مناورة «الأسد المتأهّب» هل تنقلب عدواناً على سورية؟

العميد د. أمين محمد حطيط

مع بداية العدوان على سورية، لحظت أميركا إمكانية الهجوم على سورية انطلاقاً من الأردن، وقرّرت تحضير ذلك عبر إجراءين عمليين: الأول إنشاء غرفة عمليات الـ«موك» لإدارة العمليات الميدانية ضد سورية، والثاني تنظيم مناورات في الأردن تحت تسمية «الأسد المتأهب» بذريعة تدريب قوى أطلسية وإقليمية لمحاربة الإرهاب في المنطقة. وكان واضحاً من خلال ملاحظات الذين شاركوا في هذه المناورات أن الغاية منها إعداد القوى العسكرية وتدريبها وتجهيزها لاجتياح المنطقة الجنوبية من سورية، وصولاً إلى دمشق وملاقاة قوى صديقة مقبلة من الشمال كان يُعنى بها بأنها قوات تركية أطلسية أيضاً قد تصل إلى حمص.

ومنذ انطلاقها بقيت المناورات مناورات تكرّر سنوياً بشكل دوري من دون أن يكون هناك ما يشير الى أن الاجتياح المخطط سيحصل بالصيغة التي كان يُعَد لها فيها، وبالعكس تلقت خطط العدوان ضربات قاسية من قبل القوى المدافعة عن سورية، وألحقت بها الهزائم التي أدت الى تجميد عمل غرفة عمليات الـ«موك» التي كان يديرها ضباط أطلسيون و«إسرائيليون» ومعهم بعض من سعوديين وقطريين وأردنيين.

وفجأة اليوم يُعاد العمل بغرفة «موك» وتزخّم مناورات الأسد المتأهب وتضم اليها دول جديدة حتى بلغ عدد المشاركين فيها 20 دولة، تزامن ذلك مع إطلاق أميركا خطة إقامة «الأقاليم الثلاثة» في سورية، وفيها إقليم الجنوب المنوي إنشاؤه على أراضي 3 محافظات القنيطرة درعا – السويداء ، كما ويترافق مع عمل أميركي حثيث لتسليح قوى مرتزقة إلى جانب قوى محلية سورية في البادية السورية تحت تسميات مختلفة من «مغاوير الثورة» الى «جيش سورية الجديد» و«جيش العشائر». قوى تُناط بها السيطرة على البادية السورية من جنوب شرق دير الزور البوكمال إلى نقطة التقاء الحدود العراقية الأردنية السورية، حيث تكون السيطرة بعدها للقوات الأردنية في سياق إقليم الجنوب.

واستكمالاً لتحضيراتها العسكرية رفعت أميركا مستوى التحشيد تحت عنوان «الأسد المتأهب» إلى أن بلغ حجم القوى الجاهزة اليوم في شمال الأردن، وعلى بعد 45 كلم من الحدود السورية قوى تقليدية أميركية بريطانية أردنية بحجم فرقة مشاة آلية معززة بأفواج من القوات الخاصة ومدعومة بقوى جوية ملائمة، وتُضاف إليها قوى من الجماعات المسلحة يتجاوز عديدها وفقاً لما تسرّب حتى الآن 6000 مسلح. وتدّعي أميركا أن مهمة القوى كلها محاربة داعش في جنوب سورية وباديتها مع أن الميدان يُظهر انتفاء وجود داعش في معظم الأرض التي تدّعي أميركا السعي لمحاربة الإرهاب فيها أصلاً لا تُقنعنا أميركا أنها تحارب الإرهاب وهي التي صنعته وتستثمر به .

وعليه نرى أن قيادة العدوان على سورية دخلت اليوم جدياً في تنفيذ خطة لاقتطاع ما أمكن من أرض سورية لتحقيق أغراض وأهداف استراتيجية محدّدة عبرها بعد أن عجزت عن إسقاط سورية كلها. وإن الغرض اليوم ممّا يُحضّر من عمليات عدوانية في الجنوب يتجاوز خطة «الإقليم الثلاثة» ويتعدّى إقامة إقليم الجنوب الى إقامة منطقة «الجنوب والبادية» بإشراف أردني مباشر، وبدعم مؤكد من أميركا وإسرائيل وبريطانيا من أجل تحقيق أغراض ثلاثة هي:

فصل محور المقاومة بشرقه عن غربه، عبر السيطرة الكاملة على الحدود العراقية مع سورية، وتكون قوات «قسد» الكردية المدعومة أميركياً مسؤولة عن الجزء الشمالي من الحدود، وقوات البادية والجيش الأردني مسؤولاً عن الجزء الجنوبي، ما يؤدي إلى إسقاط ما حذّر منه الملك عبد الله في العام 2004 «الهلال الشيعي» ويمنع تواصل مكوّنات محور المقاومة ويقود برأي أصحاب المشروع إلى تفتيته.

إقامة حزام أمني شمالي الجولان المحتل يُبعد حزب الله والقوى الإيرانية التي طالما طالبت «إسرائيل» بابتعادها عن الجنوب، ويجعل بالتالي احتلال الجولان آمناً ونهائياً. وهي مصلحة استراتيجية «إسرائيلية» كانت ولا زالت أحد الأغراض الرئيسية التي رمى العدوان على سورية لتحقيقها.

منح الأردن فرصة للاستفادة من الثروات الطبيعية في المنطقة تلك خاصة مياه الجولان وسهل حوران، وهي مكاسب تستحق كما يسوّق حكام الأردن المغامرة والتضحية من أجلها.

قبل أسابيع ثلاثة تحرّك الأردن، الذي يعجز عن رفض أي مشروع يُفرض عليه أطلسياً أو خليجياً، للتحضير لتنفيذ ما أوكل إليه في «خطة الأقاليم الثلاثة»، لكن ردة الفعل السوري الحاسمة دفعت الأردن للتردّد بعض الشيء، وظنّ البعض أن مذكرة «مناطق خفض التصعيد» التي تمخّض عنها أستانة 4، دفنت مشروع «الأقاليم الثلاثة» تلك، خاصة أن إثنين من الإقاليم الثلاثة مشمولة بمناطق «خفض التصعيد»، لكن أميركا و»إسرائيل» وجدتا ان المشروع الأخير لا يحقق لهما شيئاً من أهدافهما الاستراتيجية ضد إيران وحزب الله ومحور المقاومة برمّته، فطوّرتا خطة «الأقاليم الثلاثة» لتصبح على النحو الذي تقدّم. فهل تُنفّذ المغامرة العدوانية وينطلق أصحاب المشروع الى تنفيذه؟

مَن يتابع التحضيرات الميدانية والمواقف السياسية المعلنة يصل الى نتيجة مؤداها، بأن قوى العدوان غير مقتنعة، وبالتالي غير مستعدة لتسهيل تطبيق مذكرة «مناطق خفض التصعيد» وإنجاحها. كما أنها وبطبيعة الحال غير مستعدّة للدخول الجدي في العملية السياسية، ولذلك لا ننتظر من قوى العدوان عملاً مفيداً في الأسبوع المقبل في جنيف الذي دعا إليه دي مستورا. وبالتالي فإن المتوقع أن يبقى تركيز العدوان على الميدان، وقد تكون خطة «البادية والجنوب السوري» في طليعة ما قد يلجأ إليه. وعليه ورغم أن الأمور حتى لا زالت تحت السيطرة بالنسبة لسورية وحلفائها، فإنني أرى وجوب التعامل بجدية مع التهديدات والأخطار التي تشكّلها هذه الخطة، بخاصة أن أميركا التي لم تحصر نفسها في خطة عدوان واحدة ولم تعتمد اليوم استراتيجية واحدة ونهائية حيال سورية قد تندفع قدماً في هذه الخطة إذا تبيّن لها أن نجاحها ممكن.

ومن جهة أخرى، نرى أن محور المقاومة الذي وقف مع سورية طيلة السنوات الست الماضية لمنع إسقاطها، وللمحافظة على بنيته وفعاليته، يجد نفسه ملزماً بالمحافظة على مكتسباته ولا يمكنه التفريط بعنصر هام منها، لأن نجاح الخطة تلك يعني تجريده من أهم مكامن قوته.

ولذلك سيكون منطقياً وقوف سورية ومحور المقاومة لمواجهة هذه الخطة العدوانية الخبيثة، وبكل ما يملكون من قدرات، ومهما بلغت التضحيات والأثمان المدفوعة. وهنا طبعاً نذكّر بأن المنطقة كلها يعمل فيها على أساس أنها مسرح عمليات واحد، ولن يكون المعتدى عليه ملزماً بالدفاع والرد على العدوان في المكان والزمان والطريقة التي يختارها المهاجم المعتدي، وأن «إسرائيل» تدرك جيداً هذا الأمر ولهذا ومع تحريك هذه الخطة حرّكت مشروع إقامة الجدار العازل على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة خشية أن تكون تلك الحدود جزءاً من مسرح العمليات الناشط. ويبقى سؤال كبير يُوجّه للأردن مع علمنا بحاله، هل أخذ في الحسبان مخاطر الفشل وارتداد الآثار السلبية عليه مع احتمال انهياره وتحوّله الوطن البديل، وعندها تكون إسرائيل لعبت خطة ربح – ربح أي إما ربح الحزام الأمني أو ربح الوطن البديل ، والأردن لعب لعبة المصير؟ يكون الوطن البديل .

وفي النتيجة نرى أن الأزمة السورية باتت في نهايتها، وأن السباق بين المشاريع والخطط من هذا الطرف أو ذاك يبدو وكأنه سباق مع الوقت، ولذلك يكون الحذر والحزم في القرارات والإسراع دون التسرّع بها وفي تنفيذها أمور لا بدّ منها وأن كل المؤشرات تقود في النهاية إلى القول بأن سورية ومحور المقاومة ومعهم روسيا هم الآن أصحاب أرجحية في الميدان ومبادرة في السياسة وقوة إجمالية شاملة تمكّنهم من حفظ مكتسبات دفاعهم الناجح واستثمارها في السياسة، ما يجعلهم حتى اللحظة في الجانب الأمين من مسرح المواجهة.

أستاذ في كليات الحقوق اللبنانية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى