الأسرى يثبتون أنّه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان وترامب يكرّس الشراكة السعوديّة «الإسرائيلية»

إياد موصللي

يا عرب ويا مسلمون.. نقول لكم: إذا كنتم عرباً فالتقاليد العربية تقول: «أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي عالغريب». هل كنتم مع أخوتكم على الغريب..

وإذا كنتم مسلمين فالإسلام يقول: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه فهل هذا الذي يجري لاخوتكم الأسرى اليوم ما تحبّون ان يجري معكم..

تحية للشعب السوري في الشام ولبنان وفلسطين الذي أعلن «نقف معاً او نسقط معاً» وأنّ الدماء التي تجري في عروقنا هي وديعة أمتنا فينا متى طلبتها وجدتها.. فوقف داعماً مؤيداً للأسرى.. دنّس الإسرائيليون الأقصى وهو من السلب قاب قوسين او أدنى، دنسوا الحرم الابراهيمي وهو من السلب قاب قوسين او أدنى…

فماذا فعل حماة الحرمين.. ومن يؤازرهم من الأعراب المتحالفين مع أبناء قريظة ضدّ أمتهم وقضيتها.. وبيوت الله تسرق..

الأسرى المضربون أعلنوا وقرّروا: تسقط أجسادنا اما نفوسنا فقد فرضت حقيقتها على هذا الوجود.

الإضراب عن الطعام ليس حركة احتجاجية ولا هو صرخة لإسماع صوت محتجّ..

الإضراب عن الطعام موقف في معركة يخوضها مقاتل يحمل قضية مؤمن بها.. سلاحه وقفة عز يقفها ضدّ عدوّين.. عدو اغتصب حقاً يشعر المضرب عن الطعام انّ هذا العدو تجاوز كلّ الحدود في اغتصاب ما لا يملكه، وتعدّى على حرية هي عنوان الحياة بالنسبة للمضرب عن الطعام.

اما العدو الثاني فهو الجوع الذي قال عنه الإمام علي «لو كان الجوع رجلاً لقتلته».

هنا أتوقف أمام حالة لا يمكن أن نرى مثلها في غير هذا الشعب المؤمن، لا سيما في ظرف مثل الظرف الذي كنا فيه يوم دخلنا للمشاركة في ثورة الحزب الأولى، لم نكن ننقل معنا سوى أسلحتنا والعتاد… خرجنا من دمشق قرابة الساعة السادسة مساء من يوم 3/7 وكانت الساعة قد تجاوزت الثانية عشرة من ظهر يوم 4/7، أيّ مضى علينا ما يقارب ثمانية عشرة ساعة من دون طعام، كان المتوقع وصول بعض المؤن من مديريات المنطقة التابعة لمنفذية البقاع… لم يعضّنا الجوع وإنْ شعرنا بهمهمته وتأخر وصول الرفيق ديب المكلف بالارتباط بيننا وبين مسؤولي الحزب في المنطقة، ولما وصل الرفيق ديب كان يحمل معه كيساً فيه كعك «قرشلي» وضعه وبعد استراحة ذهب ليعود بالمؤن… هنا وزّع الصدر عساف كرم الكعك علينا فأصاب كلّ واحد منا أربع كعكات وقال: اعتبروا أنّ كلّ كعكة هي زاد يوم فإذا لم يتمكّن رفقاؤنا من إيصال المؤن أو تعذر ذلك فهذه مؤونتنا في الوقت الحاضر ولن نمدّ يدنا إلى أحد أو نغتصب مواد من القرى المجاورة! نعم هكذا حرفياً وأنزلنا من مخزون العقل والفؤاد من التربية والإيمان القومي الاجتماعي ما يملأ معدتنا مسانداً قطعة الكعك… نعم نعم هذه المدرسة هيأتنا لأمر خطير يساوي وجودنا. والأسرى هذا هو موقفهم اليوم..

صاحب القضية يلجأ لكلّ سلاح ولأية وسيلة أو طريقة لحماية قضيته التي تمثل وجوده وسبب هذا الوجود. والعدو المغتصب المتعدي على القضية يحلل جميع الحقوق والمحرمات لتبرير تعدّياته وسطوه بالقوة على حقوق وحريات الآخرين..

فالفلسطينيون المضربون عن الطعام ليسوا في ملعب كرة وليسوا لاعبين يخوضون مباراة ولا إضرابهم عملية عضّ أصابع ينتظر كلّ فريق من يصرخ أولاً.. هذا الاضراب هو معركة هو حرب هو قتال.. ساحاته غير الساحات التقليدية للقتال ساحاته لا تحتاج لكبس على الزناد في البندقية لنطلق رصاصة.. القتال هنا مع عدو يجابهك باللامبالاة ظناً منه انه وشريكه في محاربتك الجوع سوف يجعلك تستسلم فور ان يهجم وحش الجوع لينهش أمعاءك ويضعف صمودك.

المحارب المضرب عن الطعام… يقول للسجان الاسرائيلي نحن هنا أجساد صلبة وأمعاء صامدة وإرادة لا تقهر نحن لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع، ونحن عندما نقرّر الصوم نأكل من الغذاء الآخر غذاء الروح الذي يمدّ الجسد قوة هذه القوة التي سوف تثبت للعدو انه لليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، فصاحب القضية يحيا بحياة أمته، والأمة تحيا بالتضحية والفداء والشجاعة والثبات.. نحن من أمة فيها قوة لو فعلت لغيّرت مجرى التاريخ وسنثبت فعل هذه القوة..

أهلنا المضربون مؤمنون بأنّ الحياة وقفة عز، ونحن عندما نتحدث عنهم فقد سرنا في هذا الطريق مثلهم وقبلهم وعاركنا الخصم المستبدّ، وعاركنا الجوع وملأنا الأمعاء الخاوية بصلابة الإيمان وشجاعة الصمود.. فنحن أبناء أمة واحدة.. أذكر تلك الأيام وأعرف جيداً انّ الأسرى صابرون منتصرون.. الإسرائيلي يتقن فنّ الحرب بالسلاح وفنّ الحرب بالخداع والمكر والخيانة ولكنه لم يحارب ولا يستطيع ان يحارب بالصبر والإرادة والحزم وقوة الإيمان.. هذا الموقف وقفناه في شباط 1950…

تمادت إدارة السجن بفعل توجيهات رسمية في معاملتنا بشكل سيّئ ومقيت وتجاوزت حقوقنا كسجناء سياسيين حتى انّ معاملتنا العادية كانت تختلف عن بقية السجناء، وهي أدنى منها.. وقمنا بكافة المراجعات وسلكنا جميع الطرق دون فائدة لذلك قرّرنا ان نعلن إضرابا عاماً عن الطعام، وحدّدنا يوم 14 شباط 1950 موعداً لبدء تنفيذ هذا الإضراب… وفي الموعد المحدّد نفذ الإضراب.

مضت ثلاثة أيام وبعدها نقلنا وتمّ جمعنا في غرفة واحدة، ولكن هذا الجمع لم يكن تلبية لمطالبنا وإنما لمراقبتنا، حجزوا عنا النزهة. ومنع الاتصال بنا وأقفلت فتحة الباب «الشراقة» لضمان التأكد من عدم وصول أيّ طعام إلينا ظناً أنّ ذلك سيؤدّي لتراجعنا وفك الإضراب، سارت عملية الإضراب بشكل منتظم وحاولت الإدارة إقناعنا بالتراجع مستعملة الوعود فلم تفلح وبقينا ثابتين، وتوالت أيام الإضراب واشتدّت وبدأت الصحف تنشر أخبارنا، وأثيرت مسألة الإضراب بشكل واسع بعد أن مضت الأيام العشرة الأولى من الإضراب دون ان يدخل فمنا أيّ شيء سوى الماء، وبدأ الكثيرون ينهارون صحياً، وبدأت الإدارة بنقلنا بالقوة إلى المستشفى حيث جرت عملية فتح أفواهنا بالقوة لتجريعنا الحليب وحقننا بالإبر وإعطائنا المصل حيث اشتدّ الخطر لكننا لم نتعرّض للانهيار ولم نتراجع وثابرنا على موقفنا.

مضى على الإضراب 15 يوماً وضجّت البلاد وانتشرت الأخبار بالصحف، ولم تفلح تدخلات الإدارة ووعودها… وتدخل مسؤولو الحزب وقاموا بتحركات وضغوطاً لتنفيذ مطالبنا… عندها فككنا الإضراب، أوقفناه في 29 شباط 1950.

كان موضوعنا بسيطاً نسبة لما يطلبه الأسرى الفلسطينيون، الذين في وقفتهم يمثلون أولئك المؤمنين بحقهم في وطن اغتصب وبلاد احتلت من طغاة شذاذ آفاق، فوقفة الأسرى وثباتهم يعكس إرادة أمة أبت أن يكون التاريخ مقبرة لها في الحياة…

نحن لا نشك بشجاعة الأسرى ولا بقوة إيمانهم ولا بثباتهم وانتصارهم… نحن نقف معهم نتأمّل أولئك الذين اعتبروا هذا الشعب وهذه البلاد قبيلة يعرب وهم شيوخها وأمراؤها.. لذلك اعتبروا من يرفع راية الحرية خارج إرادتهم وموافقتهم هو متمرّد… فلم يحركوا ساكناً لا بالصوت ولا بالصورة وكأنّ الأسرى نعاج مربوطة على أبواب مراعيهم أمام مضارب عشائرهم.. وبدلاً من ان يرتفع صوت الغضب والاحتجاج والدفاع عن الأسرى الأبطال، ارتفع صوت التهليل والترحيب بالرئيس الأميركي الذي سيزور الكيان «الإسرائيلي» والسعودية في أول وجولة له خارج أميركا.. دولتان صديقتان حليفتان متساويتان.. فرحوا ورحبوا وذبحوا النعاج وحضروا العقود بمئة مليار دولار لشراء السفن الحربية وكومبيوترات التخطيط الحربي والطائرات والمدفعية، وظنّت «إسرائيل» ان السعودية استيقظت فيها كرامة وعزة العروبة وأثارها إضراب الأسرى وما يتعرّضون له وتقوم به «إسرائيل» من سلب متمادٍ وإقامة مستوطنات على أملاك خاصة بالفلسطينيين. ظنّت «اسرائيل» انّ هذا السلاح سيستعمل ضدّها ثأراً للأسرى ورداً على عدوانها..

ولكن وزير خارجية السعودية عادل الجبير قال لهم.. لا اطمئنوا، فهذا السلاح هو لمحاربة سورية واليمن والعراق وإيران.. هو لدعم الإرهاب، فـ»إسرائيل» لا يعنينا موضوع الحرب معها.. انّ زيارة ترامب لبلادنا تعبير منه عن انّ السعودية طريق نافذ لتحقيق أهداف ومصالح أميركا.

الإضراب عن الطعام عمل غبي وليتحمّل المضربون تبعاته.. وردّ الأسرى على هذا الكلام فرتلوا الآية الكريمة «والأعراب أشدّ كفراً ونفاقاً»..

لم يتغيّر الكذب والخداع منذ نشأت المسألة الفلسطينية الى اليوم وموقف اميركا لم يتغيّر، بلفور وعد اليهود بوطن قومي وأميركا حققت الوعد ونفذته، ولا زال الأعراب يقفون على اعتابها مطاطئي الرؤوس عملاء أذلاء.. أميركا متحمّسة اليوم أكثر من الماضي لتحقيق أطماع «إسرائيل» وأحلامها ولم تنس ما قاله الرئيس السابق أوباما: «انّ اسرائيل هي الولايات المتحدة والولايات المتحدة هي إسرائيل…»

لذلك لا نعوّل على موقف دولي عادل يضع حداً لـ«إسرائيل» وعنجهيتها.. وأميركا في طليعة الدول المتواطئة ورئيسها يزور كيان العدو في هذه الأيام وكأنه يقول للمضربين: «موتوا جوعاً قبل ان تموتوا ذبحاً وقتلاً… وقد يعلن فتح نقل سفارة أميركا إلى القدس المحتلة كـ»عاصمة لإسرائيل».. والعرب كلّ العرب صامتون خرس بكم عمي.. جامعة الدول العربية امتشقت «سيف البطولة» ضدّ سورية وعضويتها دعماً للإرهاب وتأييداً لرعاته وهي اليوم تقف كصنم من أصنام الذلّ لا صوت ولا صورة ولا قرار شكلي لإثبات الوجود.. كما باعت هذه الجامعة فلسطين في الماضي تبيع بسكونها الأسرى اليوم.. ونقول:

لا يلام الذئب في عدوانه

ان يكن الراعي عدوّ الغنم

كلا… وألف كلا… فهؤلاء الأسرى يخوضون معركة قضية تساوي الوجود كله..

كلّ أسير من أبناء أمتنا يمثل مرحلة من انتصاراتنا الكبرى، أسرانا وشهداؤنا هم أحرارنا، وإيمانهم الدائم بأننا إذا لم نكن أحراراً من أمة حرة فحريات الأمم عار علينا.

ونذكّر بما قاله الزعيم سعاده: «إننا لا نريد الاعتداء على أحد ولكننا نأبى أن نكون طعاماً لأمم أخرى، إننا نريد حقوقنا كاملة ونريد مساواتنا مع المتصارعين لنشترك في إقامة السلام الذي نرضى به، وإنني أدعو اللبنانيين والشاميين والعراقيين والفلسطينيين والأردنيين إلى مؤتمر مستعجل تقرّر فيه الأمة إرادتها وخطتها العملية في صدد فلسطين وتجاه الأخطار الخارجية جميعها، وكلّ أمة ودولة إذا لم يكن لها ضمان من نفسها من قوتها هي فلا ضمان لها بالحياة على الإطلاق.

يجب أن نعارك يجب أن نصارع، يجب أن نحارب ليثبت حقنا. واذا تنازلنا عن حق العراك والصراع تنازلنا عن الحق وذهب حقنا باطلاً، عوا مهمتكم بكامل خطورتها ولا تخافوا الحرب بل خافوا الفشل».

فالأسرى تمتلئ نفوسهم وأرواحهم وعقولهم بالإيمان وهم قد نذروا حياتهم لأمر خطير يساوي الوجود…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى