قمة الطغاة وإرادة المستضعفين

الشيخ د. حسان عبدالله

الّذين قال لهم النّاس إنّ النّاس قدْ جمعوا لكمْ فاخْشوْهمْ فزادهمْ إيماناً وقالوا حسْبنا اللّه ونعْم الْوكيل آل عمران:173

ينتظر العالم العربيّ اليوم النتائج التي ستُسْفر عنها قمة الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب في السعودية مع عدد كبير من قادة العالمين الإسلاميّ والعربيّ.

وينظر البعض إلى مقرّراتها وكأنها قدر محتوم وناموس سيحكم المجتمعات لا محالة، ذلك أنّ أقوى دولة في العالم تجتمع مع أغنى الدول العربية والإسلامية لتقرير مصير المنطقة، ويجب علينا أن لا نستهين بهذا الحدث وأن نتعامل معه بلا مبالاة، ذلك أنّ هناك حاجةً مشتركة بين الفريقيْن المجتمعين ببعضهما البعض، فدونالد ترامب يريد من هذه القمة أموراً:

أولاً: تحشيد حلفائه في المنطقة ضمن استراتيجية وضعتْها الإدارة الأميركية لمواجهة يقظة روسيا، وسعيها لاستعادة دورها كقطب أساسيّ في السياسات الدولية لا يمكن تجاهله، كما فعلتْ خلال الفترة الماضية من خلال تفرّدها ضمن ما اصطلح على تسميته بسياسة القطب الواحد.

ثانياً: استنزاف الدول العربية الغنية، وعلى رأسها السعودية، مالياً لدعم الاقتصاد الأميركيّ الذي يعاني من مشكلات كثيرة. فترامب التاجر أراد لتحركات الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة أن لا تكون فقط لتكريس هيمنتها على العالم، بل لا بدّ من أن تحقّق في الوقت نفسه مردوداً مالياً يغطّي النفقات ويغذّي الخزينة الفيدرالية.

ثالثاً: فشل مشروع السعودية في ما سمّي زوراً بالربيع العربيّ من خلال عدم قدرتها على تدمير الدولة السورية، وفشلها الذريع في حربها على اليمن، وعدم قدرتها على تحقيق إيّ إنجاز في العراق، وقلقها من الثورة الشعبية في البحرين، وفشلها في إجهاضها، وسقوط سياسة القمع في الداخل السعوديّ من خلال الضغط على أهالي المنطقة الشرقية وخصوصاً منطقة العوامية، ما اضطرها للجوء إلى الولايات المتحدة الأميركية لمساعدتها في الخروج من هذه الهزائم بنصر ولو وهميّ أو بأقلّ قدْر ممكن من الخسائر.

رابعاً: السعي من قبل الملك سلمان وولده محمد للإمساك بزمام السلطة في المملكة في مواجهة حلف محمد بن نايف والأمراء المتضرّرين، حيث يمكن اعتبار هذه القمة كإنجاز لإبن سلمان يستعمله داخلياً لتكريس ولايته للعهد وإبعاد إبن نايف.

خامساً: تقاطع المصالح بين الولايات المتحدة الأميركية والمجتمعين والكيان الصهيونيّ لتحقيق سلام بين العرب والكيان الصهيونيّ. سلام موهوم يُراد من خلاله الاعتراف بهذا الكيان، وإلغاء حقّ العودة وتبادل الأراضي.. إلا أنّ ثمّة عقبة كبيرة في وجه مشروع كهذا، وهي محور المقاومة وبالأخصّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

لذا فإنه سيكون على رأس أولويات اهتمام هذا الاجتماع القضاء على محور المقاومة أو على الأقلّ التقليل من خطره ضمن سياسة تعديل السلوك التي تطلبها الولايات المتحدة الأميركية من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي اعتبرها سماحة السيد القائد الإمام آية الله العظمى السيد علي الخامنائي مدّ ظله – بـ«أنها تعني إسقاط النظام في إيران».

سادساً: سعي المملكة السعودية كي تكون القائد الإقليميّ لمحور الشرّ الأميركيّ لتتربّع على عرش قيادة الدّول الإسلامية والعربية واستخدام هذا الاجتماع لتكريس هذا الدور بإملاءات أميركية على حكّام المنطقة.

من خلال هذا العرض الموجز لهذه القضية وقضايا أخرى، ما هي النتيجة المتوقعة من اجتماع كهذا؟ وما يجب أن يكون عليه ردّ محور المقاومة؟

يجب أن يكون واضحاً للأمة أنّ ما تقرّره الولايات المتحدة الأميركية ليس قدراً محتوماً. وهذه ليست المرة الأولى التي تجتمع فيها الولايات المتحدة الأميركية مع عملائها في المنطقة ويتمّ اتّخاذ قرارات مصيرية، ولكنّ النتيجة دائماً تكون بأنّ إرادة الشعوب ـ على ضعف الإمكانيات ـ هي أقوى بكثير من خطط المستكبر وأزلامه.

ألم تأت قوات متعدّدة الجنسيات إلى لبنان وأقامتْ قواعد لها؟ ألم تقصف بوارجها التي كانت في البحر مدننا وقرانا؟ ثم ماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة أنّ شعب المقاومة جعلها تخرج مدحورةً ذليلةً تجرّ أذيال الخيبة… كما أسقط هذا الشعب اتفاق السابع عشر من أيار.. اتفاق الذلّ والعار .

ألم يجتمعوا سابقاً في شرم الشيخ وتحت عنوان مكافحة الإرهاب ليضعوا الخطط من أجل القضاء على المقاومة؟ وكانت النتيجة أنّ المقاومة حققتْ انتصارات باهرة وفشل مشروعهم.

ألم يأتِ المحتلّ الأميركيّ إلى العراق؟ وكيف خرج؟ لقد خرج على وقع ضربات المقاومة الشعبية؟

ليس ما تقرّره الولايات المتحدة الأميركية قدراً لا بدّ من تحقّقه، بل إنّ الشعب إذا أراد الحياة فلا بدّ أن يستجيب القدر.

وكما قال أنطون سعاده: «إنّ فيكم قوةً لو فعلتْ لغيّرتْ وجه التاريخ».

أمام هذا الواقع أقول إنّ التوقّعات هي التالي:

1 ـ سينال الأميركيّ حصّته المالية كاملةً مع إكراميات كبيرة وسيبيع أسلحته لهذه الدول المتهالكة، لكنها لن تستطيع أن تكسر إرادة شعب المقاومة التي ستنتصر في نهاية المطاف.

2 ـ إنّ تناقض المصالح بين الدول التي ستجتمع في السعودية سيكون عاملاً لإفشال المشروع، فلا تركيا ستقبل بأن تكون السعودية قائدةً للعالم الإسلامي في الوقت الذي يمنّي أردوغان النفس بأن يكون الخليفة والسلطان، ولا مصر على ضعفها سترضى بأن تكون السعودية قائدة العالم العربيّ، وإذا كانت الدولة قد أعطتْ للسعودية جزيرتيْ «تيران وصنافير» فإنّ الشعب المصريّ أسقط هذه الخطوة لأنّ الكرامة لديه أهمّ من رغيف الخبز.

3 ـ لن ترضى روسيا بعد الإنجازات التي حقّقتْها وبعد استعادتها دورها ومجدها أن تخلي الساحة للولايات المتحدة الأميركية. وبالتالي فإنها ستدافع عن محور المقاومة لا إيماناً منها بكلّ مبادئه، والتي على رأسها تحرير فلسطين، بل انسجاماً مع مصالحها التي لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال قوة هذا المحور وفاعليته.

4 ـ لا يمكن إغفال المقاومة وإرادتها وشعبها… المقاومة التي ستدافع عن أمّتها مهما غلت التضحيات وستقاوم هذا المشروع وتُسْقطه بفضل دماء الشهداء، كما أسقطتْ المشاريع السابقة للاستكبار العالمي.

5 ـ يجب أن تكون الاستراتيجية المستقبلية الضرب في عمق هذا المحور المجتمع في السعودية وذلك بالضرب داخل فلسطين المحتلة وتصعيد المقاومة، لأنها وحدها هي الردّ وهناك تكتسب فاعلية ًكبرى، لأنّ هذا الاجتماع يهدف لحماية الكيان الصهيونيّ الذي لو سقط لسقطتْ الأنظمة العميلة كلّها وعليه فإنّ ضرب رأس الأفعى كفيل في القضاء على جسدها كاملاً.

كلمة أخيرة

لا يمكن لنا في مواجهة مشروع كهذا أن نتكلّم عن حجم التضحيات، فكلما كان الهدف كبيراً كانت التضحيات ـ مهما كبرت ـ قليلةً أمام العزة والكرامة التي سنحصل عليها بعد إجهاض هذا المشروع لا بل القضاء عليه.

فالذي يريد العزة والنصر لا يفكّر بعدد شهداء وجرحى أو دماء، فكلّ ذلك قابل للتعويض، أما إذا ذهبت العزة والكرامة فلا يعوّضها شيء.

رئيس الهيئة الإدارية في تجمّع العلماء المسلمين

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى