وسيم الرحبي لـ«البناء»: الدراما مشروع وقضيّة… وعند مشهد الدم تغيب الدهشة

حاورته: عبير حمدان

يتميّز الممثل السوري وسيم الرحبي بالحزم الجميل الذي يقيه شرّ اللعبة السياسية المفروضة على شعب جذورُه راسخة في هذه الأرض رغم التقسيم. لكنه لا يجامل على حساب قناعاته الفنّية على الأقل.

الرحبي لا يستسيغ اللقاءات الصحافية، ربما لأنه يرى أنّ أدواره كفيلة بإيصال أفكاره بشكل مباشر إلى الناس، ولكنه يملك المقدرة على تطويع الحوار تبعاً لرؤيته النابعة من خلفية ثقافية واضحة، بعيداً على الدبلوماسية وترتيب الكلمات.

هو الذي نشأ في كنف أسرة عشقت الفنّ والأدب، وربما لم يعتمد اللون والريشة هوية فنّية كوالده الرسام المعروف أنور الرحبي، إلّا أنه تمكّن من تشكيل لوحته الخاصّة منذ قرّر خوض غمار عالم التمثيل، بدءاً بخشبة المسرح، ووصولاً إلى خطوته الدرامية الأولى في مسلسل «التغريبة الفلسطينية» الذي يُعدّ من أكثر الأعمال التي حفرت عميقاً في الوجدان الإنساني. لتكرّ السبّحة وبإطار متنوّع، إذ إنّه لم يضع نفسه في قالب محدّد.

الرحبي تتلمذ على يد الأستاذ مانويل جيجي، والفنان الراحل نضال سيجري، وهو خرّيج المعهد العالي للفنون المسرحية. يشارك في مسلسل «بلاد العزّ» الذي أنتجه «مركز بيروت»، وتعرضه «قناة المنار» في الموسم الرمضاني قريباً. التقته «البناء» في بيروت قبيل عودته إلى بلاد الياسمين، التي لم يشأ الابتعاد عنها كثيراً. وكانت الدراما المحور الوحيد.

الدراما مشروع

نبدأ بسؤال تقليديّ حول البداية والهوية الفنية للرحبي، الفنان الشاب الذي لا يبحث عن الضجيج الإعلامي، فيقول: أنا ابن عائلة فنّية تتذوّق الشعر وتتعاطى مع اللون والريشة. وفي ظلّ هذا الجوّ تصبح الثقافة قوتاً يومياً، والفنّ حالة مقترنة بالموهبة التي تصقلها الدراسة. خضعت لدورات عدّة على أيدي أساتذة محترفين، ولاحقاً درست في المعهد العالي للفنون المسرحية وشاركت في عددٍ من الأعمال المسرحية، ثم بدأت مسيرتي الدرامية.

وعن نظرته إلى الدراما العربية بشكل عام، وسرّ تفوّق الدراما السورية بعد أن كانت قرينتها المصرية في الصدارة في مرحلة ما، يقول: الدراما المصرية حقّقت نجاحاً كبيراً، ذلك لأنها أضحت صناعة لدى المصريين. إذ إنهم يملكون التقنية المطلوبة، ولديهم كمّ هائل من الممثلين والنجوم. وهذه الدراما تمكّنت من الانتشار رغم أنها بقيت ضمن دائرة البطل الواحد، ورغم أنّ القصص تتكرّر. لكنها رائدة ولا يمكن لأيّ أحد إنكار ذلك.

أما في ما يتّصل بالدراما السورية، فهي ابنة الواقع وفيها تنوّع هائل. هناك الخطّ الدرامي الاجتماعي، وهناك الطرح الكوميديّ الخفيف، ويقابله الكوميديّ النقديّ والهادف. ولديك أعمال تاريخية ومسلسلات البيئة الشامية، بمعنى أنها تُحاكي كل الأذواق، ولعلها تفوّقت في عدم وقوعها في فخّ النجم الواحد، إذ إنّ المشاركين في العمل نجوم، والبطولة تكون مشتركة، هذا من جهة. أما من جهة ثانية، ففي سورية مخرجون كانت الدراما مشروعهم وقضيتهم وأوصلت رؤيتهم إلى حيث ترينهم اليوم، أمثال هيثم حقي ونجدت أنزور وحاتم علي واللائحة تطول. هؤلاء وغيرهم ساهموا في رفع شأن الدراما السورية ورسّخوا حضورها بقوّة على الساحة الفنية، فأضحت رقماً صعباً. سواء لناحية القصص التي تناولتها أو لناحية أداء الممثّلين.

ويضيف في الإطار نفسه: من المعيب أن يكون الممثل غير مثقّف، وممنوع نموّ الطفيليات في هذا القطاع. على الأقل في سورية. وربما في مكان ما تملّك منا الغرور، ولكنّنا معذورون، ذلك أننا لا نواجه الكاميرا من دون دراسة واحتراف حقيقيّ، وليس كل من يطيب له التمثيل يمكنه أن يصبح ممثلاً. الممثّل ـ أو الممثلة ـ ليس لوحة للعرض والاستعراض.

ونسأل الرحبي عن فتح أبواب الانتشار للإنتاجات التركية بأصوات نجوم سوريين، فيقول: في كلّ مجال هناك شيء من التجارة، وهذه الإنتاجات مربحة للطرفين، لدينا كمّ هائل من الممثلين وقد لا تستوعبهم إنتاجاتنا المحلية، فهل نطلب من الممثّل أن يبقى في منزله بلا عمل كي لا يُشارك في دبلجة المسلسلات التركية؟ في النهاية هناك متطلّبات حياتية تستدعي من الكثيرين القبول بأيّ عرض ضمن الإطار الفنّي بعيداً عن التأويلات المرتبطة بانتشار أحد على حساب آخر.

بروبغندا الدراما اللبنانية!

أما كيف ينظر الرحبي إلى الدراما اللبنانية ومدى انتشارها، فيقول: هناك ممثّلون لبنانيون يملكون الموهبة. ولكن الأزمة التي تعاني منها الدراما اللبنانية سببها عدم استحضار هؤلاء الموهوبين، ما حال دون تحوّلها إلى صناعة قادرة على المنافسة والانتشار. إلى جانب آلية تفكير الشعب اللبناني الذي يتعامل مع التمثيل كتعامله مع الغناء والموسيقى والرقص. إذ إنّ الشكل الخارجي والبروباغندا يعنيانه كثيراً، ولكل شعب ثقافته. هي دراما تغوص في الاستعراض والمشاكل التي تطرحها لا تمسّ مشاكل الشعبين السوري أو المصري، لذلك لن تحقّق الحضور، وأيضاً هناك جزء منها لا يمسّ مشاكل الشعب اللبناني نفسه، ثمّ هناك غياب للاحتراف. نجح اللبنانيون في البرامج الفنية وتفوّقوا في الموسيقى والغناء ولكنهم لم ينجحوا في الدراما. وكيف يمكن ضبط إيقاع شعب لكلّ فئة منه قناتها التلفزيونية، وكلّ جانب يرى المجتمع من منظوره ويقرأ التاريخ وفق تصوّره. بينما في سورية الشعب كلّه يتّفق على قصة درامية من صميم واقعه وتشبهه وكذلك المصري.

ويضيف في إطار متّصل: اليوم لديّ مشاركة في مسلسل يتناول حقبة من تاريخ لبنان من وجهة نظر الجهة المنتجة له، وفي المقابل هناك جهات إنتاج لبنانية لا تتّفق مع وجهة النظر هذه. المشكلة في حجم التكاذب والتسييس اللذين يلغيان إمكانية تطوّر الدراما كي تصبح صناعة فعلية.

الساحة تتّسع للجميع

ونعود إلى الدراما السورية وتصاعد الجرأة لناحية تسليط الضوء على العلاقات المحرّمة والخيانة فيها، وهو أمر لم نألفه في مراحل سابقة، ليقول: ثمّة خيانة في كلّ المجتمعات، والساحة تتّسع لكلّ الطروحات الممكنة. الدراما تضيء بشكل قويّ على جانب معيّن ليراها المتلقّي. ولكن هذا لا يعني أنه واقع معمّم. المشكلة ليست في الإشارة إلى موضوع الخيانة والعلاقات المحرّمة، إنما هي في أسلوب المعالجة. شخصياً لم أقبل المشاركة في هذه الخُماسيّات التي أتت تحت عنوان «صرخة روح»، لأنّني لم أقتنع بالأسلوب ولم أجد أنه يتلاءم وتربيتي. لعلّه نمط تسويق وتجارة مربحة لمن تبنّى هذا النوع من الأعمال، والفنّ يحتمل الكثير.

ننتقل إلى «باب الحارة» الذي بات مادة مستهلكة، ونسأل الرحبي عن سبب مشاركته في عمل موسوم بالانتقاد الذي بلغ حدّ السخرية، فيقول: في خصوص «باب الحارة»، ولنتكلم بدقّة، لقد بات ماركة مسجّلة. وأنا أتكلّم عن جزء كبير من المجتمع الذي تعلّق بهذا العمل بشكل غريب. لعل ميزته أنه العمل الوحيد الذي يُصوّر في سورية اليوم ويتم تسويقه عربياً وعالمياً. هو مشروع تبنّته الجهة المنتجة وتستفيد منه.

لكن هل هو مشروع بريء؟ وهل يشبه البيئة الشامية حقاً؟ يجيب: قد لا يكون بريئاً، ولكنه ليس الصورة الحقيقية للبيئة الشامية. أنا والدتي دمشقية وأجزم أنّ «باب الحارة» لا يقارب البيئة الشامية بأيّ تفصيل على الإطلاق. ولكنّ البيئة الشامية في المقابل ليست «الحصرم الشامي». في النهاية أنا لست في موقع تقويم، وخصوصاً في مواجهة عمل بهذه الضخامة الإنتاجية على الأقل، وبهذا الانتشار، ولنكن واقعيين، هناك جمهور عريض يحبّ هذا النوع من الأعمال.

الدراما السورية ومقاربة الأزمة

ونسأل الرحبي عن الأعمال التي تناولت الأزمة الحالية في سورية ومدى مقاربتها الواقع، فيجيب: في سورية لا أحد يعرف ما الذي عشناه سوى السوري. ولن أتكلّم مثل العرب أو بعض السوريين الذين لعبوا على هذا الموضوع. دعينا نقف عند مشهد الدم، وهنا تغيب مشاهد الدهشة. حين نقول سورية فذلك يتساوى مع الدم، ومهما قدّمنا من أعمال لن نتمكّن من محاكاة المشهد الدامي الآن على الأقل. ولكنّني أقول لكلّ مَن حاول، إنه مشكور. وكلّ مادة درامية خرجت إلى الناس حول الواقع السوري الآنيّ تستحقّ الوقوف عندها. إنما نحن نحتاج إلى الوقت كي ننقل المشهد بواقعيته المؤلمة. ربما تلزمنا سنوات، ربما بعد عشرين سنة أو أكثر.

ولكن، هل وقع السوريون في فخّ التسميات المذهبية، يجيب: إطلاقاً، ويمكنني أن أجزم لأنّ الشعب السوري لا تاريخ لديه في هذا المجال، على عكس الواقع اللبناني.

ونختم مع «بلاد العزّ» وسبب حماسته إزاء هذا المشروع، وإمكانية انتشاره عربياً، ليقول: أنا كوسيم الممثل السوري، جزء من هذا المشروع وأتبنّاه بقوة. وسترين تقنية إخراجية رائعة من توقيع المبدع عاطف كيوان، أما لناحية الانتشار فالأمر متعلّق بأسلوب التسويق ومدى قدرة الجهة المنتجة على الترويج. أما لناحية الجمهور فأؤكد أننا في سورية نتابع هذا النوع من الأعمال. وفي ما يتّصل بالجمهور اللبناني فقد تحدّثنا عن الانقسام في سياق حوارنا، ولا أستغرب إن لم يتابعه جزء منهم. ففي حرب تمّوز كان هناك أناس يواجهون العدوان وآخرون يقصدون العواصم الأوروبية بهدف السياحة.

نودّع وسيم الرحبي على أمل أن يكون لقاؤنا المقبل في بلاد الياسمين فيقول: لا تأخذيني إلى مكامن الوجع ولو افتراضياً… سورية جرح وما حصل فيها يُبكينا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى