الرياض تخوض حرباً إعلامية مبرمجة لقطع الجسور مع الدوحة تمهيداً لمواجهة نصرالله يُطلّ في عيد التحرير بين قمة الرياض وأحداث البحرين وقانون الانتخاب

كتب المحرّر السياسي

استحوذ الكلام المنسوب لأمير قطر منتصف ليل أول أمس، على اهتمام الوسطين السياسي والإعلامي على مستوى المنطقة، رغم الإعلان القطري الرسمي عن تعرّض مواقع قطرية للقرصنة ونفي صدور هذا الكلام عن الأمير، إلا أنّ الذي أبقى الحدث في الواجهة هو ما بدا من إصرار سعودي على التصعيد واستحضار تسجيلات سرية سابقة للأمير الأب يتهجّم فيها على السعودية وإعادة بثها، وإعداد تقارير وثائقية عن علاقة قطر بالقاعدة والإخوان المسلمين، لإثبات أنّ الكلام المسنوب للأمير هو نسخة عن المواقف الفعلية لحكومة قطر. ورغم صحة الاتهامات السعودية بدت الحملة غير مفهومة في ظلّ تراجع قطري عن الكلام المنسوب للأمير إذا كان صادراً عنه، أو التوضيح بكونه مدسوساً، بحيث بدا أنّ السعودية أمام قرار مواجهة مفتوحة مقرّرة مع قطر وجدت بالحديث مناسبة وفرصة، أو إذا صحّت رواية القرصنة فستكون للسعودية يد فيها، خصوصاً أنّ تزامن الأزمة السعودية القطرية مع زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أوحى بصلة معينة لمواجهة بما دار في الزيارة الأميركية من تفاهمات سعودية أميركية قد يكون بينها الضوء الأخضر لوضع السعودية يدها على الحكم في قطر، وانتظار الموافقة «الإسرائيلية»، التي يبدو أنّ ترامب حصل عليها في زيارته لتل أبيب فانطلقت الحملة، بعدما استنفد الأميركيون و»الإسرائيليون» ما تستطيع قطر تقديمه، ونضجت السعودية لتخديم مسيرة التعاون مع «إسرائيل» بصورة أشدّ قوة وأكثر فائدة، بينما يشكل التموضع القطري وراء تركيا سبباً لعدم الحماس الأميركي لحمايتها، وتشكّل علاقتها بإيران سبباً لعدم الثقة بمساهمتها بالتصعيد الذي يريده التحالف الأميركي السعودي «الإسرائيلي» ضدّ طهران.

لبنانياً، تخطت الحكومة مطبات بيان قمة الرياض وتمّ الاكتفاء بتثبيت الالتزام بسقوف البيان الوزاري وخطاب القَسَم، بينما بقي الفراغ سيد الموقف في جديد البحث عن قانون جديد للانتخابات النيابية.

على خلفية هذه التطوّرات وفي مقدّمتها عيد المقاومة والتحرير يطلّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عصر اليوم متحدثاً عن المقاومة وحساباتها واستراتيجياتها وعن الحرب في سورية بوجه المشروع الأميركي مانحاً حيّزاً في كلمته للأحداث الدموية في البحرين ولقمم الرياض، وما تمثل في مستقبل الخريطة السياسية للتحالفات التي أسّس لها ترامب بين دول الخليج و»إسرائيل»، من دون أن يُغفل ما ينتظر اللبنانيون منه تجاه قانون الانتخابات النيابية.

خطاب شامل لنصرالله في ذكرى التحرير

في وقتٍ تغرق الأمة في أزماتها السياسية والعسكرية والاقتصادية وفي زمن القمم الهادفة الى استنزاف وسرقة الموارد المالية والاقتصادية لشعوب المنطقة، بتواطؤ حكام وملوك ورؤساء يمعنون في ارتكاب المجازر بحق مواطنيهم ممن يعارض سياساتهم ويقدّمون مئات مليارات الدولارات للولايات المتحدة لقاء بقاء أنظمتهم على قيد الحياة، وتزامناً مع التطبيع ورسائل الغزل والودّ الذي شهده مؤتمر الرياض بين دول الخليج والكيان الصهيوني الذي يستغلّ وجود الادارة الاميركية الجديدة للتمادي في اعتداءاته ضد الشعب الفلسطيني وتصفية القضية الفلسطينية، وعلى وقع انتصارات الجيش السوري وحلفائه على جبهات القتال ضد التنظيمات الارهابية في سورية واسقاط مشاريع التقسيم، يستذكر لبنان الشعب والجيش والمقاومة عيد المقاومة والتحرير عام 2000 الذي شكّل باعتراف كبار قادة الاحتلال، نقطة تحول استراتيجي في تاريخ الصراع العربي «الاسرائيلي» ومثّل مع هزيمته في عدوان تموز 2006 علامة سوداء في سجل حروب «اسرائيل» ضد العرب وهيبة وثقة جيشها.

عن هذا الواقع، يتحدث الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عصر اليوم في احتفال يقيمه الحزب في مدينة الهرمل في البقاع، ويبدأ السيد نصرالله خطابه العالي النبرة والمليء بالرسائل والشامل لمجمل المشهد الدولي والإقليمي والمحلي، بالاشارة الى دلالة عيد التحرير والحصانة التي أعطاها للبنان ومنظومة الأمان والطمأنينة التي وفرها لكل اللبنانيين وكيف أن شعوباً عربية عدة استفادت من تجربة المقاومة في تحرير الجنوب للتمسك بخيار المقاومة لتحرير أرضها والدفاع عن شعوبها ومقدراتها. ثم يتحدث السيد نصرالله عن قمة الرياض التي أظهرت وجه الصراع الدائر في المنطقة بين محورين، الأول تتزعمه الولايات المتحدة ومعها دول الخليج و«اسرائيل»، والثاني محور المقاومة الممتد من إيران الى سورية وحزب الله وحركات المقاومة الفلسطينية، هذا الحلف الذي لن يستسلم وسيستمر في مقاومة المشاريع الأميركية والصهيونية وإسقاط المشاريع الإرهابية. وسيلفت الى إشارات الرئيس الاميركي دونالد ترامب البالغة الدلالة عن «اسرائيل» ودول الخليج.

كما يعرّج السيد نصرالله على التطورات في البحرين والمرشحة الى مزيدٍ من التأزم والتصعيد وعن الظروف الانسانية الصعبة في اليمن وفلسطين المحتلة وسيتطرّق في الوقت المتبقي الى الشأن اللبناني، لا سيما الوضع على الحدود الشرقية مع سورية بعد انسحاب مجاهدي المقاومة منها إضافة الى ملف قانون الانتخاب.

وأكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عشية احتفال لبنان بذكرى التحرير، أن «الفرحة لن تكتمل إلا بتحرير الاراضي اللبنانية التي لا تزال تحتلها اسرائيل». ومن جهته، هنأ رئيس الحكومة سعد الحريري اللبنانيين بعيد التحرير الذي وصفه بـ»الإنجاز الكبير الذي حققه اللبنانيون في تحرير أرضهم من الاحتلال «الاسرائيلي» بفضل وحدتهم الوطنية وموقفهم الموحد حيال العدو الاسرائيلي».

ووجّه قائد الجيش العماد جوزاف عون أمر اليوم إلى العسكريين في المناسبة، داعياً العسكريين إلى «البقاء على أتم الاستعداد لمواجهة ما يبيته العدو «الإسرائيلي» من مخططات تستهدف أرضنا وشعبنا وثرواتنا الطبيعية، مع الحرص الدائم على التزام القرار 1701 ومندرجاته، بالتعاون الوثيق مع القوات الدولية، كما دعاهم مع توسّع انتشارهم على الحدود الشرقية إلى مزيد من اليقظة والجهوزية لمواصلة الحرب على الإرهاب، والعمل على استئصال هذا الخطر نهائياً من جسم الوطن، ونحن على ذلك لمصمّمون وقادرون».

تجاوزت بيان الرياض وجدّدت لسلامة

مواقف الرئيسين عون والحريري، جاءت خلال جلسة لمجلس الوزراء في قصر بعبدا أمس، حيث تمكن المجلس من تجاوز قطوع الخلاف حول قمة الرياض وموقف الوفد اللبناني من البند المتعلق بحزب الله، حيث قدم وزراء الحزب خلال الجلسة اعتراضهم على موقف لبنان من هذا البند وطلبوا توضيحاً من رئيس الحكومة الذي أشار الى «التزام لبنان ميثاق جامعة الدول العربية وانتماء لبنان العربي، وحرصه الدائم على ترميم العلاقات مع كل الدول العربية وباقي الدول»، وأكد أن «إعلان الرياض، ليس ملزماً وما يهمنا هو وحدتنا الوطنية والمواقف المحددة في خطاب القَسَم، والبيان الوزاري».

وأضاف: «في المنطقة متغيرات عدة، وعلينا أن نحيّد لبنان، بحيث لا يكون جزءاً من أي صراع أو خلاف، إن سياستنا النأي بالنفس لتجنيب لبنان أي دخول مع طرف ضد آخر وهذا هو الأساس».

وقالت مصادر وزارية لـ«البناء» إن «مجلس الوزراء يقيم موقف الوفد اللبناني في قمة الرياض تحت سقف البيان الوزاري الذي يشير الى عدم الدخول في المحاور الإقليمية وتجنيبه تداعيات الحروب والأزمات الخارجية»، وأكدت أن «بيان الرياض لم يؤثر على الاستقرار والتماسك الحكومي».

وأشار الرئيس عون الى أن «بيان القمة العربية -الإسلامية – الأميركية التي عقدت في الرياض، صدر بعد مغادرة الرؤساء والوزراء»، مؤكداً في هذا المجال «التزام لبنان بما ورد في خطاب القسم والبيان الوزاري».

ولم تشهد الجلسة الوزارية أي سجالات حول بيان الرياض، بحسب ما علمت «البناء»، حيث «استمع وزراء حزب الله و8 آذار الى توضيح رئيس الحكومة ولم يعترضوا عليه وانتهى النقاش في هذه النقطة بالتفاهم على الالتزام بالبيان الوزاري والحفاظ على الاستقرار الحكومي في ظل الظروف الصعبة التي يعاني منها لبنان».

وأقر مجلس الوزراء جميع بنود جدول الاعمال، بينما أقر من خارج الجدول، تعيين حاكم مصرف لبنان الحالي رياض سلامة حاكماً لولاية كاملة، وسبق الجلسة اجتماع بين رئيسي الجمهورية والحكومة تم خلاله البحث في المستجدات وجدول أعمال الجلسة.

وعلمت «البناء» أن قرار التجديد لسلامة تمّ بالإجماع ولم يلق اعتراضاً من أي طرف، بل أشار رئيسا الجمهورية والحكومة وجميع الوزراء الى ضرورة التجديد لسلامة لما يشكله من ضمانة للاستقرار النقدي والمالي والاقتصادي في البلد، فضلاً عن قدرته على مواجهة التحديات والمخاطر المالية التي يتعرض لها لبنان لا سيما قرار العقوبات الاميركي على حزب الله الذي من المفترض أن يصدر في وقتٍ قريب.

عقد استثنائي مقابل تأجيل جلسة 29 أيار

وحضر قانون الانتخاب في نقاشات مجلس الوزراء، وأشار الرئيس عون الى أنه «لا تزال لدينا مهلة حتى 20 حزيران المقبل للوصول الى اتفاق على قانون انتخابي جديد، ولن نترك أي فترة تمر يكون فيها فراغ في مجلس النواب وسنعمل على الوصول الى صيغة للقانون»، بينما أشار الحريري الى العمل بشتى الوسائل للتوصل الى قانون جديد.

وقال مصدر وزاري في المستقبل لـ«البناء» «إن المستقبل لم يحدد موقفه من إجراء الانتخابات على الستين بعد بانتظار نتيجة المشاورات في المهلة المتبقية»، لكنه أوضح أن المستقبل سيؤيد اي خيار يجنب البلاد الفراغ النيابي»، وأشار الى «موقف الرئيس عون حيال الذهاب الى الستين في حال تعذّر التوافق وحرصه على عدم الوقوع في الفراغ».

وفي ظل غياب أي مؤشرات ومعطيات جديدة توحي بقرب التوصل الى قانون جديد، علمت «البناء» أن «التوجه الى تأجيل جلسة 29 أيار مقابل فتح دورة استثنائية للمجلس النيابي لإقرار القانون في حال تم التوافق عليه»، بينما لفتت مصادر مطلعة لـ«البناء» إلى أن «كلام الرئيس عون حول العودة الى الستين في حال تعذر الاتفاق على قانون جديد لا يعني حسم الأمر بالذهاب الى انتخابات على الستين بل لا زلنا ضمن لعبة عض الأصابع وكل طرف يخفي أوراقاً اضافية في جعبته سيرميها في الوقت المناسب»، وأشارت الى أن «ما دام الوقت متاحاً فإن فرص حل الازمة موجودة».

ونقل النواب عن رئيس المجلس النيابي نبيه بري في لقاء الاربعاء النيابي قوله «إن موعد جلسة 29 قائم إلا إذا فُتحت دورة استثئنائية، وأن لا شيء جديداً في ملف قانون الانتخاب وإن كانت الاتصالات مستمرة»، داعياً الى «ترتيب البيت الداخلي في ظل التطورات الخطيرة في المنطقة».

كما نقل الزوار عن بري لـ«البناء» قوله إن «مشروعه الانتخابي بات خارج التداول من منتصف الشهر الحالي، ولذلك الرئيس بري ملتزم الصمت ولم يعد لديه أي شيء ليقدمه ولم تعرض عليه مبادرات أو طروحات جديدة منذ ذاك الوقت، وأوضحوا أنه في حال تم التوافق على قانون في حزيران المقبل سيصار الى تحديد التمديد التقني ضمن القانون يليه إجراء انتخابات نيابية، أما في حال لم يتم إقرار قانون جديد، فالعودة الى الستين بات الخيار الوحيد، وحينها يجري الاتفاق على تمديد تقني ثم إجراء الانتخابات خلال ثلاثة أشهر كما تقول المادة 25 من الدستور وإما يُحلّ المجلس النيابي ويبقى كذلك حتى إجراء الانتخابات في أيلول من دون تمديد»، واستبعدت طرح القانون على مجلس الوزراء على التصويت في حال تعذّر التوافق، مشيرين الى أن «قانون الانتخاب لا يتمّ بالفرض بل بالتوافق».

وأشار وزير الداخلية نهاد المشنوق الى «مساعٍ لفتح دورة استثنائية في محاولة للمساعدة في إقرار قانون انتخاب وإذا لم نوفّق فستكون هناك انتخابات في ايلول وفق الستين».

وفور عودته الى لبنان، بدأ الحريري أمس جولة جديدة من اللقاءات الانتخابية مع نائب رئيس حزب القوات النائب جورج عدوان، بحضور السيد نادر الحريري، وبعد الاجتماع أعلن عدوان رفض كلام الرئيس عون حول العودة الى قانون الستين، وقال: «فخامة الرئيس أراد بالأمس أن يحث الجميع على التوصل الى قانون انتخاب جديد، واليوم نحن كقوات لبنانية متفاهمون مع دولة الرئيس سعد الحريري ومع تيار المستقبل بشكل واضح لا يقبل أي لبس، على أننا لن نقبل بأي أمر من الأمور الثلاثة هذه، أي الفراغ او التمديد وبالتأكيد لن نقبل ان نذهب الى قانون الستين، وبالتالي مطلوب منا اليوم أن نبادر وسنبادر سوياً ليكون لدينا قانون انتخابي جديد قبل 19 حزيران».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى