تقرير مجموعة عمل مستقبل العراق: ما بعد «داعش»… أميركا باقية

أوصت مجموعة عمل مستقبل العراق برئاسة رايان كروكر الإدارة الأميركيّة بتبنّي استراتيجية في العراق تقوم على ضمان مصالح الأمن القومي الأميركي على المدى الطويل بعد هزيمة «داعش».

وفي التقرير، دعت المجموعة إلى الالتزام علناً بالانخراط في العراق في ظلّ التصوّرات العراقيّة بأنّ المشاركة الأميركيّة سطحيّة وعابرة تقوّض سياسة الولايات المتحدة في العراق.

وقالت المجموعة، إنّه بات للولايات المتحدة تأثير إيجابي كبير على العراقيّين بفضل المساهمات العسكريّة الأميركيّة في جهود مكافحة الإرهاب، مشيرةً إلى أنّه يمكن لواشنطن البناء على ذلك من أجل زيادة نفوذها وتحقيق جداول أعمال اقتصادية وإدارية.

التقرير رأى أنّه يمكن للولايات المتحدة التصدّي للتطرّف العنيف على نحو فعّال، على المدى الطويل عن طريق الضغط على حكومتَي بغداد وأربيل لتلبية احتياجات الشعب العراقي على نحو أفضل، وعلى المدى القصير عن طريق دعم انتخابات برلمانيّة حرّة ونزيهة.

ومن التوصيات التي تضمّنها التقرير المؤلف من 14 صفحة تتضمّن ملخّصاً تنفيذياً، دعم الاقتصاد العراقي من خلال المساعدات المالية المباشرة أو عبر الصناديق الدولية والدول المانحة من أجل الحدّ من التدخّل الإيراني. ورأى التقرير، أنّه ينبغي على واشنطن تقديم قدر معقول نسبيّاً من المساعدة الاقتصادية المباشرة بما من شأنه إعطاء رئيس الوزراء حيدر العبادي النفوذ ضدّ العناصر الأكثر راديكاليّة داخلياً، وإعطاء نفوذ للولايات المتحدة تقوم من خلاله بالضغط على الأوروبيّين ودول مجلس التعاون الخليجي وغيرهم من أجل الحصول على مزيد من المساعدة.

التقرير أوصى من جهة ثانية بالإبقاء على تدريب القوّات العراقية من خلال الحفاظ على عدد مناسب من القوات الأميركيّة بعد تحرير الموصل، والاضطلاع بمهمّة طويلة الأمد. ودعا الحكومة الأميركيّة إلى زيادة دعمها لتدخّل الأمم المتحدة في الوساطة بين بغداد وأربيل، معتبراً أنّ أيّ نزاع عسكري بين بغداد وحكومة إقليم كردستان من شأنه أن يقوّض بشكلٍ خطير الجهود الأميركية الرامية إلى إلحاق هزيمة دائمة بالتطرّف.

في مواجهة النفوذ الإيراني

التقرير قال إنّ التطوّرات في العراق تؤجّج التوتّرات، وتزيد من خطر نشوب نزاع بين السعودية وإيران لوقوعه بين هاتين القوتين الإقليميّتين، لافتاً إلى أنّ توسّع النفوذ الإيراني في العراق أدّى إلى تحويل ميزان القوى في المنطقة، متّهماً إيران برعاية «الأطراف العنيفة عبر الشرق الأوسط».

مجموعة العمل ربطت انعدام الأمن السعودي بصعود إيران، ممّا ساهم في الحملة العسكرية في اليمن، لافتةً إلى أنّ التنافس السعودي الإيراني قد يؤدّي إلى سباق تسلّح، وأضافت أنّ قوة وضع إيران في العراق مكّنتها من اكتساب نفوذ أكثر قوة عبر «الشرق الأوسط»، خصوصاً في سورية ولبنان واليمن.

واعتبرت أنّ «أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار تقوّض المصالح الأميركيّة، وتشكّل في بعض الحالات تهديداً مباشراً للأميركيّين في المنطقة».

وقال التقرير، إنّه يمكن للولايات المتحدة أن تضع نفسها كشريك أكثر جاذبية للعراق من إيران، من خلال التركيز على الفوائد التي يمكن أن تجلبها للشراكة والتي لا تستطيع إيران تقديمها، مشيراً إلى أنّ إعادة تفعيل الاتفاق الإطاري الاستراتيجي الأميركي العراقي الذي تمّ توقيعه في 2008 يمكن أن يكون وسيلة فعّالة للتعاون في كلّ المجالات.

وفي سياق الحديث عن النفوذ الإيراني، ذكر التقرير أنّه بإمكان الولايات المتحدة لعب دور الوسيط في إعادة هيكلة ديون العراق المستحقّة من فترة نظام صدام حسين للدول الخليجية، وخصوصاً السعودية، بما يعزّز العلاقات بين العراق ودول مجلس التعاون الخليجي، مضيفاً أنّه يمكن للولايات المتحدة من خلال موازنة الطموحات الإيرانية واستعادة العراق للاستقرار أن تؤثّر بشكل إيجابي على التطوّرات، عبر عدد من الدول ذات الأهمية الاستراتيجية في «الشرق الأوسط».

انخراط أميركي وخليجي أكبر

التقرير وصف الوجود الأميركي الراهن في العراق بالانخراط الإيجابي الذي بالإمكان البناء عليه في المستقبل، مشيراً إلى أنّ الغالبيّة العظمى من العراقيين الذين أشركتهم مجموعة العمل سواء كانوا شيعة أو سنّة أو كرداً أو أقليّات دينيّة، أعربت عن رغبتها في استمرار الوجود العسكري والدبلوماسي الأميركي في العراق.

التقرير أكّد على أهميّة الضغط على شركاء التحالف لمواصلة دعم العراق عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وإقناع دول الخليج بالانخراط بشكلٍ إيجابي في العراق، واصفاً زيارة وزير الخارجية السعودي إلى العراق بالعلامة المشجّعة. ورأى التقرير، أنّ من شأن ذلك أن يوفّر لدول مجلس التعاون الخليجي فهماً أكبر لما وصفها بـ«التغيّرات داخل النخبة الشيعيّة، وتقدير المقاومة التي يبديها بعضهم اتجاه الجهود الإيرانية للسيطرة على نظامهم السياسي».

استقلالية أمنيّة للسلطات المحلّية واستبعاد الحشد

مجموعة العمل تحدّثت في تقريرها عن ضرورة ضمان حصول حكومات الأقاليم على الميزانيّات والقدرات التقنيّة من أجل القيام بالوظائف المنوطة بها. وأشارت إلى أنّ الإطار القانوني لهذا الأمر موجود في الدستور العراقي، وما تبقّى هي عقبات سياسية أكثر منها تشريعية لجهة مَيل العاصمة إلى احتكار عمليّة صنع القرار.

نقل السلطات إلى السلطات المحلّية يشمل وفق التقرير إدارة الأمن أيضاً، قائلاً إنّ الأمر سيكون بمثابة خطوة إيجابيّة نحو إصلاح الثقة بين المواطنين العراقيّين والحكومة. وأشار إلى ضرورة أن تدير الشرطة المحلّية التي تعكس التركيبة الإثنيّة والطائفية للمدن التي تعمل فيها، الأمن الداخلي بالتعاون الوثيق مع وحدات مكافحة الإرهاب الاتحادية وأجهزة الاستخبارات، معتبراً أنّه يمكن لقوّات الشرطة المدرّبة جيداً وذات الجذور المحلّية أن تصبح أولى وأفضل خطوط الدفاع ضدّ تمرّد «داعش» المستمر.

وفي هذا السياق، تحدّث التقرير عن قلق السنّة إزاء تصاعد القوى شبه العسكرية الشيعيّة، تحديداً الحشد الشعبي والمجموعات التي تدعمها إيران، قائلاً إنّ على الولايات المتحدة دعم الذين يسعون للحدّ من نفوذ قوّات الحشد الشعبي. وبالرغم من إشارته إلى أنّ هذه القوّات أصبحت جزءاً قانونيّاً من البُنية الأساسية للأمن العراقي، قال التقرير إنّه يمكن للولايات المتحدة أن تضمن أنّ الدولة العراقيّة والمجتمعات المحلّية ليست بحاجة إلى الاعتماد على الأمن الذي توفّره وحدات الحشد الشعبي. التقرير لفتَ إلى أنّ نقل السلطة في المجالين الاقتصادي والأمني يجب أن يكون عراقياً.

نفط وغاز العراق إلى العالم

التقرير رأى أنّ من مصلحة الولايات المتحدة تدفّق النفط بحُريّة إلى الأسواق العالمية، وأن تظلّ أسعاره مستقرّة نسبياً لما من شأن ذلك من تقليل اعتماد العراق على واردات الغاز الإيرانيّة، مشيراً إلى أنّ العراق يمكن أن يكون مصدراً كبيراً للبلدان التي تعاني من نقص الغاز في المنطقة.

وتابع أنّ أفضل طريقة لضمان التدفّق الحرّ للنفط والغاز من العراق إلى الأسواق العالمية هي دعم الحكومة العراقية في جهودها الرامية إلى الحكم بشكلٍ فعّال.

من جهةٍ ثانية، أكّد التقرير على ضرورة أن تواصل الحكومة العراقيّة إعطاء الأولويّة للاستثمار في قطاع الغاز والنفط، والعمل على تعظيم كفاءة المؤسّسات التي تتعامل مع الشركات الأجنبية العاملة في هذا القطاع.

إعادة الإعمار والمصالحة

التقرير رأى أنّ بإمكان الولايات المتحدة التعلّم من تجربتها في السنوات التي تلت الغزو الأميركي للعراق من أجل تعزيز فاعلية مشاركتها، فضلاً عن العمل مع البلدان الشريكة والأمم المتحدة للحدّ من تكلفة مساهمتها.

وأشار التقرير إلى الاستفادة من التقرير النهائي للمفتش الخاص لإعادة إعمار العراق الصادر في آذار 2013، الذي من بين ما يتضمّنه تقسيم مراحل المشروع إلى أجزاء أصغر وقابلة للقياس، وإشراك أصحاب المصلحة المحلّيين من العراقيّين في جميع مشاريع إعادة الإعمار، بحيث أنّ الاستعانة بالمقاولين غير العراقيّين لا تتمّ إلّا في حالة وجود فجوات في المهارات محلّياً.

انتخابات برلمانيّة

وتحت عنوان تعزيز الحكم، تحدّث التقرير عن دعم الولايات المتّحدة إجراء انتخابات برلمانيّة على المدى القصير، مشيراً إلى الانتخابات التي ستُجرى في نيسان 2018، ومشيراً إلى «مخاوف بشأن استقلاليّة المفوّضية العليا ووجود وحدات الحشد الشعبي». وقال التقرير، إنّه من المهم أن ينظر إلى الانتخابات الأولى ما بعد «داعش» على أنّها شرعية من قِبل جميع العراقيّين من خلال معالجة الانقسامات المجتمعية البينيّة.

التقرير رأى أنّه على الولايات المتحدة أن تعمل مع شركائها الدوليّين من أجل ممارسة ضغوط كبيرة على المؤسسة السياسيّة لتقديم إصلاحات جوهريّة، مضيفاً أنّ بإمكان الولايات المتحدة والدول الأوروبية مضاعفة جهودها لضمان خضوع الساسة العراقيّين للمحاسبة بشأن أموالهم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى