البرزاني محور تسوية أميركية تركية بتسليمه مناطق الأكراد وإمساك الحدود؟ بري يُطفئ محرّكاته وينتظر تلقي المبادرات… وعدوان يخشى مشروعاً يحمل اسمه

 

 

كتب المحرّر السياسي

زادت برودة جنيف المرتقبة بفعل عدم تبلور رؤية روسية أميركية موحّدة وتردّد تركي في حسم الموقف من جبهة النصرة، لفتح الباب أمام تسوية تاريخية تطلق التفاوض على الآليات التنفيذية لحكومة سورية موحّدة عنوانها حشد الجهود في الحرب على الإرهاب، بدعم دولي إقليمي وصولاً لوضع دستور جديد وتتويجه بانتخابات رئاسية ونيابية، ببرودة ناتجة عن رغبة أميركية بالتصعيد رداً على تقدّم كل من الجيش السوري والحشد الشعبي من الجهتين السورية والعراقية للتلاقي عبر خط الحدود الذي صار إمساكه قضية مستقبل الحرب التي تخوضها واشنطن في كل من سورية والعراق، فبادر المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا بالتراجع عن أولوية البحث بملف الحرب على الإرهاب، أو السير بالمحاور المتوازية للسلال الأربع التي تتضمّن إضافة لملف الحرب على الإرهاب ومتطلباته، ملف الدستور وملف الانتخابات وما يُسمّى بالمرحلة الانتقالية، وتقدم بدعوة لتشكيل لجنة خبراء تتمثل فيها الحكومة والمعارضة والأمم المتحدة، في ما وصفته مصادر متابعة خروجاً عن حدود التفويض الأممي باعتبار الشان الدستوري شأناً سورياً سورياً لا يمكن للأمم المتحدة المشاركة فيه، في ظل موقف الوفد الحكومي المتمسك بحسم المرتكزات

الأساسية لأي تفاهم وطني باعتبارها تشكل مقدمة أي دستور لأي دولة، كمسائل السيادة ووحدة التراب ورفض التدخلات الخارجية. وهي ما وردت عناوينها في نص القرار 2254 والتي تشكّل هوية الدولة العلمانية القضية الرئيسية فيها، والتي تتهرّب وفود الرياض من الخوض فيها متغطّية بالحديث عن دولة مدنية.

الحركة الأميركية في جنيف كانت جزءاً من التعبير عن الاستنفار لحرب الحدود السورية العراقية التي تحضر في محادثات الرئيس التركي رجب أردوغان مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حيث يحمل أردوغان عرضاً للجانب الأميركي، وفقاً لمصادر متابعة، يقوم على تفويض البشمركة الكردية العراقية بزعامة مسعود برزاني بمهمتي الإمساك بالمناطق التي يسيطر عليها الأكراد في سورية، ومناطق الحدود السورية العراقية، وضمناً تنظيف منطقتي سنجار والقامشلي من وجود حزب العمال الكردستاني، مقابل تقديم الأتراك للدعم اللازم في معركة الرقة.

على ضفة موازية، حيث العيون الأميركية على إيران والانتخابات الرئاسية فيها، تسارعت الانسحابات لتطال المرشح المحافظ محمد باقر قالیباف والإصلاحي إسحاق جهانغيري وتنحصر المنافسة عملياً بين المرشحين الرئيسيين السيد إبراهيم رئيسي والشيخ حسن روحاني، في ظل ترجيحات لفوز روحاني، مع حياد المرشد السيد علي الخامنئي، وتعهّد المرشحين بالتصدي للسياسات الأميركية واحترام التفاهم النووي وتطبيقه الندي والصارم، وحماية دور الحرس الثوري في دعم حركات المقاومة.

لبنانياً، زاد البرود على الاتصالات الهادفة لإنتاج قانون انتخاب جديد، بعدما أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري إطفاء محركاته وانتظار المبادرات من الآخرين، وانحصرت المساعي بالدور الذي يقوم به نائب رئيس حزب القوات اللبنانية جورج عدوان على خط عين التينة وكليمنصو من جهة، وقصر بسترس وبيت الوسط من جهة مقابلة. فيما قالت مصادر متابعة إن عدوان يكتفي بنقل الرسائل مبتعداً عن محاولة صياغة وسطية للأفكار التي توضع أمامه خشية أن يجري التداول بمشروع يحمل اسمه ويكون ذلك كافياً لإسقاطه، وتقيّده بالتنقل بين مشروعَي رئيس مجلس النواب ووزير الخارجية والبحث عن إمكانية للجمع بينهما.

«القانون» إلى الجولة الأخيرة في حزيران

تستمر عملية الكرّ والفرّ وشد الحبال ورفع السقوف في ملف قانون الانتخاب بين القوى السياسية في المهلة الضائعة، الممتدة حتى نهاية الشهر الحالي، لينتقل الصراع الانتخابي بعدها الى جولة التفاوض الأخيرة في العقد الاستثنائي قبل نهاية ولاية المجلس النيابي الحالي، مع اتجاه لدى رئيسي الجمهورية والحكومة الى توقيع مرسوم العقد قبل 31 أيار، بحسب معلومات «البناء»، في حين أطفأت عين التينة محركاتها بانتظار مبادرة الآخرين للبحث عن بدائل، بعد سحب قانون رئيس المجلس النيابي نبيه بري من التداول وموت المشروع التأهيلي الذي يحاول التيار الوطني الحر إنعاشه من جديد حتى إيجاد البديل، كما عبّر رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل أمس، بعد اجتماع تكتل «التغيير والإصلاح». وأشار إلى أن «مجلس الشيوخ يطمئن الطوائف ونثبت المناصفة في مجلسي النواب والشيوخ وننتخب مجلس نواب على أساس النسبية. والظاهر أن فكرة مجلس الشيوخ قد أُجهضت ولا أعرف لمصلحة من، وفي ظل رفضنا قانون الستين والتمديد والفراغ كما كل اللبنانيين»، معتبراً أن «الشيء المتوفر اليوم هو القانون التأهيلي الذي يحظى بميثاقية عددية. والمهم أننا لا نريد قانون العد، ونريد قانون الخصوصيات الميثاقية والديمقراطية التوافقية أو المواطنة الكاملة».

وفي وقتٍ تؤكد مصادر وزارية لـ«البناء» أن المشاورات الانتخابية عادت الى الوراء والأمور تعقدت أكثر، لفتت مصادر التكتل لـ«البناء» الى أن «الطرح التأهيلي لا يزال على قيد الحياة رغم حملات الطعن والرفض التي تعرّض لها، لكنه موجود حتى يتم الاتفاق على قانون جديد قابل للإقرار في المجلس النيابي»، مشيرة الى أن «فكرة مجلس الشيوخ لم تعد قائمة في الوقت الراهن بعد سحب رئيس المجلس النيابي نبيه بري طرحه الأخير ورفض النائب وليد جنبلاط فتح هذا الملف في ظل الظروف الحالية والإقليمية الحالية».

وتحدّثت مصادر نيابية مطلعة لـ«البناء» عن إجماع على النسبية الكاملة كمبدأ، «لكن العقدة أمام إقرار قانون جديد، يتمثل بالخلاف على المرحلة التمهيدية للقانون النسبي والذي تدور النقاشات حوله في الاجتماعات كلها، حيث يصر التيار الحر على المرحلتين، الأولى الانتخاب الطائفي على صعيد القضاء والثانية النسبية على صعيد الدائرة»، موضحة أن «لا خلاف كبير على الدوائر وفي حال تمّ الاتفاق على طبيعة ومفهوم النسبية، فإن عملية تركيب الدوائر تصبح سهلة». كما أشارت الى أن «الخلاف الثاني هو على الصوت التفضيلي»، ولفتت الى أن «الاتجاه في بعبدا والسراي الحكومي هو الى فتح دورة استثنائية للمجلس النيابي كخطوة إيجابية باتجاه تفعيل الجهود وتزخيمها للوصول الى قانون جديد»، مرجحة أن تصل الجهود لقانون جديد خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة، فلا مصلحة للجميع بالوصول الى نهاية ولاية المجلس من دون قانون».

ونقل نائب رئيس مجلس الوزراء السابق عصام فارس عن رئيس الجمهورية بعد لقائه في قصر بعبدا أن «عون متفائل بالوصول الى حلول قريبة بالنسبة الى قانون الانتخاب على رغم التجاذبات التي يعيشها لبنان حالياً»، واصفاً لبنان بأنه «أكثر البلدان أماناً» الى درجة أن العالم يحسدنا على الأمن المستتب والمضبوط عندنا»، بينما يؤكد مصدر مقرب من بعبدا لـ«البناء» أن الرئيس عون مصرّ على اقرار قانون انتخاب جديد يعتمد النسبية الكاملة وهو منفتح على كافة الطروحات النسبية وغير متمسك بالتأهيلي، لكنه أحد أشكال هذه النسبية مع أنه يفضّل القانون الذي لطالما نادى به، أي النسبية الكاملة على أساس لبنان دائرة واحدة أو المحافظات».

لقاء جنبلاط عدوان

ويستمر نائب رئيس «حزب القوات اللبنانية» جورج عدوان»، في مساعيه التوفيقية بين الرئيس بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط من جهة، والتيار الوطني الحر من جهة ثانية، فبعد لقاءات الخارجية وعين التينة في الأيام القليلة الماضية، زار عدوان مساء أمس كليمنصو والتقى جنبلاط. ولفتت أوساط التيار لـ«البناء» الى أن «عدوان يقوم بدور صلة الوصل على خطوط الرابية عين التينة كليمنصو وتقريب وجهات النظر وينقل وجهة نظر وموقف الثنائي المسيحي من النسبية الكاملة ويعمل على إقناع الأطراف بالمرحلة التمهيدية للنسبية من منظار التيار، لكنه لم يعرض أي صيغة انتخابية كاملة بل مجرد الاتفاق على أفكار مشتركة تمهيداً لتظهيرها بصيغة جديدة».

«المستقبل»: مَن يأخذنا للفراغ يتحمّل المسؤولية

ولم يأت بيان كتلة المستقبل خلال اجتماعها أمس على ذكر الملف الانتخابي، في حين يستمرّ الرئيس سعد الحريري بالتزام سياسة النأي بالنفس عن دائرة الخلاف الانتخابي بين عين التينة والرابية، كما ويتجنّب أي مواجهة مع بعبدا والتيار الحر، في ظل المعلومات التي تتحدّث عن تفاهم انتخابي بين الطرفين على اجراء الانتخابات على قانون الستين وعقد التحالفات الانتخابية في جميع الدوائر على صعيد لبنان. وقالت أوساط نيابية مستقبلية لـ«البناء» أن «الرئيس الحريري متفائل أكثر من أي وقت مضى بقدرة الأطراف على انتاج قانون جديد قبل 19 حزيران المقبل». وأشارت الى توافقٍ بين عون والحريري على توقيع مرسوم العقد الاستثنائي نهاية الشهر الحالي، مؤكدة أن «الحريري يبذل كل المساعي ولا يوفر أي جهد في سبيل تقريب وجهات النظر بين الأطراف».

وعن تمسك «التيار الحر» بالتأهيلي وغموض موقف المستقبل حيال ذلك، أوضحت الأوساط أن «تمسك التيار بمشروع باسيل لا يلزم الأطراف الأخرى، لأن قانون الانتخاب لا يقر إلا بالتوافق والمستقبل يرفض في كل اللقاءات والنقاشات الجارية كافة الطروحات المذهبية والطائفية التي تقسم اللبنانيين»، واستبعدت فرضية الفراغ النيابي، ولفتت الى أن «مَن يأخذ البلاد الى الفراغ يتحمل مسؤولية ذلك، لأن الفراغ في أي سلطة دستورية أساسية لا سيما السلطة التشريعية مصدر السلطات، يعني تعطيل باقي المؤسسات، ما لا يقبل به الحريري ولا حتى رئيس الجمهورية»، ونفت الحديث عن صفقات انتخابية وكهربائية بين «المستقبل» و»التيار»، مشيرة الى أن عدم التطرق بعد الى التحالفات الانتخابية وما يعبر عنه الحريري في كل تصاريحه لا سيما الاخيرة في بعبدا واضحة وصريحة لا لبس فيها، مؤكدة على «العلاقة جيدة مع النائب وليد جنبلاط والرئيس بري».

التجديد لسلامة ست سنوات اليوم

في غضون ذلك يعقد مجلس الوزراء اليوم جلسة عادية في السراي الحكومي برئاسة الرئيس الحريري، على أن يطرح وزير المال علي حسن خليل اقتراح التجديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة من خارج جدول الأعمال، بحسب معلومات «البناء» والتي علمت أيضاً من مصادر حكومية أن «مجلس الوزراء سيقر بالإجماع التجديد للحاكم الحالي لولاية كاملة مدتها ست سنوات». ولفتت المصادر الى أن «توافقاً بين الرؤساء الثلاثة على قرار التجديد لسلامة، لأسباب تتعلق بالتحديات المالية والاقتصادية التي تواجه لبنان لا سيما مشروع قرار العقوبات الذي يطبخ في الكونغرس الأميركي، الأمر الذي يتطلب من لبنان الرسمي الاستعداد الكامل للمواجهة والتصدي للقرار من خلال جملة إجراءات سياسية ومالية تبدأ بالتجديد للحاكم الحالي كي يتسنى له التواصل مع الجهات المالية الأميركية والدولية، لشرح وجهة نظر لبنان ووضعه المالي والاقتصادي الصعب وأنه لا يستطيع تحمل أي عقوبات جديدة فضلاً عن التنسيق مع القطاع المصرفي على غرار التنسيق الذي حصل العام الماضي».

كما علمت «البناء» أن سلامة سيقوم بزيارة إلى بعبدا للقاء رئيس الجمهورية قبل جلسة مجلس الوزراء، لبحث مشروع العقوبات الجديد والإجراءات التي ستتخذ على هذا الصعيد.

وكان سلام أعلن أمس خلال افتتاح مؤتمر «Euromoney لعام 2017» أن «لبنان اليوم على عكس السنتين الماضيتين، بات يتمتع بأسس نمو أفضل بفضل الاستقرار السياسي الناتج عن انتخاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وتشكيل حكومة رئيس الوزراء سعد الحريري»، مطمئناً الى أن «السيولة في القطاع المصرفي مرتفعة»، وموضحاً أن «سياسة مصرف لبنان لا تهدف إلى زيادة معدلات الفائدة، وأن علينا انتظار تطور الأمور في الأشهر المقبلة، خصوصاً في الصيف، لتحديد النمو المرتقب لعام 2017، مع أن صندوق النقد الدولي وبعض المؤسسات الأخرى تتوقع نسبة نمو بين 2 و3 ».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى