فيصل جلّول وسامي كليب في «الرسائل الدمشقية»… تحيّة إلى عاصمة تقاوم حرباً عالمية متوحّشة

أحمد حسين المصري

صدر في بيروت مؤخراً، كتاب «الرسائل الدمشقية» عن «دار الفارابي»، أعدّه وأشرف عليه الكاتبان فيصل جلول وسامي كليب. يضمّ الكتاب نصوصاً بأقلام 21 كاتباً عربياً من المغرب والمشرق، ووقّع النصوص كل من ابراهيم كمال الدين من البحرين، إيلي الفرزلي من لبنان، وحسين العمري من اليمن، وحسين شعبان من العراق، وحكيم زموش من الجزائر، ورشاد أبو شاور من فلسطين، وسامي كليب من لبنان، وسعدى الصابري من ليبيا، والصادق بوقطاية من الجزائر، وعبد العزيز المقالح من اليمن، وعبد الله الاشعل من مصر، وعلي دراع من الجزائر، وعمرو ناصف من مصر، وفاضل الربيعي من العراق، وفيرا يمّين من لبنان، وفيصل جلول من بيروت، وكريم أبو صلاح الدين من الجزائر، وكريم افراق أحمد من المغرب، ومحمد حسب الرسول من السودان، ونايلة ناصر من لبنان.

تتراوح نصوص المشاركين في هذا الكتاب بين الشهادة التاريخية حول حقبة محدّدة وفيها دقة المؤرّخ ومنهجه المنضبط في قواعد بحث صارمة وتموضع كلامه في سياق يحتاج الى خبرة ومعرفة ومعايشة للفترة التي يتناولها. في حين تتحدث نصوص ثانية عن تجارب عيش ممتعة ومؤثرة وزيارات متكررة إلى المدينة، غنية بمعانيها ودروسها. وتقترب نصوص ثالثة من رسائل العشق، فضلاً عن ثلاث رسائل يشترك أصحابها للمرة الأولى في كتاب، ورسالة واحدة تتحدث عن زيارة افتراضية إلى دمشق تخيّل صاحبها ما سيقع معه لو زار المدينة التي يحبّ ولم تطأها قدماه يوماً من قبل. وتُجمع كل الرسائل على أهمية الأدوار التي لعبتها دمشق في مراحل مختلفة من حياة المعنيين.

لماذا اختيار دمشق وفي هذا الوقت؟ وهل من رابط بالتطورات السورية؟ السؤال مشروع تماماً بحسب المشرفَين على الكتاب: «نحن نرى أنّ المدينة تتعرض لحرب عالمية وإقليمية ظالمة». ويضيفان: «ما من شك في أنّ سورية تنطوي على عدد من القضايا الخلافية حول طبيعة الحكم ومن يستفيد منه وكيف يجب ان يكون، فضلاً عن القبضة الامنية الشديدة والانخراط الانتقائي في السوق… إلخ. هذه المسائل على أهميتها ليست من النوع الذي يبرّر تدمير البلد، وبالتالي قطع الطريق على كل معالجة سلمية لمشاكله».

ويرى جلول وكليب في مقدّمة الكتاب: «…هذه القضايا الخلافية كان يمكن حلّها، لو لم تعلن القوى الخارجية التي تحارب دمشق عن نيّتها جعل سورية هدفاً صريحاً لاعتداءات دولية وإقليمية، لتدميرها وطيّ صفحتها مرّة واحدة وإلى الأبد. ولهذا وفي هذه اللحظة التاريخية، ارتأينا أن نفتح صفحة عربية جديدة في هذه الحرب، بشهادات متنوّعة عن دمشق وعبر رسائل هي أقرب إلى الاعترافات التي تذكّر بأهمية المدينة وأدوارها المختلفة في حياة كل منّا، مع الرهان على بقائها قلباً ينبض لجسد عربي أثخنته مواقف الذلّ والتبعية والركوع، وأصابته بجروح الطائفية والمذهبية والتخاذل، حتى صارت الاثنيات التي عاشت واندمجت بالعرب منذ 1400 سنة تسعى إلى الافتراق عنهم، ولسان حالها يقول لماذا نتبع تابع التابع؟ لماذا لا نتبع الولايات المتحدة مباشرة أو نهاجر إلى أوروبا؟ ما دام النظام العربي الذي سارع إلى تعليق عضوية سورية في الجامعة العربية وهي من مؤسّسيها، صار يسابق الريح صوب إسرائيل. إنّ الشعوب غير العربية التي اعتنقت الاسلام كانت تفخر بعرب النهضة فكيف تبقى، فيما قلاع النهضة تدمّر بمطارق الإرهاب، والعروبة تنكب بمن تلطّى بها زوراً لقتلها. لكن رغم النصال التي نالت من العرب، ما زال قلبهم حياً ينبض في دمشق ولأجلها. وهنا لا نتحدث عن النظام العربي، إنما عن الشعوب العربية التي لطالما تعلقت بقلب العروبة النابض تعلّقها بمشروع مواجهة النظام العالمي الجائر، ومجابهة النظام الصهيوني العنصري البغيض». ودائماً بحسب جلول وكليب في مقدّمة الكتاب.

ويراهن الكتاب على دمشق التي يتقرّر فيها مستقبل الحرب والسلام في الشرق الأوسط، ويتوقف عليها مستقبلنا جميعاً. عندما يكون مصير المنطقة والعالم بأسره معلّقاً على هذه العاصمة المحورية يصبح السكوت عن خرابها جريمة. هذا يعني ان الكتاب في أحد وجوهه محاولة لكسر الصمت عمّا يجري في سورية.

لكن ماذا عن الوجه الداخلي في الحرب السورية وهل يحضر في الكتاب؟ إنّ نظرة عامة على النصوص تتيح القول إن الحرب ليست داخلية رغم المشاكل المطروحة. بل هي قضية موقع يراد له ان يكون منصّة لإعادة رسم خرائط المنطقة وتحديد مصيرها للقرن المقبل. الصمت في هذه اللحظة التاريخية مصادقة على جريمة لا تقل خطورة عن إخراج العرب من التاريخ بواسطة بعض العرب، تماماً كما أخرجت الاندلس من التاريخ عبر عزل وإسقاط كل عاصمة من عواصمها بسيوف أشقائها، فكان ان اكل ملوك الطوائف وأكلت بلدانهم ودرس وجودهم بأيديهم.

في الختام، الكتاب بنظر معدَّيْه هو شهادات وتحية. فهو لا يدّعي تسطير معجزة أو انعطافة. أما الشهادة فهي على ماضٍ حاضر ومصير مدينة، وهو في أحد وجوهه ماضٍ وحاضر ومصير كل منّا، وهذا ما سيلمسه القارئ في النصوص الشامية. أما التحية فهي إلى كلّ أؤلئك الذين يريدون لدمشق أن تبقى قاسيون العرب، وغوطتهم، وأملهم في مستقبل موشوم بالكرامة والحرية والسيادة والاستقلال ورفض الخضوع والذل.

«الرسائل الدمشقية» هو الكتاب الثاني الذي يشترك فيه الكاتبان فيصل جلول وسامي كليب، الأول صدر عام 2016 بعنوان «باريس كما يراها العرب»، وعن «دار الفارابي» نفسها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى