أبو جودة: عطيّة قيّمة وزادٌ لإنسانية نكهتها الرفعة… ومثال في التزام قناعات آمن بها منصور: ظلّ متمسّكاً بعقيدته في زمن قلّ فيه الثابتون على مبادئهم خير الله: شخص استثنائيّ خاض غمار الأحداث وجابه المخاطر وتنكّب تبعات قضية قومية عزّ نظيرها

نظّمت «مؤسّسة مسعد وناديا حجل الثقافية الاجتماعية»، حفلاً في قصر العماد إميل لحود للمؤتمرات في ضبية، وذلك لمناسبة صدور مذكرات الرئيس الأسبق للحزب السوري القومي الاجتماعي مسعد حجل، حضره مدير مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية رفيق شلالا ممثلاً رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، باتريك كيفوركيان ممثلاً الرئيس إميل لحود، الرئيس حسين الحسيني، رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الوزير علي قانصو، رئيس المجلس الأعلى محمود عبد الخالق، عضو المجلس الأعلى النائب أسعد حردان، النائب مروان فارس، النائبان نبيل نقولا وسليم سلهب عن التيار الوطني الحر، محمد اسماعيل ممثّلاً رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، والوزراء السابقون: إدمون رزق، محمد يوسف بيضون، عدنان منصور، بشارة مرهج، الياس بو صعب، والنواب السابقون: غسان مطر، أنطوان حداد، أنطون خليل، ورئيسا الحزب السابقان يوسف الأشقر وجبران عريجي، كريمتا الزعيم أليسار سعاده والدكتورة صفية سعاده، رئيسة «مؤسّسة أسَر الشهداء» نهلا رياشي مع وفد من المؤسّسة، المندوب السياسي لجبل لبنان الشمالي نجيب خنيصر، وسفراء وقناصل ورئيس الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم بيتر الأشقر، أحمد ناصر الرئيس الفخري للجامعة الثقافية ممثلاً مدير عام المغتربين هيثم جمعة، نقيب المحررين الياس عون، وعدد من رجال الدين وممثلي أحزاب وهيئات وشخصيات سياسية وثقافية واجتماعية ونقابية، ورؤساء بلديات ومخاتير وقيادات، وحشد من أعضاء المجلس القومي. كما حضر منفّذون عامون وهيئات منفذيات وأعضاء في الحزب السوري القومي الاجتماعي.

البنّا

استهلّ الحفل بالنشيد اللبناني ثم دقيقة صمت إجلالاً لأرواح شهداء الجيش والمقاومة والحزب، ولروح نقيب الصحافة محمد البعلبكي، ثم ألقى عريف الاحتفال مهنا البنا كلمة استهلّها مرحّباً بالحضور، ثم قال:

إليك ترنو عقولنا وجوارحنا، ومعها تاريخنا وصمودنا وثباتنا، حيث يمَّمْنا سفن قضيتنا نحو بحر عقيدتك التي آمنّا بها، وأقسمنا على تحقيقها بكلّ ما أوتينا من قوة الإرادة، ومضاء العزيمة، ألسنا نحن الذين أقسمنا بالشرف والحقيقة والمعتقد أننا انتمينا إلى نهضةٍ تساوي الوجود؟ فلا سبيل لنا للخروج منها إلا خروجاً من شرفنا وحقيقتنا ومعتقدنا.

فنحن بكامل إرادتنا ووعينا القومي، الذي لا يضاهيه وعي، نؤمن بانتصارنا المحتوم على المفاسد والمفسدين، حيث لا مغريات الدنيا تقف في وجه إيماننا، ولا سقوط البعض على جوانب الطريق يعيق تقدّمنا نحو سطوع شمس النهضة الباقية في أجيالنا.

وأنتما يا أمين مسعد، وأنتِ يا أمينة ناديا.

أشجار أرزٍ لا تُسقط أوراقَها السنون، بل تزيدها صلابةً وتشبّثاً بجذورها…

نقلتما لنا آلام نهضتنا، كما نقلتما انتصاراتها، منذ أُسّست حتى اليوم، وكنتما نافذة تاريخِنا الأليق، المشرف على ساحات النضال، المليء بالشهداء، ودماء الأعزاء.

المليء بالجراح النازفة التي ما زالت تحفر سواقيها في شرايننا، تريد منّا التأهب الدائم، للدفاع عن أمّتنا.

وها نحن نقرأ في قسمات وجنتيكما، عظيم ما مرّ على حزب العظماء، وما بقي لنا من ذكريات، تحملانها لنا اليوم، ستكون نبراسا يقينا غدرات الزمان الآتي، نستنير بها لنمحو ظلمات المفاسد في شعبنا الأبي.

فلم تغيركما الأيام، إلا زيادةً في لمعان الروح تفيض بمحبة أبناء الحياة، وتحميهم بما أوتيتما من قوةٍ ومال، في سبيل فلاح النهضة القومية، وانتصار مبادئها.

يا أمين مسعد…

وأنا أقرأ مذكراتك، خلتني مشيت الدروب معك، بكلّ آلامها، وكلّ أفراحها، رحلت معك إلى القامشلي، وقبّلت تراب بلادي هناك حتى الثمالة، ودخلت سجن «المية ومية»، وسافرت إلى الكاميرون، التقيت معك من التقيت، والتقيت الزعيم بك… مدويّاً بهتاف الحياة لسوريتنا التي نحبّ.

وأمام هذا كله، اسمحوا لي يا سادتي أن أصف مسعد حجل بالأمين الفتيّ، ولو بلغ من العمر مئة.

هو العمر، يأتينا زماناً فانيا

نخطّ من جناه حروفاً وقافيه

إن جرحت حرفاً، سالت دماه

وإن ضمّدت قافيةً، كنت مداويا

العمر يأتينا ويبقى أسير هوانا

لا يحرّره إلا من كان شافيا

أعطِ ما سمحت بالعطاء يداك

وأنت الغمام، تعطي السواقيا

يا ابن الحياة، كلّ المجد ظلالك

وحزبك في خافقيك، حتّى التفانيا

قدوتنا بعد الزعيم، أنت حفرتها

أيقونةً على صدر الرجال النواصيا

لم تبخل لامرئٍ إن أتاك سائلاً

وقد جمع الجود فيك المعانيا

فامسح عن عين الحبيب دموعه

لن يبقى إلّاه لكهلك راعيا

اُنظر لعمرك إن جاءت نهايته

ما لك إلا الذكريات بواقيا

تاريخك، تحفر الآلام صفحته

وسرّه ما أردت أن يكون، خافيا

يرعاك الخلود إن ابتغيت نصراً

ويحطّك إن كنت جباناً مرائيا

لا تك إلا الخير والجمال يرسمه

لا تك إلا الحقّ وصوتك داويا

ما العمر، إلا ساعةٌ تمرّ بنا

ونحن إن جاء الرحيل صواديا

وبعد التعريف تم عرض فيلمٍ يوثّق لسيرة حياة مسعد وناديا حجل.

أبو جودة

ثم كانت كلمة للدكتور بديع أبو جودة جاء فيها: أن تكون إنساناً، كالذي تنشده الأديان والمجتمعات، أن تكون عزيز الشهامة على رقي وتواضع، وأن تكون رائداً في التسامح والمحبة والمسالمة والصدق والوفاء، فأنت أنت مسعد حجل.

عطيّة قيّمة، زادٌ لإنسانية نكهتها الرفعة ونبض ألوهة شفافية قدوة، متعال عن كل شر وأذى، يعرفه الخير عند كل المنعطفات والدروب كاره الشر، مثال في التزام قناعات آمن هو بها ولها أخلص، وعنها لا بديل.

وأضاف: أنا من القائلين أعطنا إنساناً كمسعد، ولا يخيفني أنّى أتّجه وأين حطّ الرحال، في عام 1921 أينعت شجرة جل الديب، وكان مسعد خير الثمار نشأ تحت سقف بيت عريق، نهل من رشح توجيهاته، حسن اللياقة وحسن التعاطي وحسن الانفتاح.

زوّد بدفع لا هوادة فيه إلى تحصيل العلوم والثقافات، فإذا نحن أمام مهندس زراعيّ متعدّد المواهب والأنشطة، وإذا بمسعد حجل رائد فذّ على مستوى المتن الشمالي ولبنان وعوالم الانتشار.

وما هذه المظاهرة الحبّية في هذه العشية، إلا إعلان عرفان مثقفي بلادي، الوفاء للمثقف المحتفى به مسعد حجل، ممتلىء قلبه غيرة ومحبة، مشهود لتاريخه بأنه صمد متصدياً للصغائر وللصغار، لم يبدّل… ولن. لكنه فرض احترامه على من ليس من فكره وقناعاته.

وكم حلوٌ أن تكون للمرء قناعاته، يناضل بثبات من أجلها، بروح علمية ورياضية، لا تخدش أي فكر أو تيار، لمسعد رؤاه الحزبية، وأعطونا كمسعد، حزبياً، بهذا الرقي وهذا الانفتاح.

اقترن الأمين بالأمينة ناديا جرجس أبو جودة، نعم، على رغم انشغالاته في جل الديب والمنطقة، وفي سورية، حمل مسعد قيثارة الحب، وضرب قلبه أروع الألحان.

مجلداه الإثنان: مذكرات «لم أبدّل… ولن» الأول والثاني، توّج بهما حياته وذكرياته ومذكراته وإرادته الفولاذية.

برع في السرد، كما في الفكر، كما في التوصيف، مؤلفان مشوّقان، يأسران القارئ، إن تبقّى اليوم من قرّاء!

ولكم عرف عن مسعد أن الكتاب كان ملازماً أبداً يده، حتى سمّي بالقرّاء النجيب.

بين الأمينة والأمين مسيرة درب وعمر وحياة.

إلى وفائه لنضاله، كان وفياً لها، وبادلته الأمينة حتى صارا، معاً، مضرب مثل لعلاقة زوجية نموذجية لا تشوبها شائبة.

وعن مسعدنا نتحدّث، كاميرون أفريقيا قصدها بعد تعثّر أوضاع سورية، وخسارته ما خسر، كافح هناك، وسلاحه في العمل: النزاهة والكفاءة والتجرّد والعرق.

طلب من لبنان فرقاً فنية، ليؤسس، للمردود، الصليب الأحمر، وقد عرضت عليه السلطات في الهنالك، ترؤس الصليب الأحمر، لكنه بتواضعه اعتذر، ولكنهم عيّنوه نائب رئيس فخري دائم.

مسعد في الكاميرون، كمسعد في لبنان، مقصد الطارقين، طلباً لخدمات، ومحطة ثقة ومشورة لكل من دخل باب دارته المفتوح أبداً، على المصاريع.

لم تنسه الكاميرون بلاده، أكثر من زياراته ليتابع شؤون الناس والسياسة، ومنح رتبة الأمانة في الحزب السوري القومي الاجتماعي، وإذ هو رئيس للحزب، ونعم الرئيس.

وبحسب السيدة الأمينة، أنها وثّقت لذكرى شهداء الحزب ولازمت الأمين بكل أمانتها المعهودة.

ترأس مسعد حجل الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم. كوّن مكتبة عامة وأصدر مجلة اغترابية تربط ما بين لبنان وما بين دول الانتشار.

عرف مسعد بروحه السمحاء، إذ لم ينظر إلى أحد على أساس طائفته، بل كان دائماً يردّد: «ليس الله طرفاً في أيّ نزاع، الله هو للجميع».

ولطالما استعان بمقولة مأثورة لسعاده: «اقتتالنا على السماء كاد يفقدنا الأرض».

أخي الأستاذ مسعد،

صحيح أنك كُرّمت كثيراً في لبنان وفي الخارج، صحيح أن قداسة البابا بولس السادس قد كرّمك.

أنت يا تسعينيّ السنين، أنت الكبير الذي لن يتكرّر، روح الشباب فيك ونبض الهمم. بينك وبيني: وحدة روح في الانفتاح والتسامح والعطاء البيئي. فيا رجل القيم، يا صادق الالتزام، كلّنا نكبرك، كلنا نحبك، وعليك السلام.

منصور

بدوره ألقى وزير الخارجية والمغتربين السابق عدنان منصور كلمة قال فيها: الحديث عن الصديق الكبير مسعد حجل، يشدّني إلى هذا الإنسان الذي عرفت فيه مزايا عدّة قلّما اجتمعَت برجل واحد، مميّز عرفته عن قرب وعن كثب.

مسعد حجل، الشابّ الذي تفتّحت عيناه على عقيدة ترسّخت في أعماق عقله وفؤاده، عاش لها وغرف منها وظلّ وفياً أميناً لمبادئها ونهجها وتطلّعاتها، لم يحِدْ عنها ولم ينحرف، بل ظلّ متمسكاً بها بعنفوان وإباء وقناعة وجدانية، في زمن قلّ فيه الثابتون على مبادئهم والمتمسّكون بقضاياهم والمدافعون عن أوطانهم.

لم يمنع التزام المهندس مسعد حجل، العقائدي والحزبي والسياسي، من أن يشقّ طريق مستقبله بكل طموح وجدارة، طارقاً أبواب الحياة بعد تحصيل علمي في أرقى الجامعات، فكانت له الأيادي البيضاء في مشاريع تنمويّة قام بها في شمال سورية، في الأربعينات من القرن الماضي، ومنها انتقل إلى بلاد الاغتراب، التي أمضى فيها سنوات عدّة مع شريكة عمره ناديا، فكانا معاً الصورة المشرقة لوطنهما وأمتهما، عكسا الوجه الحضاري والثقافي والإنساني لهذه المنطقة التي انتميا إليها.

وأضاف: كان مسعد حجل بمناقبيّته ورفعته وأخلاقه، مثالاً حياً يحتذى في دنيا الاغتراب، فشرّف وطنه بأعماله وعطاءاته ومواقفه وعمله، مزايا مسعد حجل الصافية النقية، جسّدت سلوكه وأداءه وعمله وتعاطيه مع الآخرين، فكان له في قلب كلّ من عرفه وتعرّف عليه، مكانة خاصة مفعمة بالمحبة والتقدير والاحترام.

كتابه «لم أبدّل… ولن»، سطّر مسيرة حياته الحزبية والسياسية والاجتماعية والعائلية والإنسانية والاقتصادية الطويلة، الحافلة بالعطاءات، بها يغرف القارئ من منهلها ويأخذ العِبر والدروس، ويتوقّف أمام صلابة هذا الرجل في الموقف والعقيدة والالتزام والعمل والأداء والانتماء لشعب وأمّة على حدّ سواء، بمناقبية عالية خلّاقة معزّزة بالأخلاق والقيم والتضحية والوفاء، فاستحقّ عن جدارة ترؤس حزبه القومي الاجتماعي أكثر من مرّة، كما ترأّس الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم بكل جدارة.

وامتد نشاط مسعد حجل إلى القارة الأفريقية، فحاز على ثقة ومحبة واحترام المسؤولين أينما وجد فيها، فكان نائباً لرئيس الصليب الأحمر الكاميروني، مدى الحياة ومستشاراً للسلك الدبلوماسي الكاميروني وقنصلاً للكاميرون في لبنان.

امتدّ نشاط مسعد حجل إلى الحياة الاجتماعية والثقافية والفكرية، فشغل رئيس «مؤسّسة مسعد وناديا حجل الثقافية»، فترجم بذلك انتماءه العقائدي، إلى عمل فعليّ يصبّ في مجالات مختلفة: سياسية وحزبية واجتماعية وثقافية واقتصادية، عمل ينمّ عن إدراك حقيقي لمتطلبات المجتمع وحياة الشعوب، من خلال فكر متنوّر متحرّر متوثّب، تحيط به الإرادة القوية والمعرفة الحقيقية وبعد النظر.

جهوده البنّاءة صبّت في ميادين عدّة عمل فيها، فترك بصماته الثابتة لتكون عبرة ونموذجاً وسلوكا حيّاً للأداء الجماعي لا الفردي، أداء يصبّ في خدمة الأمة والمجتمع الذي ينتمي اليه، بعيداً عن الفردية والأنانية والمحسوبية والمنفعية والغرور والانتهازية.

مسعد حجل، تطلّع دوماً إلى دولة تسود فيها العدالة وكرامة الإنسان وحريته، لا دولة الغبن وأكَلَة الجبن، دولة المواطن لا دولة المذاهب والطوائف، دولة العلم والقانون والعدل الاجتماعي والإنماء المتوازن الدائم، لا دولة الفقر والتخلف والاستغلال والإذلال والإقطاع، دولة الأجيال الطامحة المبدعة الملتزمة بأمتها، لا دولة العائلات المتناسخة القابضة قهراً على البلاد والعباد.

هوذا مسعد حجل، العصامي المكافح الثابت على عقيدته، الملتزم بقضايا أمته، القومي المشبع بالنضال والواجب والانتماء، الإنسان الشهم، الحزبي المخضرم، المقاوم العنيد.

تراه واضحاً جليّاً في صفحات كتابه «لم أبدّل… ولن»، فعندما نقرأ كتابه سنردّد ونقول: «لم يبدّل… ولن».

خيرالله

ثم ألقى عميد الثقافة والفنون في الحزب خليل خير الله كلمة قال فيها: «لم أبدّل… ولن»! ليست مجرّد مذكرات، بل هي قوة حياة وثابة لا تضبطها وريقات، هي سجل نضال، فيه العام وفيه الخاص فيه الوثبة وفيه الكبوة، فيه دروب الحزب بأزهارها وأشواكها، بأوديتها وقممها، وفيه جمال الملمح الإنساني العائلي الحاضن والمواكب للعمل الحزبي.

هي سجلّ فيه قيمة تربوية ودليل للعاملين في صفوف الحزب بنزاهة وإخلاص، سجلّ يختزن بصدق تجارب حياة خاصة وعامة، عائلية ومهنية سياسية واجتماعية، وكلها غنية بإيمانها بالنهضة القومية الإجتماعية وبقوة الحزب وحتمية انتصاره.

وأضاف: غبنٌ للأمين مسعد أن نعتبره في ما كتب، شاهداً على عصر، لأن الشاهد قد يمر صدفة، أو بكل بساطة يشاهد ولا يشارك، لكننا هنا أمام شخص استثنائيّ خاض غمار الأحداث وجابه المخاطر وتنكب تبعات قضية قومية عزّ نظيرها في شرق أو غرب، ممتشقاً شعلة نهضة ترقى من قمة إلى قمم تملأ الأفق.

نحتفي بك اليوم، نحتفي بك قامة منتصبة وهامة مرفوعة وعينين شاخصتين دوماً إلى المثال الأعلى.

نرافقك منذ البدايات، من النوم طفلاً على خاصرة الزعيم، إلى نصّ الخطاب الوصية، منذ نيف وثلاث سنين، نرافقك منفذاً عاماً في السادسة عشرة من عمرك، بمرسوم من حضرة الزعيم، نرافقك على دراجتك النارية في ليالي النشاط الحزبي متخفياً عن زبانية الإنتداب الفرنسي، نرافقك بعد استشهاد سعاده، إلى مشاريعك الزراعية على ضفاف دجلة والعاصي، إلى الكاميرون وارفع المسؤوليات في الصليب الأحمر الكاميروني وغيره، إلى رئاسة الجامعة اللبنانية الثقافية وإلى الحزب لمرّات عدّة.

أمين مسعد…

إن اختصرت ما لا يختصر، قلت: هوذا أمين ثابت في إيمانه القومي الاجتماعي، حريص على تطبيق قَسَمه الحزبي بأبعاده كلّها، صافٍ كبلّور لا يعرف الزغل، غيّور على الحزب الذي نما في داخله منذ طفولته وتماهى بشخصيته، ولاؤه للمؤسسة الحزبية مهما كان الأفراد والأخيار.

وتابع: يجسّد قيم النهضة وفضائلها المناقبية بعزيمة صادقة وهمّة عالية، ذو تفكير عملي منتج وشخصية قيادية مبادرة مبتكرة للحلول، متوثب الحركة في قصد واضح لا تعوزه المعرفة ولا الإرادة ولا الإدارة، يتقن إطلاق المشاريع الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وتوظيف الطاقات، ويؤمّن لها مقومات النجاح.

أمين مسعد…

أنت إضافة كبيرة في تاريخ نهضتنا، دفعة قوية في نهرها الهادر الذي ما انفك يصخب عكس التيار، من تموزها إلى تشرينها حتى آذار!

أيها الحضور الكريم…

إن وحدة الأمة مطلب الحزب، ومطلب الحزب وحدة الأمة، ولا تكون وحدة إلا بالفكر والحركة، بالمبادئ القومية الاجتماعية ومؤسّساتها، تماماً كما ينصّ دستور الحزب عندما يضع المبادئ والغاية في مطلعه.

كل وحدة أخرى، وكل تمرّد على وحدة الحزب، فكراً ومؤسسات، هو خروج عن محور الحزب وكيانه ووقوع في الفردية والأنانية والتشرذم والضعف وضياع الإمكانيات.

الزعيم نفسه، عندما عاد من مغتربه القسري، لم يقدم على تصويب الاتجاه، حتى أنه قارب إعادة التأسيس إلا عندما أخذ موقعه في النظام الحزبي، نظام المؤسسة الضامن سلامة العمل، وكل حراك من خارج، إنما هو أذى.

يا رفقاء سعاده ورفقاء مسعد وناديا حجل، الأمة كلّها وبأجيالها الجديدة، تنتظر منّا فعلاً لا ضياعاً، نظاماً لا فوضى، قوةً لا ضعفاً، عزّاً لا ذلّاً، وإن خسرنا أجيالنا بفعل أمراضنا، حقّت علينا لعنة الأمة، إنما علامات الموت خراب، ونحن أبناء الحياة!

أيها الحضور الكريم، نحن نهضة غنية بمواهبها، غنية بعناصر القوة التي تحتاجها الأمة، غنية بقدوة الرجال من أمثال الأمين مسعد حجل وعنوان تفكيره القومي الاجتماعي، «إعلاء شأن المؤسّسة الحزبية الضامنة الوحيدة والأخيرة لعملنا النضالي ونظامنا الحزبي»، وقد ننكب، نتعثّر، نسقط، لكننا ننهض دوماً ولن تحولنا النكبات من أناس أقوياء إلى أناس ضعفاء، لأن إيماننا، كل إيماننا، أن الحياة كلها وقفة عزّ فقط.

تمرّ أمتنا اليوم بأخطر مراحل تاريخها، ومصيرها معلق بين الحياة والموت. لم تبنِ وحدتها السياسية ولا وحدتها الاجتماعية وأهملت مناعتها القومية فاخترقتها الخطط المعادية كسكاكين الموت ما بين عصبية وعصبية. وأخطر ما يفرض علينا دمار شامل بأخبث الوسائل كلفته آلام ودم ودموع وتهجير وذل وتعتير وخراب في العمران وفي الأخلاق، لم يسبق له مثيل.

ما يبشّر بخلاص، رغم فداحة الثمن وشراسة الأعداء، تكاتف محور مقاوم، يستردّ الأرض قضمة قضمة، ويظلّ الخوف قائماً من مشاريع سياسية بدأت تظهر إلى العلن، تدعمها قوى الأصيل، بعد إفلاس الوكيل وخيبة العميل، وأخطرها، تقاسم نفوذ دولي او تقسيم مبطّن لكل كيان في معادلة حكم وفساد وفرز طائفي، جاهزة بدأت من لبنان، بل من قبرص، وانسحبت إلى العراق ويحاولونها في الشام ويتوعدون بها الأردن، ولن تسلم فلسطين بهدف إفراغ بقية سكانها وتبرير دولة اليهود.

أيها المواطنون…

إنّ فكر سعاده بدأ يطرح نفسه في أوساط كانت تقاومه صوابية نظرته إلى الواقع الاجتماعي وشخصية الأمة وبناء منعتها القومية الاجتماعية، بدأ يسلّم بها مفكّرون ومحللون كثيرون، وبدأوا يرون فيها خلاصاً من عجز ومن مصير محتوم.

نحن مع ثالوث البقاء المتكامل الضامن لوحدة دولنا، ثالوث الشعب والجيش والمقاومة. نحن مع التفكير وضد التكفير. نقاتل أعداء الأمة حيثما كانوا. نحن وحّدنا لبنان وأنهينا واقع كانتونات الحرب الأهلية وقضينا على المشروع «الإسرائيلي» فيه وطاردناه من بيروت خالد علوان ومن جبل وجدي الصايغ ومن جنوب سناء محيدلي، إلى شريط حدوديّ تعاونت كل مقاومة شعبنا على دكّه.

ونحن نقاتل اليوم في الشام، جنباً إلى جنب مع الجيش السوري البطل ومن يعنيه بقاء الدولة عزيزة حرة، فلهم ألف تحية! وألف ألف تحية إلى نسور الزوبعة، يتألقون في معارك الكرامة والشرف ويسجّلون تحت طبقة الثرثرة والضجيج، أروع ملاحم البطولة ووقفات العزّ القومي.

أيها المواطنون…

إن عدنا الآن إلى لبنان، إلى ظاهر أوضاعنا وأزماتنا، فإن أول مدماك في رأينا، ضمن ما نراه ونشارك به، هو أكثر من ضرورة، وضع قانون للانتخاب، قبل فوات المهل والوقوع في الفراغ. والقانون الأفضل هو النسبية على أساس الدائرة الواحدة وخارج القيد الطائفي. وإن كان لا بدّ من تأهيل، فعلى الأساس الوطني لا الطائفي. ونحذّر من نغمة طائفية بدأت تطرق الآذان بقوة، يردّدها قادة جدد ويديرها ثعالب تقليديون. إن وحدة الشعب خطّ أحمر، والخراب هو في القوقعة ونصب المتاريس.

إن وضع قانون موحد للأحوال الشخصية أكثر من ضروري، قانون يضمن مصالح الأحوال الشخصية للبنانيين كمواطنين، لا كرعايا لرجال الدين. قانون يفرض الزواج المدني الإلزامي كحق للدولة على مواطنيها ومن شاء، يكرّسه امام رجال الدين. وهكذا تتامن حقوق الدولة، ولا إكراه في الدين…

هذه قوانين لا يجرؤ حكام لبنان على وضعها، ولا يجرؤون حتى على وضع قانون عصري للأحزاب، يكشف تجارتهم مع الخارج والداخل ويكشف هزال الفئة السياسية الحاكمة وإفلاس الكثير من أحزاب المقاولات والقطعان البشرية.

وإن عدنا إلى لبنان، إلى عمق أوضاعنا وأزماتنا، نعجب من سوق نخاسة تديرها فئة حاكمة، لا كلمة تصفها أو يستطيعها أي قاموس. نظام أكثر من فاسد، قوي قوة الجهل في شعبنا حتى التورّط والمهانة، يعجز عن رفع النفايات، لأن إقطاعييه لم يتفقوا على أرباحها. كل موبقة فيه نكتشف أنها تجارة رابحة لهم، حتى مفهوم الإقطاع القديم، لا يشملهم، فهم في الواقع مقاطعجيون، يفرضون الخوّات وعليها يختلفون وعلى شعوبهم يتّفقون!

نظام عتيّ مستقوٍ بالخارج وبأمراض الداخل، عصيّ على كل تغيير، يقبل التخلّف ويرف التطوير. هذا النظام نعرفه ولا خلاص من ضمنه.

صارعناه منذ تأسيس حزبنا، لم نقدر عليه ولم يقدر علينا والمعركة مستمرة، إن كبونا ننهض من جديد وفي نهوضنا تنتظم صفوف العزّ من إنسان جديد وتخفق رايات الزوبعة فوق الرؤوس وتكون للأمة إرادة لا تردّ لأنها القضاء والقدر.

أمين مسعد… شكراً لمن ألحّ عليك لكتابة هذا الإرث النفيس، فأخذ الأوراق وهيّأ القلم. شكراً للأمينة ناديا رفيقة الدرب الطويل وشريكة النجاح الأكيد. والشكر كل الشكر لك… ونحن لم نكتفِ… ولن، وننتظر المزيد.

فقرة فنية ودروع تكريمية

وبعد فقرة فنية أوبيرالية للسوبرانو غرازييلا سيف، لختتم الحفل بتقديم عدد من الأوسمة والدروع التكريمية للمكرّم، حيث تم منحه «درع المغتربين» قدّمه مدير عام وزارة المغتربين هيثم جمعة ممثلاً بالأستاذ أحمد ناصر. «ميدالية الشرف والاستحقاق الذهبية» قدّمها رئيس الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم بيتر الأشقر. «درع الوفاء والولاء» قدّمها منفذ عام منفذية المتن الشمالي سمعان الخراط. شهادة تحية إلى حجل وزوجته من رائد البيئة الأول الدكتور بديع أبو جودة. درع تكريمية قدّمها فاروق أبو جودة.

مقتطفات من كلمة التعريف

بين الأنا والنحن، رحلة عمرٍ مديد، تكتبها القضية القومية في نفوسنا، ورحلة كلّ قوميٍّ اجتماعي، تبدأ بهذه القصيدة، ولا تنتهي بانتهائها.

كنت بروحي، أطوف الهضاب أغازل بلطفٍ فلول السحاب ويرسم حلمي ضفة نهر، يسافر ليبلغ ضجيج العباب، كنت وحيداً، أحفر عمري، أكتب سرّي، بكلّ ارتياب يمرّ زمانٌ، ويأتي زمانٌ يسكن رأسي كثير الضباب، أنا الشريد، وليس بأمري! رهن إشارة عالي الجناب ويأتي رجالٌ، في جبروتٍ يعلو الوجوه، غضب الرياح، نبض بلادٍ في سواعدهم تسكن فيهم كلّ الجراح ليحيا الزعيم، هتفوا بعزٍّ يهزّ الأرض، صليل الصياح، لتحيا سورية، رفعوا يميناً يلبون النداء، في كلّ صباح، بناة تاريخٍ، كتبوا دماهم قصيدة نارٍ، بلحن السلاح، عدنا بروحٍ نلفّ السماء، نغازل بسحرٍ نجوم المساء، يرسم حلمنا لمعة نصرٍ، تسافر لتبلغ وهج الدماء نحن جمالٌ، نزرع خيراً، لنزهر حقاً كما الشهداء، يأتي زمانٌ، يمرّ زمانٌ، ونحن نقاتل، بكلّ إباء، صرنا نسوراً، نقيم عصوراً نخطّ سطوراً، من كبرياء.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى