الهيئات الإعلامية… وأزمة الصحافة المصرية

بشير العدل

رغم إقرار قانون التنظيم المؤسّسي 92 لسنة 2016، والذي تمّ بموجبه تشكيل الهيئات الإعلامية الثلاث، وهي المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام، لا زالت الصحافة وأبناء المهنة في بلادي مصر، تواجه أزمة حقيقية وتحديات خطيرة، بلغت ذروتها خلال السنوات القليلة الماضية، وتحديداً التالية على أحداث كانون الثاني/ يناير 2011، الأمر الذي انعكس سلباً على الواقع الصحافي والإعلامي عموماً، والذي امتدّ بدوره إلى المجتمع المصري، الذي ساهمت الصحافة والإعلام عموماً، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر في تأزّمه، وخلق معاناة معرفية له، بجانب المعاناة في مجالات أخرى كالسياسة والاقتصاد.

وعندي أنّ الأزمة مرشحة للتصاعد، خاصة في ظلّ انتظار تشريعات صحافية جديدة، يحملها مشروع قانون الصحافة والإعلام، والذي بحسب تصريحات برلمانية تمّ إرساله إلى الهيئات الإعلامية الثلاث الجديدة وهي المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام، لإبداء الرأي فيه. وهو الجزء الثاني من مشروع الصحافة والإعلام الموحّد، الذي سبق أن تمّ تقديمه للبرلمان، غير أنه تمّ تقسيمه ليصدر قانون التنظيم المؤسّسي الخاص بتشكيل الهيئات، وهو ما تمّ بالفعل، ليبقى قانون الصحافة والإعلام، والذي يراه فريق ممّن ساهم في إعداده بأنه كفيل بضبط الأداء الإعلامي والحدّ من أزمات الصحافيين، في وقت يرى فيه كثيرون وأنا منهم أنه وحده غير كفيل بضبط الأداء الإعلامي.

يأتي ذلك كله في وقت يعاني فيه الصحافيون غياب ضروريات البقاء سواء المادية أو المهنية، ويفرض عليهم الواقع السياسي الذي تمرّ به الدولة، أن يكون لهم دورهم في دعم الحكومة، وهو الأمر الذي خلق حالة من الانقسام غير المحمود في الوسط الصحافي والإعلامي، حيث اتجه فريق لدعم الدولة وبشكل مبالغ فيه، جعلهم يدخلون في دائرة نفاق السلطة من ناحية، وفريق آخر ينتهج نهج معارضة النظام، الأمر الذي أدّى في النهاية الى خروج الأداء الإعلامي عن الطريق القويم، ودخل إما في طريق نفاق السلطة، أو المساعدة على هدم الدولة وخدمة أغراض وأهداف المتربّصين بها.

والواقع الذي يعيشه الصحافيون في بلادي مصر يتسم بالمرارة، خاصة أنّ كثيراً منهم وأغلبهم من المنتمين إلى الصحف الحزبية والخاصة، يعانون البطالة وعدم صرف رواتبهم منذ سنوات طوال، فضلاً عن قيام أصحاب الصحف الخاصة بتسريح العديد منهم بحجج الخسارة المادية. الأمر الذي انعكس في النهاية سلباً على أوضاع الصحافيين عموماً، بعد أن فقد أغلبهم مورد رزقه الأساسي نتيجة إغلاق الصحف وتشريد الصحافيين من ناحية، وبسبب عدم قدرة الدولة على تسوية ملفاتهم التأمينية من ناحية أخرى، مما يهدّد مستقبل أسرهم نظراً لارتباط ذلك الأمر بمعاش الضمان الاجتماعي المفروض على الدولة، هذا بخلاف حالة البطالة التي يعيشونها، والتي تُعَدّ مجالاً للاستثمار الخصب من مجال المتربّصين بالدولة المصرية ممّن يملكون آلات دعاية إعلامية ذات تمويل مادي سخي.

ومع تلك التحديات وخاصة المادية تأثر أداء الصحافيين، مما دفع بالكثيرين منهم إلى تحويل دفة الأداء المهني والحياد عن المصداقية، وذلك إما لخدمة الحكومة والتسبيح بحمدها، وإما للدفاع عن رجال الأعمال سواء في الصحف الخاصة أو الفضائيات التي يمتلكونها لتكون المهنة والصحافيون الخاسر الأكبر في عملية التحوّل السلبي في الأداء المهني.

تبقى المسؤولية عن هذا التراجع في الأداء والتحديات التي تواجه الصحافيين والمهنة عموماً على كاهل الحكومة بالدرجة الأولى، التي تملك زمام القدرة على تقنين الأوضاع، وعلى الجهات المعنية الجديدة، وفي مقدّمتها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة، ومعهما نقابة الصحافيين، التي أصبحت وبعد قانون التنظيم المؤسّسي في الدرجة الثالثة، بعد أن كانت درجة ثانية في ما سبق بعد المجلس الأعلى للصحافة، وذلك على اعتبار أنّ تلك الجهات هي المسؤولة عن الصحف والصحافيين عموماً، وهو ما يفرض عليها أعباء جديدة لضبط الأداء الصحافي والإعلامي عموماً.

غير أنّ تحديات ما زالت موجودة تواجه تلك الجهات في سبيل تنفيذ خطة لضبط الأداء الصحافي والإعلامي وإنهاء أزمة الصحافة المصرية، تتمثل تلك التحديات في استمرار أزمة الموازنة بين ضروريات المهنة وحق المجتمع من ناحية، وبين مطالب دعم الحكومة وتلميع أصحاب رؤوس الأموال الخاصة من ناحية أخرى، وهي المعضلة التي تواجه الصحافة والصحافيين في بلادي مصر قديماً وحديثاً.

كاتب وصحافي مصري

مقرّر لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة المصرية

eladl254 yahoo.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى