الرئيس الذي سبق زمانه

روزانا رمّال

يتسابق رؤساء العالم لتهنئة زميلهم الجديد، الكل منبهر بالنتيجة الهامة التي حققها في الانتخابات الرئاسية، رسائل التهنئة تقاطرت عليه من كل حدب وصوب.. حتى أن العرب أدّوا واجبهم على أكمل وجه من أصغرهم سناً فرحاً بالنموذج الشبيه للشباب الواعد الى أكبرهم، ومن أقواهم حتى أضعفهم كمثل الرئيس اليمني «الفاقد الشرعية»، كما يعتبره بعض اليمنيين عبد ربو هادي منصور الذي هنأ الفائز، ودعا لتعزيز التعاون معه في احلك الظروف التي تعيشها بلاده، كيف لا وهو حليف الحليف. أصحاب الواجب هنا كثر.. الكل مستعدّ للتعاون ويبدو فرحاً أيضاً وبينهم مَن ربح الرهان، فكل جديد «فريد»، هو الرئيس الفرنسي الأصغر على الإطلاق منذ نابليون بونابرت عام 1804 ، ايمانيويل ماكرون الليبرالي رئيساً من الاستحقاق الانتخابي الأول في حياته وتجربته السياسية، فهو لم يسبق وعاش تجربة انتخابية من قبل.

العين الأوروبية كانت على فرنسا من مشرقها إلى مغربها، فهي حدّدت مصير أوروبا، كما يبدي خبراء فرنسيون أولئك الذين عرفوا أن فوز لوبان هو انهيار كامل للاتحاد الأوروبي الذي لا تزال باريس أحد عواميده الفقرية وبريطانيا التي سبق وانسحبت من دون أن تنظر الى الوراء لم تنجح في التأسيس لنموذج لطالما خشيته الجارة الألمانية. فنموذج الشعبوية الذي اجتاح واشنطن ولندن كان ينتظر باريس حتى سقوط فيون ومن بعده نموذج لوبان المتطرّف حتى انتقلت فرنسا نحو الوسط بهدوء. هو هدوء الصورة لكن ليس ربع الساعة الأخير لما قبل التحضير لخوض الانتخابات حيث حصل ماكرون على دعم سياسي وإعلامي واستخباري غير مسبوق ليس فقط من فرنسا وحدها، بل من أنظمة الدول المحيطة التي ارادت انعاش الاتحاد الأوروبي بأي ثمن.

بفوز ماكرون تمكنت أوروبا وتحديداً الاتحاد الأوروبي من الشعور بالراحة بعدما كادت تجربة بريطانيا وخروجها من الاتحاد تنسحب على فرنسا، في ما لو فازت مارين لوبان اليمينية المتطرّفة.

تبدو المانيا الأكثر ارتياحاً لنتائج الانتخابات الفرنسية في ما يوحي بعمل كبير ومجهود منسجم من قبل المانيا وفرنسا ودول الاتحاد لإنقاذه. مجهود تؤكده الزيارة الأولى لماكرون الى برلين كأول زيارة له بعد انتخابه رئيساً. وفيها الكثير مما يعيد الإيحاء بعودة تماسك الاتحاد الأوروبي ولو شكلياً أمام الذين راهنوا على فشله مثل بريطانيا وروسيا عملياً مع اختلاف حسابات كلا البلدين.

يطالب برلمانيون ماكرون بتمتين العلاقة مع ألمانيا ويؤكدون انه «يجب أن يكون الحلف الألماني الفرنسي قوياً من أجل الاتحاد الأوروبي، لكن اللافت في مطالبتهم بأن يكون ماكرون «حازماً» تجاه بريطانيا فلا يجب السماح لبريطانيا، التي قرّرت ترك الاتحاد الأوروبي، بأن تحافظ على المميزات التي كانت تمتلكها»، حسب تعبيرهم .

الرئيس الشاب الذي سابق زمانه كنمط «حياتي» ممارسة وتطبيقاً، بدأ بحياة خاصة غير مألوفة وصولاً إلى سرعة تحقيقه إنجازاً بهذا الحجم. هو مخطط بارع استطاع جذب أصحاب النفوذ إليه بسبب ذكائه المنقطع النظير لكنه يعاني من مشكلة رغبته في سباقه مع الزمن. هي مشكلة تبدو حسنة في تاريخ أولئك الذين يريدون «الإنجاز» في مسيرتهم. ماكرون الفتى كان يتناول العشاء مع أساتذة مدرسته ويصادقهم ولا تروق له مصاحبة الصغار سناً أولئك الذين في عمره حتى أنه أغرم بأستاذته وصمّم بالزواج منها بعد 15 سنة والسبب أنه يرغب بالتعلم من الكبار دائماً شيئاً جديداً. لقد كان متفوقاً دائماً ولا يرضى بالقليل. يقول زملائه على مقاعد الدراسة إنه كان يقول لهم إنه سيصبح يوماً ما رئيساً، وربما «ملكاً». بقي وزيراً أيضاً في الحكومات الأخيرة كافة حتى استقال، وعلى هذا الأساس تُنتظر من ماكرون ممارسة سياسية مختلفة لبصمته فيها حصة وازنة.

السباق مع الزمن هو سباق أيضاً مع الاستحقاقات بهذه العقلية المختلفة ومسألة الإنجاز والوقت هي أكثر ما يحسب لها أصحاب هذه المبادئ حساباً. وإذا كان هناك ما ينتظر ماكرون من ملفات دقيقة، فهي حتماً ملف الإرهاب والبطالة في فرنسا. وهذا يعني أنه سيواجه تحديات في أكثر الملفات بطئاً وركوداً وأيضاً غموضاً.

الخطوة الأولى هي إنقاذ الاتحاد الاوروبي وتحدّي روسيا التي راهنت على فشله بإمكانية فوز فيون. ومع هذا رحّبت روسيا بفوز ماكرون والأخير ايضاً أعلن نيته التعاون معها.

زرع ماكرون الأمل من جديد في شرايين الاتحاد الاوروبي، وهو المولود الاميركي بوجه روسيا وتنفّس الصعداء، لكن هذا لا يعني أن اهتزازه غير وارد مجدداً، والمطلوب إنجازات اقتصادية وسياسية جديدة وهي على الأغلب ستأخذ مجراها في المرحلة المقبلة.

عقلانية ماكرون أخذته في مسألة الملف السوري نحو عدم نسف أي خيار من خيارات نتائج الحرب السورية، ومن بينها عدم ممانعة بقاء الرئيس الأسد ضمن عملية حكم انتقالي، أو رحيله، ولكنه يعتبر في الوقت نفسه أن نظام الأسد، «متعطّش للدماء»، حسب وصفه الأمر نفسه بالنسبة لروسيا فهو جاهز لتعديل سياسة العقوبات ضدها روسيا من أجل السلام.

الأكيد أن انطلاق اعمال ماكرون «المثابر» سيكون سريعاً وإنجازاته أيضاً، وأن مرحلة جديدة تنتظر فرنسا وكذلك أوروبا كفيلة بالتأثير على مستقبل الصراع بالمنطقة العربية ستتكشف مفاعيلها بالمرحلة المقبلة بشكل أوفى.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى