ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…

ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…

تُخصّصُ هذه الصفحة صبيحة كل يوم سبت، لتحتضنَ محطات لامعات من تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي، صنعها قوميون اجتماعيون في مراحل صعبة من مسار الحزب، فأضافوا عبرها إلى تراث حزبهم وتاريخه التماعات نضالية هي خطوات راسخات على طريق النصر العظيم.

وحتى يبقى المستقبل في دائرة رؤيتنا، يجب أن لا يسقط من تاريخنا تفصيل واحد، ذلك أننا كأمّة، استمرار مادي روحي راح يتدفق منذ ما قبل التاريخ الجلي، وبالتالي فإن إبراز محطات الحزب النضالية، هو في الوقت عينه تأكيد وحدة الوجود القومي منذ انبثاقه وإلى أن تنطفئ الشمس.

كتابة تاريخنا مهمة بحجم الأمة.

إعداد: لبيب ناصيف

الأمين المحامي عيسى يوسف سلامة

اسمٌ لمع في تاريخ الحزب، متولّياً مسؤوليات محلية ومركزية، آخرها كان صدور مرسوم رئاسة الحزب بتاريخ 2 نيسان 1980 بتعيينه مندوباً مركزياً لفروع أميركا اللاتينية.

وأذكر أنّني اجتمعت به عندما قمت بزيارة الارجنتين، وعرفت من الرفقاء، ومنهم الرفيق الشاعر سليمان سليقة 1 عن الجهود التي بذلها في جمع كميات هائلة من الكتب المهجرية فارسالها عبر «شركة الطيران السوري» إلى دمشق لتنضم إلى مكتبة الأسد التي أقامت للكتب التي جمعها جناحاً خاصاً.

وما زلت أراه باكياً أمامي وهو يتحدث عن الحزب، مستعيداً الكثير من مسيرته في الوطن، والمهاجر.

الأمين عيسى تعرّض لعملية اختطاف 2 من قبل رفقاء في فترة «الأزمة الحزبية» عام 1957 عُرفت بالانتفاضة ومن الاسماء حسن الطويل، جورج عبد المسيح، ابراهيم يموت، يوسف قائد بيه، جميل مخلوف، فاضل كنج، حنا كسرواني، أنطون أبو حيدر، ابراهيم دانيال، محمد يوسف حمود، اسكندر شاوي وغيرهم .

بعد متابعة، تمكنّا من الحصول على معلومات جيدة من كل من ابنة شقيقته، الرفيقة عايدة سلامة 3 ومن ابن شقيقه الرفيق اسامة سلامة، إلى ما احتفظ به في أرشيفي، بحيث يمكن تقديم نبذة يتعرّف بها الرفقاء، حديثي الانتماء، على احد رجالات الحزب المعروفين.

وإذ نعمم هذه النبذة نفتح المجال لأي رفيق عرف الأمين سلامة في الوطن وفي المهاجر، وخاصة في الارجنتين حيث كان استقرّ، لأن يضيف ما يملك من معلومات وصوَر تغني النبذة عن سيرة ومسيرة الأمين المحامي عيسى سلامة.

هو عيسى يوسف جرجس سلامة، والده يوسف جرجس سلامة هاجر مع زوجته رحمة نادر من مرمريتا إلى البرازيل عام 1890، حيث يعمل أهلها، بعدئذٍ بسنة انتقلت الأسرة إلى تشيلي، وهناك أنجب أولاده: جرجس، أنطون، نقولا، نوري، عيسى، أما جميلة فولدت في مرمريتا لدى عودة العائلة إليها.

ولد عيسى سلامة في تشيلي عام 1916، وفي نهاية عام 1922 قررت العائلة العودة إلى مرمريتا نظراً إلى المرض الذي أقعد ربّ العائلة. لم تهنأ الأسرة بإقامتها في الوطن حتى فاجأ الموت عميدها وركنها يوسف عام 1923. فاضطرت والدة الاطفال الصغار القيام بهذا الحمل الثقيل بمفردها، والمشهود أنها كانت قوية حازمة مدبرة، فانصرفت إلى تعليمهم مهما كلفها ذلك من متاعب وإمكانيات مادية، فكان الأولاد في أوج الاحترام والطاعة لوالدتهم.

تعلم أكبرهم جرجس في مدرسة «بوقا» الزراعية في اللاذقية، لعدم وجود مدرسة بهذا الاختصاص في منطقة وادي النصارى النضارة حالياً خاصة كلية «دير مار جرجس الحميراء». تخرج جرجس أو جورج كما ينادونه من «بوقا» مهندساً زراعياً قلّ مثيله في حكومة اللاذقية آنذاك، ويعتبر أول مهندس زراعي من مرمريتا، فاستدعى أخوته لإتمام دراستهم في مدرسة «اللاييك» في طرطوس.

تعرّض جورج لحادث سير أليم يقال أنه كان مدبراً من قبل مجموعة حاقدة عليه لنجاحه الهائل في عمله، بينما كان راكباً دراجة مزدوجة وهي المستخدمة آنذاك بدل السيارة، وتوفي على الفور.

حصل عيسى سلامة خلال دراسته في «اللاييك» على الشهادة الثانوية عام 1936، فانتسب إلى معهد الحقوق قبل أن تصبح كلية في دمشق حالياً الجامعة السورية وحصل على إجازة في المحاماة عام 1940.

بعد تخرّجه عمل محامياً متدرباً في مكتب المحامي القدير عصام الإنكليزي في دمشق عام 1941.

في نهاية عام 1941 انتقل للعمل في مدينة اللاذقية وفتح مكتباً مشتركاً مع المحامي عبد العزيز أرناؤوط.

بعد استقراره مادياً ومعنوياً انصرف مع زملائه إلى إصدار مجلة «القيثارة» وكان يعمل في تحريرها مع كل من: عبد العزيز أرناؤوط 4 ، ومفيد عرنوق 5 ، وكمال فوزي شرابي 6 ، وأديب عازار 7 .

في عام 1934 انتمى إلى الحزب السوري القومي في أول زيارة قام بها مؤسس الحزب أنطون سعاده إلى المنطقة الشمالية الساحلية من سورية، وكان طالباً في مدرسة «اللاييك»، وانصرف اهتمامه في تلك الفترة للنشاط الحزبي السري الذي انكشف أمره في لبنان عام 1935. أما الأشخاص الذين انتموا إلى الحزب في ذلك الوقت هم: إبراهيم عبد الرحيم 8 ، ياسين ديب، عبد الرحمن إبراهيم، بدر مرقبي، الياس جرجي قنيزح الأمين، عميد الداخلية، إلى مسؤوليات عدّة لاحقاً ، عبد الكريم الشيخ 9 .

تولى مسؤولية منفذ عام الحزب في اللاذقية خلال ممارسته مهنة المحاماة من عام 1941 لغاية 1955. وعام 1950 اصبح أمين سرّ نقابة المحأمين في اللاذقية.

كان خطيباً جريئاً طليقاً مؤثراً على الجماهير، متفهماً بعمق مبادئ الحزب وغايته.

خاض المعركة الانتخابية عام 1954 ممثلاً عن حزبه في منطقة وادي النصارى، فلم يحالفه الحظّ، لأن الدخول إلى المجلس النيابي كان لمن يدفع أكثر أو لمن يرتبط مع الخارج.

اضطر للالتجاء إلى بيروت وتابع هناك نشاطه الحزبي فأصبح في فترة رئاسة الأمين أسد الأشقر ناموساً للرئاسة ثم عضواً في المكتب السياسي وفي المجلس الأعلى.

وفي العامين 1956 و1957 تولى مسؤولية عميد للخارجية ثم نائباً لرئيس المحكمة الحزبية، الأمين عبد الله قبرصي عام 1957.

حكم على الأمين عيسى سلامة غيابياً بالإعدام، فاضطر للتواري عن أنظار السلطات اللبنانية واللجوء إلى الأرجنتين، وفيها تابع نشاطه الحزبي.

عاد إلى الشام عام 1964 وأعاد فتح مكتبه في اللاذقية حتى عام 1966، تاريخ إلقاء القبض عليه ودخوله سجنتدمرمع رفقاء آخرين، من بينهم يوسف حبيب وعمر أبو زلام الأمين، عميد العمل لاحقاً .

أثار اعتقاله تحركاً فورياً لنقابة المحأمين في اللاذقية، فقرّرت توجيه طلب على شكل مذكرة إلى كل من رئيس الدولة آنذاك أمين الحافظ ورئيس مجلس الوزراء السوري ووزيري الداخلية والعدل ونقابة المحامين في دمشق جاء فيها:

«أثار اعتقال الزميلين الأستاذين عيسى سلامة ويوسف حبيب، القلق في نفوس المحامين، لما يعرف عنهما من حسن الخلق وعفة اليد، وللكيفية التي تم بها الاعتقال إن المحامين مع حرصهم الدائم على عدم التدخل في شؤون السلطة وتدابيرها، إلا أنهم كحماة للقانون، لا يسعهم إلا المطالبة بتطبيقه في حدوده الدنيا على أقل تقدير، وذلك بأن يتم التوقيف والتحقيق من قبل القضاء فقط، وأن يحال الموقوف إلى المحكمة ليتمكن من الدفاع عن نفسه.

إن المحامين الذين آمنوا برسالتهم، رسالة الحق والعروبة التي لا تقوم إلا على أسس كون الحرية والكرامة أولى مفاهيمها، وسيادة القانون أولى معانيها، يطلبون إما الإفراج عن الزميلين المعتقلين أو إحالتهما إلى القضاء، مع توفير حق الدفاع المقدس لهما في سائر أدوار التحقيق والمحاكمة، بما في ذلك اختيار المدافعين عنهما وتسهيل الاتصال بهما، إحقاقاً للحق الذي هو حرية وكرامة وعدل وقانون».

نقيب المحامين السوريين

أخلي سبيل الأمين عيسى سلامة عام 1967 بعد صدور قرار العفو عن المساجين السوريين المتهمين في قضية اغتيال المالكي.

في نهاية 1967، كان عضواً في وفد المحامين السوريين إلى مؤتمر المحامين العرب في الخرطوم. غادر بعدها إلى غانا في أفريقيا وبقي فيها عدة أيام في ضيافة رفيقه رجاء يازجي 10 ومن هناك سافر مجدداً إلى الأرجنتين واستقرّ فيها.

كانت حياة عيسى سلامة في الفترة 1968 ـ 1981 مليئة بالنشاط، فقد أتقن عدة لغات منها العربية، والفرنسية التي كان يتحدث ويكتب بها بطلاقة بفضل تلقيه العلم في مدرسة «اللاييك»، ودراسة المحاماة باللغة الفرنسية، إضافة إلى اللغات الثلاث الإنكليزية والإسبانية والبرتغالية.

افتتح في الأرجنتين مدرسة لتعليم اللغة الفرنسية وبدّل اسمه ليصبح «روبير جيرار»، ليوحي بالثقة من تمكنه باللغة الفرنسية. مارس هواية جمع النقود النادرة القديمة. شاهد ذات يوم كتاباً مزركشاً موضوعاً على إحدى واجهات المكتبات القديمة رسمت على غلافه صور نقود متنوّعة، ظن أن هذا الكتاب يلبّي طلبه ويفي بالغرض. اشتراه ودفع ثمنه، ولدى عودته إلى منزله والاطلاع على محتوياته، تبين له أن الكتاب يتحدث عن الكتب النادرة وتجارتها وأوصافها، ومن هنا بدأت هوايته لاقتناء الكتب القديمة والنادرة. كان يشتري الكتاب باسعار زهيدة من بعض الوراقين أصحاب الدكاكين الذين لا يعرفون أهمية الكتب وجلّ همهم بيع الكتاب من أمام واجهاتهم، أمّن له العمل بهذه المصلحة دخلاً جيداً اتخذه هواية، فأصبح يشتري بفائض المبلغ كتباً أخرى.

ذات يوم، جاء تاجر ألماني إلى البلدة التي يعيش فيها عيسى سلامة في الأرجنتين في احدى ضواحي العاصمة بيونس أيرس ، كان التاجر يسأل عن مكان بيع الكتب القديمة والنادرة فأرشده بعضهم إلى «المسيو جيرار». التقى به وابتاع بعض الكتب بمبلغ لا بأس به، وتتالت زيارة التاجر الألماني لـ«المسيو جيرار» ليبتاع ما يتوفر لديه من الكتب التي جمعها له.

بعد أول رحلة عودة إلى الوطن حمل معه كمية كبيرة من الكتب النادرة زوّد بها مكتبة الاسد التي أقامت لكتبه جناحاً خاصاً. ثم أبلغته وزيرة الثقافة الدكتورة نجاح العطار أن المكتبة بحاجة إلى كتب الأدب في المهجر ومؤلفات تتحدث عن الأدب المهجري ومجلات وصحف لتتبّع الحركة الثقافية هناك. عاد عيسى سلامة إلى الأرجنتين ثانية وجال على جميع المنتديات الأدبية والثقافية والأدباء والشعراء، وعلى المغتربين الذين يملكون كتباً كثيرة معظمها ملقى في أقبية مهملة. ولا أحد يقرأ.

عام 1981 عاد نهائياً إلى الوطن.

قالوا عنه

وزيرة الثقافة الدكتورة نجاح العطار:

«تبرع الأستاذ عيسى سلامة إلى مكتبة الأسد بأغلى ما عنده.

التعبير عن الانتماء إلى الوطن والأمة، يتجسد بكلمة، بالتفاتة، أو بموقف ما، وقد عبّرتَ أنتَ في الحديث الذي دار بيننا خلال لقائنا في وزارة الثقافة، عن هذا الانتماء بكلامك الحار، وترجمتَ، كل ذلك إلى وقائع مادية، هي في الدلالة تعبيراً أروع وأبلغ. تقدمتَ إلى مكتبة الأسد هذه التي نعتز بها، ببعض كنوزك من الكتب الثمينة والآثار التاريخية النادرة، مما أغنى موجودات المكتبة. وحُقَّ لك أن أخصص فيها جانباً بِاسمك، يضم التقدمات التي تبرعت بها عنواناً للانتماء الكبير، رغم هجرتك الطويلة عن أرض الوطن وإقامتك الدائمة في الأرجنتين، منذ ما يقارب ثلاثين سنة.

إنني إذ أنوّه بهذه المبادرة النبيلة، التي أتمنى ان تصبح تقليداً، لما فيها من معاني حب الوطن وتمجيد الثقافة، والحرص على الإسهام في إغناء هذه المكتبة الوطنية بالكتب والمجلدات النادرة والنفيسة، أقدم لك بِاسم مكتبة الأسد وبِاسم وزارة الثقافة، جزيل الشكر وصادق التقدير.

26/2/1986

وزيرة الثقافة د. نجاج العطار

الأديب الكبير وديع فلسطين في مقال بعنوان «آثار الأدباء بين الضياع والإنقاذ»:

الجادة الوحيدة لإنقاذ مخلفات أدب المهجر، جاء من ناشط سوري اسمه عيسى سلامة. إذ سافر على نفقته الخاصة إلى الأميركيتين واتصل بورشة الأدباء والشعراء المهجريين، وظفر منهم بأطنان من المخطوطات والمنشورات، وشحنها إلى مكتبة الأسد في دمشق، حيث خُصّصت لها أقسام خاصة لفرزها وفهرستها.

المحامي والأديب نجاة قصاب حسن

أزفّ إلى محبي الثقافة هذا الخبر الكبير: قام الأستاذ عيسى سلامة أحد زملائي القدماء، والآن من مغتربينا الذين يقفون في المقدمة بين عشاق الثقافة، وجعل همه الكبير أن يزوّد وطنه بكنوز ثقافة الاغتراب. جمع كل ما كُتب هناك بأقلام العرب بأية لغة من اللغات وكل ما كتب عن العرب. ثم نقل اهتمامه من بلاد الاغتراب إلى الأندلس، لملم من تراثها أغلاه وأبقاه، ثم أضاف كل أنواع الكتب، القديم والثمين، إلى هوايته النادرة، وجعل من ذلك كله جسراً حقيقياً من المقتنيات الفكرية والفنية تساوي ملايين الدولارات. ما زال يأتي إلى سورية رحلة بعد رحلة، وقد تم منذ أيام وصول دفعة جديدة فيها آلاف الكتب التي ستجد مكانها في المكتبة الوطنية.

لقد أغنى الأستاذ عيسى سلامة مؤسسة الوثائق الوطنية بإهدائها آلاف الكتب النادرة التي تتخاطفها الأيدي في المزادات وآخر دفعة وصلت لى مرافئنا تجاوز وزنها 1200 كيلوغرام قيمتها أكثر من مليون دولار.

ولكن أن ينذر الإنسان حياته وجهوده وماله لقضية عظيمة كهذه أمر له قيمة أكبر بكثير من قيمة المال فكأنه يعطينا أولاده ويوصينا بهم خيراً وما أغلاها هدية. وما أحسنه مثالاً وقدوة».

تروي الرفيقة عايدة سلامة: إن الأمين عيسى سلامة كان يطل دائماً على مكتبة الدار الوطنية في دمشق لصاحبها عيسى طنوس سلامة، معظم أحاديثه كان يدور حول الكتاب. كان يملك قدرة فائقة على معرفة تاريخ الطباعة ورقم الطبعة وتحديد قيمة المخطوطة. قلت له ذات يوم لا شك في أنك كتبت مذكراتك، أعطني إياها لأطبعها لك في كتاب، إن لم يكن اليوم فليكن بعد سنوات. صمتَ قليلاً وأجاب: لقد تعبتُ في كتابتها ولن أنشرها لأنها قد تؤذي مسيرتنا الوطنية، وأنا لا أريد توجيه النقد لأحد. وجدتُ أنه ما زال متردّداً في طباعتها. سألته أين تحفظ المذكرات الآن؟ أجاب في الشقة، في الفندق، قلت له: أؤكد لك انك لن تجدها، وبالفعل عاد إلي في اليوم التالي وأعلمني عن فقدان مذكراته وقال ليتني وافقتك على رأيك؟

عرضت عليه وزيرة الثقافة نجاح العطار أن تؤمّن له الوزارة منزلاً مجاناً له مع سيارة وسائقها عربوناً لشهامته، لكنه رفض بإباء، وقال: أنا لم أطلب في حياتي ثمناً وثناء على ما أقدمه لوطني، كان عصامياً يأبى الهوان، صلب في مواقفه لا يمالئ أحداً.

عن وفاته تقول: بينما كان سائراً ذات يوم في أحد شوارع دمشق اصيب بجلطة دماغية في الطريق، نقل على إثرها إلى المستشفى الفرنسي، ظل يعاني نوعاً من فقدان الذاكرة. كنتُ أزوره أسبوعياً، يسألني عدة كلمات عن الكتب ويغيب عن الحديث. قال لي ذات يوم: إن قدري قريب أرغب بجنازة بسيطة من دون مراسم. توفي الأمين عيسى في 12 آب 1997 ووُري في الثرى في بلدته مرمريتا.

نماذج من الكتب التي قدّمها لمكتبة الأسد الوطنية:

ـ مجلدات عن الفن العربي الإسلامي. مجموعة صور ولوحات نادرة من حلب وقرطبة وغرناطة وفلسطين في القرنين الثامن والتاسع عشر.

ـ محتويات مكتبته الحقوقية وتمثالاً قديماً يعود لألف سنة ويظن أنه تمثال كليوباترا.

ـ «الطبّ أيام العرب»: مخطوط بالخط التونسي.

ـ كتب: «سورية الأرض المقدّسة» ـ «العملة السورية في الإمبراطورية السلجوقية» ـ «الطب أيام العرب بخط اليد» ـ حياة النبي «محمد».

ـ أول كتاب لتعليم اللغة العربية في جامعة السوربون 1802.

ـ «برج بابل وهندسته».

ـ «رحلة إلى الشرق»: مجلدان

ـ «مصر وفلسطين»: مجلدان

ـ 40 لوحة من السيراميك الشرقي تشكّل بستاناً للزهور.

ـ مصاحف قديمة مطرّزة بالذهب تعود إلى عام 1216.

ـ «حروب الأندلس»: جزءان.

ـ «الأوابد العربية في قرطبة» باللغة الفرنسية.

ـ رسوم وزخارف ولوحات نادرة فنية وتاريخية.

ـ كتاب «الفن العربي» ثلاثة أجزاء.

ـ الجزء الثاني من «لوحات ذات رسوم نادرة». وغيرها كثير من المجلات والصحف.

نشرت مجلة «العواصف» في عددها بتاريخ 04/10/1991 الكلمة التالية مع الأمين عيسى سلامة على هامش معرض الكتاب العربي في دمشق. قالت:

شهدت مكتبة الاسد في دمشق معرضاً لمجموعة من الكتب الاثرية يتناول جزء منها أدب الاغتراب وصلت إلى 700 مجلد، جمعها المحامي السوري عيسى سلامة وقدّمها هدية للمكتبة.

يقول السيد عيسى سلامة: هكذا بدأت رحلتي.. كنت محامياً ولديّ مكتب كبير ومارست مهنة تعليم اللغة الفرنسية التي أتقنها بشكل جيد، وأثناء عملي في التدريس، دخلت صدفة إلى مكتبة وأمسكت أحد الكتب، فقيل لي إنه كتاب أثري، وهذه الكلمة غيّرت مجرى حياتي، بأن أصبح لي اهتمام بالاثريات فأخذت أدور الارجنتين والمكتبات الاثرية أسأل ما هو الكتاب الاثري، وجمعت كاتالوغات كثيرة، وفعلاً وفي مدة قصيرة، ونتيجة درس متواصل وحصاد اجوبة على اسئلة إلى ان ـصبحت لديّ دراية وخبرة تقنية في الموضوع، وبعد فترة اصبحتُ من خبراء الكتاب في اميركا اللاتينية ومن مقتنيه الكبار. بعدئذٍ اخذت انتقل إلى دور المزادات في الولايات المتحدة وأوروبا وأشاهد الصراع على الكتاب في العالم، وهذا الامر هو الذي رسّخ في ذهني ضرورة اشتراكي في هذا الصراع الانساني الكبير على الكتاب، خصوصاً أنني من بلد هو منهل ثقافي وتراثي وحضاري عريق.

خلال ذلك جمعت كل كتاب وقعتْ يدي عليه يمت للامة السورية كنت اشتريه واقتنيه، وعندما تشكلت لي كمية كبيرة من هذه الكتب، اخذت تتعبني لأنني لا استطيع بيعها والتصرّف بها، فقدمّتها هدية إلى مكتبة الاسد.

شعوب العالم متيقظة جداً لمعنى الكتاب الاثري وضرورة اقتنائه، فالزمن الثقافي قصير جداً، ويوجد 350 سنة من الطباعة، لذلك كل امم الارض تريد الحصول على ثقافتها وتراثها، ثم على تراث العالم، فأحسست أنّ الشعوب تسعى إلى المفاخرة بمكتباتها الوطنية وبمؤسساتها الثقافية كشأن وطني وكشأن رافد للشعور الوطني فيها.

في الفهم الاوروبي ـ الاميركي كل كتاب يعود إلى ما قبل 150 سنة، هو كتاب أثري، أما فهمي انا الذي له علاقة بالتراث والتاريخ فيقول إن كل كتاب عربي طبع أثناء السلطنة العثمانية هو كتاب أثري.

في إطار بحثي ايضاً جمعت كل ما استطعت عن الحضارة السورية، ووجدت كتباً سورية وفلسطينية أو بلاد ما بين النهرين تعود إلى القرن السادس عشر، فجمعتها، وسأجمع المزيد وأرسلها إلى مكتبة الاسد الوطنية، وكذلك الامر بالنسبة إلى المجموعات الاندلسية.

قدّمت هذا الكنز إلى مكتبة الاسد لأنّني سوري، وهذه هي المكتبة الوطنية لسورية. وهذا تعبير عن ارتباطي بهذه الارض، وبكل حبة تراب ورمل وكل ما يمكن ان اجمعه ويكون ما لدي هو هدية لأطفال سورية.

وأريد ان الفت النظر إلى ان كل راغب او راغبة في العالم بصدد اطروحة عن ادب المهجر يجب بعد الآن الحضور إلى دمشق، لأن مكتبة الاسد اصبحت تضم الوثائق المرتبطة بهذا الموضوع. وأعتقد ان الدارسين سيجدون الوثائق الضرورية لدراساتهم. ادب الاغتراب باللغة العربية، وهناك مجموعات مكتوبة بلغات الارض ولكن كتابها مهاجرون عرب، مثلاً الشاعر الكبير سلمون جورج قد يكون من اكبر الكتاب العرب في العالم، يكتب باللغة العربية، الامير أمين ارسلان كتب بالاسبانية وكان عنده مجلتين بالاسبانية واحدة اسمها «لانرنا» والثانية «لابيس اسول» القلم الازرق .

هوامش

1 سليمان سليقة: من بلدة الفرديس. شاعر مهجري. حدثني الرفيق سليمان كيف كان يتصل بالمهاجرين السوريين للسؤال عن الكتب المهجرية، كانوا يبحثون عمن ينقذهم من تلك الكتب التي لم تعد تعنيهم، فيجمعها ويضعها بتصرف الأمين عيسى. لمراجعة ما كتبت عنه الدخول إلى قسم «من تاريخنا» على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info.

2 سنحكي عن موضوع اختطافه، لاحقاً.

3 عايدة سلامة: صاحبة دار نشر في دمشق، وهي ناشطة في مجال المطبوعات ولها حضورها الجيد. عرفتُ شقيقها الرفيق وليد في برازيليا، وكان رفيقاً جيداً، متولياً مسؤوليات في هيئة المديرية، فمديراً لمديرية برازيليا.

4 عبد العزيز أرناؤوط: نسعى إلى جمع معلومات عنه. لمن عرفه أو يعرف عنه ان يكتب إلى لجنة تاريخ الحزب.

5 مفيد عرنوق: له عدة مؤلفات، وسننشر في وقت غير بعيد نبذة نعرّف فيها عن سيرته ومسيرته الحزبية.

6 كمال فوزي شرابي: لا نملك معلومات عنه.

7 أديب عازار: تولى في الحزب مسؤوليات عدّة، منح رتبة الأمانة. انتخب عضواً في المجلس الاعلى. نعمل على جمع المعلومات لنبذة جيدة تليق بمسيرته الحزبية الغنية بالنضال.

8 ابراهيم عبد الرحيم: مراجعة ما أوردنا عنه في النبذة عن الرفيق حسن عبد الرحيم المعممة منذ فترة قصيرة.

9 عبد الكريم الشيخ: لمراجعة ما كتبت عنه الدخول إلى قسم «من تاريخنا» على الموقع المذكور آنفاً.

10 رجا يازجي: من مرمريتا. تولّى في الحزب مسؤوليات عدّة. منها في عمدة الثقافة، نعمل على جمع المعلومات عنه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى