابي في 31 أيار المقبل من دون التوصل الى حل وتعذّر إقرار قانون والوقوع في المحظور ولا شيء يضمن أن يفتح رئيس الجمهورية دورة استثنائية للمجلس أو قد تحول ظروف أو إشكالات ما من فتحها، وبالتالي نصبح بلا تشريع، لذلك سيتصرّف وسيتخذ كل الإجراءات والاحتياطات قبل 31 ايار بما يضمن استمرراية المؤسسات والجلسة 15 أيار ستكون حاسمة لجهة التمديد».

انقسام داخل المستقبل حول التأهيل

وإذ لم يقارب بيان كتلة المستقبل التي انعقدت أمس موضوع قانون الانتخاب، علمت «البناء» أن هناك انقساماً داخل المستقبل حيال التأهيلي، فالرئيس سعد الحريري أعطى موافقة مبدئية، لكنها غير نهائية، بينما لفتت مصادر «البناء» الى أنه «لم يحصل توافق على التأهيلي في المستقبل وأغلبية الكتلة ترفضه وتؤيد النسبية الكاملة، لأنها تضمن أكبر عدد ممكن من المقاعد النيابية له».

وتساءلت المصادر هل يسمح الدستور بتعطيل مجلس الوزراء؟ ولماذا لا يدعو رئيس الحكومة إلى جلسة لها لاستكمال مناقشة قانون الانتخاب؟ متخوفة من أزمة بين بعبدا وبيت الوسط تؤدي الى تعطيل مؤسسات الدولة.

وردّ رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط في تصريح عبر وسائل التواصل الاجتماعي على التيار الوطني الحر من دون أن يسمّيه قائلاً: «إذا كان مشروع الاشتراكي مضيعة وقت، فإن التأهيل الطائفي ضرب للوحدة الوطنية لتيار يسمّى مستقبل، لكن قد يصبح ماضياً». وأضاف: «وبالمناسبة لا نعني تياراً محدداً بل كل الذين يزايدون في التغيير وهم من التغيير براء».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى