«سياسة أميركا في مكافحة الإرهاب»… الاستثمار في بورصة الدم والنفط

نبيل المقدّم

في كتاب «إميل لحود يتذكّر» لأحمد زين الدين، يصف رئيسُ الجمهورية السابق العميدَ عماد القعقور بصاحب التاريخ الناصع والإنجازات العسكرية المميزة في الجيش اللبناني. اليوم، يضيف العميد المتقاعد عماد القعقور إنجازاً جديداً إلى سلسلة إنجازاته. «سياسة أميركا في مكافحة الإرهاب»، كتاب جديد للعميد قعقور صادر عن دار «الفارابي».

يقول الكاتب في مقدّمة كتابه: هذا الكتاب موجّه إلى شعوبنا المعذّبة التي عانت من قتل ومآسٍ عبر التاريخ واحتلال ثرواتها من قبل الاستعمار. والأخطر والأدهى استثمار مكافحة الإرهاب لأغراض توسّعية واستراتيجية بالاستلاء على الموارد، لا سيما النفط، والحفاظ على أمن «إسرائيل».

أهمية الكتاب في أنه يفتح أمامك باب المعرفة الوسيعة حول آلية اشتغال السلطة في الولايات المتحدة الأميركية، ما يمكّنك من أن تفهم بعمق، حاضر الأحوال في العالم أجمع ومستقبلها، وخصوصاً في العالم العربي، الذي تطمع الولايات المتحدة بثرواته الطبيعية وتعمل على نهبها بشتّى الطرق. الولايات المتحدة لتبرير تدخلها في شؤون الشعوب الداخلية بحاجة دائماً إلى عدوّ خارجي تبني عليه من أجل استمرار تماسكها الداخلي.

بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي، وجدت الولايات المتحدة في ذريعة مكافحة الإرهاب حجّة لاستمرار سرقتها الموارد الطبيعية من نفط وغاز في بلدان عدّة. فكان أن غزت أفغانستان بحجّة القبض على أسامة بن لادن بعد أن اتهمته بالوقوف وراء أحداث الحادي عشر من أيلول، وبعد أفغانستان جاء دور العراق بحجّة امتلاكه أسلحة دمار شامل.

يسهب الكاتب في شرح العوامل المؤثرة في السياسة الخارجية الأميركية فيقول: لقد تطوّر مفهوم السياسة الخارجية الأميركية مع تطوّر مفهوم الدولة. وكذلك مع بروز عوامل مؤثرة كالاقتصاد والتكنولوجيا وغيرها من العوامل التي فرضت نفسها معطيات جديدة في السياسة الخارجية وفي عملية اتخاذ القرار.

من المفيد القول هنا إن الكاتب أجاد في التركيز على التحوّل الأميركي عبر السياسة الرأسمالية المتفوّقة في دولة الإمبريالية إلى الإمبريالية المعولمة. وخصوصاً بعد أفول نجم الإمبريالية القديمة الإنغلو ـ فرنسية تحت ضغظ الأزمات الاقتصادية التي شهدتها فرنسا وبريطانيا خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية.

هذا التحوّل لم يؤثر فقط على علاقة الولايات المتحدة مع سائر دول العالم، بل أثّر أيضاً في علاقة المواطن الأميركي مع نفسه، فاختلفت عليه الحدود بين الداخل والخارج، ولم يعد يستطيع التمييز بين مصالح الشركات العملاقة والتي تلعب دوراً مؤثراً في توجيه السياسة الخارجية الأميركية، ومصالح علاقته مع الخارج. كما يتطرّق الكاتب إلى دور اللوبي الصهيوني في السياسة الخارجية الأميركية.

تكمن خطورة اللوبي الصهيوني في أنه يعتبر العالم كله مسخّر لخدمة أهدافه. وهو على هذا الأساس يتعامل مع الولايات المتحدة. وهو بفضل تغلغله في دائرة القرار في البيت الأبيض وفي الاقتصاد وفي الإعلام وفي الاستخبارت، استطاع أن يستقطب شريحة واسعة من الشعب الأميركي باتت تعتبر أنّ الدفاع عن أمن «إسرائيل» واجب أخلاقيّ قبل أيّ أمر آخر.

في جانب آخر من الكتاب يدخل الكاتب إلى سياسة الولايات المتحددة في التعامل مع الإرهاب فيقول: إن الأخطر والأدهى في سياسة الولايات المتحدة، أنها استخدمت ذريعة مكافحة الإرهاب لأغراض توسعية واستراتيجية بالاستيلاء على الموارد، لا سيما النفط والحفاظ على أمن «إسرائيل». في هذه النقطة بالذات يطلعنا الكاتب وبدقّة متناهية على كيفية تشابك المصالح بين الشركات والمنظّمات الصهيونية ومكر المسيحيين الجدد. ويكشف حقائق هامة عن التواطؤ بين «سي آي إيه» ومنظّمة «آيباك» الصهيونية الفاعلة في الولايات المتحدة.

يعرض عماد القعقور لحادثة الحادي عشر من أيلول في الولايات المتحدة والتي كانت محطة أساسية لعولمة السياسة الأميركية. وهي، إضافة إلى ذلك، أيقظت الحسّ العنصري عند الأميركيين تجاه العرب والمسلمين. استغلّت الولايات المتحدة هذه الحادثة للقيام باندفاعة جديدة نحو دول غنية بالموارد الطبيعية فاحتلت أفغانستان، ثمّ العراق بحجّة القبض على أسامة بن لادن في البلد الاول، والبحث عن أسلحة دمار شامل في البلد الثاني.

لم تقتصر مفاعيل هذا الغزو على هذين البلدين، بل تعدّت إلى بلدان أخرى كسورية ولبنان.

بعد غزوها العراق تحوّل لبنان إلى حاجة أميركية حيوية. ذلك أن الوجود الأميركي المباشر في المنطقة يعني أن تتولى واشنطن بنفسها وبجيشها حماية المصالح الأميركية، وإلغاء كل التنازلات للأطراف الاقليمية الهادفة إلى تأمين هذه المصالح. وبعد أن رفض كل من الرئيسين بشار الأسد وإميل لحود إملاءات وزير الخارجية الأميركي كولن باول عام 2003، والتي كان أبرزها إلزام سورية بعدم الاعتراض على الخطة الأميركية في العراق بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وانسحابها من لبنان ووقف دعمها نشاط حزب الله وحركة «حماس». تحولت سورية بالنسبة إلى الأميركيين، إلى هدف يجب تدميره. فكان القرار 1559، ثمّ اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

يجد الكاتب ربطاً بين اغتيال الحريري وأحداث الحادي عشر من أيلول من، حيث استثمار حالة الهلع والخوف التي أصابت الجمهور، لأغراض سياسية. ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول الجهة التي تقف وراء الحادثين.فيقول: من المعروف أن أحداث الحادي عشر من ايلول استثمرت إعلامياً وألقت التهمة على اسلاميين شرق أوسطيين، واعتبرها الجمهور منطلقاً لحروب صليبية أميركية بروتسناتية. لعل هذا المثال يساعدنا في فهم امكانية التحكم بحالة الرعب لدى الجمهور والتلاعب بحالة الصدمة التي يعيشها بعد حادث كارثي. وفي حادثة اغتيال الرئيس الحريري نجح المخطّطون في توجيه الأنظار نحو سورية على أنها صاحبة الدور الأساس في عملية الاغتيال، ثمّ تحريض جهات لبنانية ضدّ سورية وحزب الله، وذلك بهدف عزل سورية وإخراجها من لبنان بذريعة القرار 1559. وأنشئت المحكمة الدولية، وأوقف أربعة من كبار الضباط، ثمّ اتّهم حزب الله وما زالت المحاكمات جارية ومن دون التطرق إلى الاغتيالات التي جرت بعد اغتيال الرئيس الحريري من سمير قصير إلى محمد شطح. وكانت هذه الاغتيالات تستهدف دائماً فريقاً معيّناً من اللبنانيين، ثمّ يتّهم فريق آخر وذلك من أجل إبقاء الجوّ مشحوناً طائفياً وسياسياً.

ويتطرّق الكاتب أيضا إلى ما يسمّى «الربيع العربي» وهو محطّة متقدّمة من المخطّط الأميركي لتقسيم دول المنطقة إلى كانتونات متناحرة تتصارع في ما بينها تحت عناوين مذهبية وطائفية بغية الاستيلاء على ثرواتها وضمان أمن «إسرائيل».

لقد استثمرت الولايات المتحدة أسامة بن لادن في حربها ضدّ الاتحاد السوفياتي في أفغانستان واستثمرت، أبا بكر البغدادي ومحمد الجولاني في حربها ضدّ سورية والعراق.

في المحصلة نستطيع القول واثقين إنّ كتاب «سياسية أميركا في مكافحة الإرهاب» مرجع لكلّ باحث عن جوهر المشروع الأميركي في المنطقة والعالم والذي يقوم على مبدأين أساسيين: خلق عدو دائم، وإيجاد حالة ترف داخلي للشعب الأميركي، وذلك عبر تقوية الدولار، وهذا لا يتمّ إلا بنهب ثروات الشعوب.

كاتب وإعلاميّ

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى