سقوط الإنسانية في جبروت الجهل وتكرار التجربة

جهاد أيوب

ها قد عادت ذاكرة تلك الصفحة السوداء، وحفرت في التاريخ جريمة الجبان، ولاحت من جديد رائحة الدماء البريئة على يد خرج منها فعل الحاقد ودواعش العصر، وفاحت منها عرق الغدر وجرائم الجهل… جريمة نتذكرها كلّ عام لنتعلم منها صليب الصبر، صليب الحرمان، صليب القلق، صليب الانتظار لتبقى يد الرحمن اقوى من يد القاتل المجرم الجبار!

جريمة افتعلتها زمر داعش العثماني في حق الأرمن والسريان 1915 – 1917 ، وراح ضحيتها مليون ونصف مليون حالة بشرية عفيفة، ورسالة روحية شريفة، ونفس حليمة، وطفولة كان يحق لها الحياة، فجاء الجبروت ليلغي حقها بالبقاء بأمان…

جريمة أصبحت مع الزمن ذكرى لم يحاسب مرتكبها، ومفتعلها، ومدبرها، ومنفذها كما حال جرائم داعش هذا العصر…

لم يحدث في تاريخ البشرية مجزرة تشبه مجزرة الدولة العثمانية بأبرياء الأرمن، قد تكون قد وقعت مجازر عبر التاريخ القديم قريبة منها، لكنها ليست مثلها، ومن حق كلّ إنسان أن يسأل لماذا؟

لأنّ من سبق بمجازره لم يحمل رسالة سموية قيمة، ويتغنّى بها كما حال الدولة العثمانية، وزمر حكامها، ومن افتى بداعشية قتل الناس بشكل متعمّد وممنهج آنذاك!

يقطعون رأس كلّ طفل يزرع في الأرض براءة الملائكة، ويغتالون الشباب الحفاة الحالمين بالأيام المقبلة، ويذبحون الشيوخ وكبار العمر وذاكرتهم المنهكة بالانتظار، ويفعلون بالنساء المحصّنات والأيام المنتظرة! هناك صنعوا المحرقة الأرمنية بفجور التديّن، وغرور التواجد!

هناك نفذوا المذبحة الأرمنية وقالوا كما قال دواعش اليوم: «الله اكبر»!

هناك زيّنوا تواريخهم بجريمة كبرى نالت من شعب الأرمن الباحث عن صليب يزرعه في القلب، ويمارسه في حياة يسعى أن تكون كريمة، لكنه وجد الجريمة المتعمّدة تحاصره، تنتظره، تستقبله كي تبيده!

هناك تفاخر سيل الأمبراطورية العثمانية بالقتل الممنهج، بسلخ البشرية عن أرضها، بزرع الحقد الطائش في كلّ مكان، وبمشاهدة الدماء تسيل في الأحلام، والأمعاء تبكي الأرحام، والصراخ يغتصب الوديان، والصدى يغتال الصدى كي يخفي جريمة الغلمان، وأنين البكاء يفترش الخوف والصدمة والجهل والإيماني، والكفر المبطن بالدين، والدين من هكذا فعل براء!

هناك وقعت الواقعة خلال وبعد الحرب العالمية الأولى في مجازر ارتكبت بحق الأرمن، وشكلت بصمة عار في حق الإنسانية، ورسمت دائرة مخيفة في حقل البشرية، ولا مجازر تشبه تلك المجازر إلا مجازر الصهاينة في فلسطين ولبنان، وكم كانت صداقة الصهاينة متينة مع غالبية حكام السلطنة العثمانية، وكم كانت ولا تزال الأفعال مشتركة ومتشابهة، ومنهجية الذبح لصيقة، وافتعال قصف أعمار الأبرياء، واختزال الوجود بإلغاء روح إنسان لا يعجبهما، انهما شركاء في إخفاء الحقيقة، وتكرار الخطيئة!

ولا مجازر تشبه تلك المجازر إلا مجازر داعش العصر في سورية، داعش المموّل، والمتعلم، والمنمّق، والمتكاثر، والمتدرّب بفضل السلطنة العثمانية الأردوغانية!

هناك الترحيل والترحال القسري افتعلته سياسة العثماني في السريان، والكلدان، والأشوريين، واليونانيين من شعب الأرمن على أرض الأرمن في قوافل سارت في ظلّ ظروف قاسية حتى الموت المنتظر خلف رغيف خبزهم، واغتيلت كراماتهم مع كلّ خطوات أقدامهم، وتجمّدت نفوس في عنق الخوف مع تنهيداتهم، وجالت السيوف مع رصاص لا يعرف رحمة ولا أذان ولا أصوات أجراس ولا حقيقتهم!

جريمة فاجعة راح ضحيتها الملايين من رواد الأرض، من أناس زرعهم الرحمن فقتلهم الجوعان، وأصرّ المتسلط الداعشي العثماني أن يرسم صورهم بألوان الموت، جريمة لم يحاسب مرتكبها، وسمح له بإعادتها في بلاد الشام مع اختلاف الظروف!

كي نتعلم من مجزرة الأرمن لا بدّ أن نرفع الصوت لنشير إلى الفاعل المجرم بوضوح، ونقول إنّ من فعل تلك المجازر لا يزال يفتعلها اليوم… ونعيد السؤال القديم الجديد، لماذا المجتمع الدولي يبرّر مجازر الأقوياء بحق أصحاب الأرض، الحق والإنسان؟!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى