غارة «إسرائيلية» إلى الوراء؟

ناصر قنديل

– يجزم العسكريون المعنيون والمتابعون للغارات «الإسرائيلية» في سورية من تدمر إلى محيط مطار دمشق أن لا أهداف تتصل بما يدّعيه «الإسرائيليون» من مخازن صواريخ وشحنات للمقاومة، ومثال تدمر يحكي عن نفسه، إذ كيف يمكن تصديق أكذوبة ورود الصواريخ عن طريق بري ينتهي في تدمر إلا إذا كان أوله في الرقة، فهل من هناك تأتي الصواريخ التي يتحدّثون عنها. ويجزم العسكريون أنفسهم أنّ الغارات «الإسرائيلية» التي لها أهداف متعددة منها ما يتصل بمستقبل جغرافيا البادية السورية التي تطلّ عليها جميع المواقع التي استهدفها الأميركيون و«الإسرائيليون»، من دير الزور إلى تدمر والشعيرات وصولاً لمطار دمشق، والبادية هي المنطقة التي يريدها الأميركي ملاذاً بديلاً لداعش بعد الرقة، وقد وظف «الإسرائيلي» لمعاونته في تحقيق هذا الهدف. لكن للضربات وظائف معنوية تتصل بحال المسلحين المنهارة، ومن الزاوية «الإسرائيلية» الصرفة لها صلة بمحاولة رسم قواعد اشتباك لما بعد نهاية الحرب في سورية.

– حاول «الإسرائيليون» رسم معادلة استباحة الأجواء السورية وتكريس ما يتحدّثون عنه كحق لهم بملاحقة شحنات سلاح حزب الله، في كلّ الأراضي السورية وعبر سلاح الجو بيدين طليقتين، بعدما كلّفوا جماعاتهم من هياكل المعارضة والنصرة بضرب منظومات الدفاع الجوي السوري، ونجحوا بتفكيك نسبة النصف منها، كما قال الرئيس بشار الأسد، لكنهم منذ سنة بدأوا يكتشفون أنّ التموضع الروسي من جهة، وإعادة بناء منظومات الدفاع الجوي السورية من جهة أخرى، قد فرضا قيوداً على حركة طيرانهم وعلى التسليم بما افترضوه قد تكرّس لهم بصفته حقاً مكتسباً في أرض سائبة. وبدأ يظهر أنه كلّما تعافت الدولة السورية واستعادت قوتها العسكرية، فذلك لا يحدث بوجه الجماعات المسلحة وحدها، بل يغيّر قواعد الاشتباك مع «إسرائيل»، وخلال ثلاثة شهور واجه «الإسرائيليون» تصدياً صاروخياً سورياً في مرتين متعاقبتين يقول إنّ الأجواء السورية صارت محرّمة على الطيران «الإسرائيلي».

– في المرة الأولى تلقى «الإسرائيليون» المعادلة الجديدة وحاولوا التأقلم معها، فلجأوا إلى صواريخ موجّهة من طائراتهم بمدى ستين كليومتراً يطلقونها من الأجواء اللبنانية، وصواريخ برية يطلقونها من حدود الجولان وتصل إلى مدى موازٍ، حتى جاء الحضور الأميركي ودخوله على الخط بمحاولة تغيير قواعد الاشتباك وإسناده لـ«الإسرائيليين» مهمة الضرب بالوكالة عنهم في تدمر، وتأمين عبورهم الأجواء السورية ما شجّعهم على العودة للرهان على تغيير القواعد والعودة لما قبل الصواريخ السورية، وكانت النتيجة تكريس معادلة حرمة الأجواء السورية عليهم بقوة أشدّ وعزم أكبر.

– يعود «الإسرائيليون» بغارة مطار دمشق ليقولوا إنّ الردع السوري يمنعهم من دخول الأجواء السورية لكنه لا يحول دون التعامل ضمن ما رسموه من مدى أمني لصواريخهم الموجّهة من الجو أو البر من دون الدخول للأجواء السورية، وبهذا المعنى تنتمي غارة مطار دمشق بواسطة صواريخ موجّهة أطلقت من فوق الأجواء اللبنانية، إلى مرحلة ما قبل محاولة كسر ميزان الردع الذي كرّسته الصواريخ السورية، من دون أن يعني هذا تسليماً من سورية والمقاومة بقواعد الاشتباك التي يريد «الإسرائيلي» فرضها، ولو من موقع التسليم بقواعد الردع السورية، بجعل مدى الستين كيلومتراً من الحدود مع الجولان ولبنان منطقة عمليات «إسرائيلية».

– من موقع رسم قواعد الاشتباك عادت المعادلة لردّ يضمن ردعاً جديداً يكمل الردع الذي صنعته الصواريخ لحرمة الأجواء السورية، فيمنع العبث ضمن مدى الصواريخ «الإسرائيلية»، ويبدو أنه آتٍ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى