العلاقات الباكستانية ـ الصينية.. استجابة للتحديات والفرص المشتركة

احتفلت باكستان وجمهورية الصين الشعبية في أيار/مايو 2017 بمرور 66 عاماً على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، التي تطوّرت بشكلٍ مضطرد حتى بلغت مستوى الصداقة والشراكة الاستراتيجية، كما وصفها وزير التخطيط في حكومة نواز شريف الباكستانية أحسن إقبال 1 . ولا يختلف اثنان في أنّ باكستان بالنسبة للصين أكثر من دولة جارة، وكذلك الصين بالنسبة لباكستان، فالعلاقة الودية والعميقة بين البلدين التي قامت على أساس من المصالح المشتركة، والاعتماد المتبادل، استطاعت أن تتجاوز بكلّ حكمة وبراغماتية تباين نظاميّ الحُكم، فبكين تتبنى الأيدلوجية الشيوعية، فيما إسلام آباد تتبنى نظاماً جمهورياً إسلامياً. لكن لا الأيديولوجية ولا العواصف التي عصفت بالمنطقة، غيّرتا شيئاً في العلاقات الباكستانية ـ الصينية، بل على العكس من ذلك أثبت السياق التطوري لتاريخ العلاقة بين البلدين أنهما تمكنا على طول الفترة الممتدة من خمسينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا من حفظ هذه العلاقة وتعميقها حتى أصبحت كما تصفها القيادة الباكستانية «أعمق من المُحيطات، أعلى من جبال الهملايا، وأحلى من العسل» 2 .

يقول زهان هاوو في مقالة له على موقع«Behind news» : إنّ العلاقة بين الصين وباكستان «فريدة». وهي كذلك فعلاً، فهذه العلاقة لا تشبه أيّ علاقة بين الدول الصغيرة والكبيرة في شيء. فالصين مع أنها دولة كبيرة فهي لا تتدخل بشؤون باكستان السياسية الداخلية، على العكس تماماً من دول كبرى أخرى، كما صرّح مشاهد حسين سيد رئيس لجنة الدفاع في البرلمان الباكستاني حيث قال: «الصين تعاملنا كدولة صديقة وحليفة وشريكة وقبل كلّ شيء تعاملنا على قدم المساواة، ليس كما يفعل الأميركيون وآخرون». لذلك يعتقد الباكستانيون أنّ «الصين صديقة في كلّ الأوقات»، أو كما يصفها جاي فيرما الخبير الهندي بالشؤون الإقليمية بأنّ الصداقة الباكستانية الصينية «صداقة دائمة».

لكن يبرز اتجاه آخر في إسلام آباد، يدعو إلى أن لا تضع باكستان «كلّ بيضها في سلة واحدة»، فهاجس «الاجتياح الإقتصادي»، و«اتفاقية التجارة الحرة» بين البلدين موضع تحفظ وخشية من قبل بعض صقور الدولة العميقة، كما ينقل الكاتب والخبير بالشؤون الدولية ناصر أجمل في مقالة تحت عنوان: «الثورة الصينية تكتسح باكستان» 3 . غير أنّ ذلك لا يغيّر من حقيقة أنّ علاقات البلدين قد شهدت طفرة نوعية مع وصول تشي جين بينغ إلى سدة الرئاسة. فلطالما انحصر التعاون بين البلدين سابقاً بشكله العام على المستوى السياسي والعسكري، لكن خلال زيارة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، إلى باكستان، في نيسان 2015، وضع اللمسات الأخيرة لمشروع الممرّ الصيني الباكستاني الاقتصادي، فضلاً عن توقيع 51 مذكرة تفاهم بين البلدين، وافتتاح ثمانية مشاريع، وإطلاق خمسة مشاريع مشتركة في مجال الطاقة. كما قد شملت هذه المرحلة الجديدة من العلاقات بين البلدين أيضاً المجالات الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية، بالإضافة إلى التعاون الثقافي. وتتجه العلاقات بين البلدين نحو شراكة متشابكة على الصعيد السياسي والعسكري ومختلف المجالات.

متى وكيف بدأت هذه العلاقة بين البلدين؟ وما مدى التعاون المشترك بينهما؟ ماذا عن الولايات المتحدة الأميركية والهند في البين؟ وماذا عن المستقبل على ضوء الممرّ الصيني الباكستاني الاقتصادي؟

الإجابة عن هذه الأسئلة المهمة تُتيح لنا فهماً أفضل وأعمق للعلاقات الباكستانية الصينية، وتُبرِز بنفس الوقت الأهمية الاستراتيجية والجيو – سياسية لباكستان على الصعيدين الإقليمي والدولي، وهو الغرض الرئيس من كتابة هذه الأسطر، فالكتابة عن باكستان ليست ترفاً معرفياً بل هي محاولة لزيادة مساحة الاهتمام بجمهورية باكستان الإسلامية.

هادي حسين

من السياسة إلى الدفاع… استكشاف فرص التعاون

1.1: العلاقات الدبلوماسية

أول فصول العلاقات الباكستانية الصينية، يعود إلى سنة 1950 عندما اعترفت باكستان بجمهورية الصين الشعبية، بدلاً من تايوان 4 . وسرعان ما أقام البلدان علاقات دبلوماسية رسمية سنة 1951، لتصبح باكستان الأولى من بين الدول الإسلامية والثانية في جنوب آسيا بعد الهند، التي تقيم علاقات دبلوماسية مع بكين.

مع تصاعد حدة التوترات الحدودية بين الصين والهند، التي أدّت إلى نشوب حرب بينهما عام 1962، دخل البلدان فصلاً جديداً من العلاقات يقوم على أساس توحيد جهودهما لمواجهة الهند، وإعادة ترسيم الحدود بينهما فقامت باكستان سنة 1963 بالتخلي عن طريق «كاراكورام» لصالح الصين لإنهاء النزاعات الحدودية وتعزيز العلاقات مع بكين، ما لاقى بدوره تقديراً واستحساناً كبيراً لدى الأخيرة. ومنذ ذلك الحين، نشأ تحالف غير رسمي تطوّر إلى علاقة وشراكة استفاد منها كلا البلدين على مختلف الصُّعد الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية. وبالإضافة إلى الدعم الدبلوماسى، عملت باكستان كقناة مساعدة للصين للانفتاح على الغرب، وذلك عندما لعبت إسلام آباد دوراً أساسياً في الزيارة التي قام بها مستشار الأمن القومي الأميركي هنري كيسنجر، إلى بكين سنة 1971 5 ، وأدّت إلى إذابة الجليد بين الصين والولايات المتحدة.

في المقابل، قدّمت الصين مساعدات اقتصادية ودعماً سياسياً واسع النطاق لباكستان، ففي العام 1972 استخدمت بكين حقَّ النقض الفيتو لأول مرة في مجلس الأمن الدولي لمنع قبول بنغلادش باكستان الشرقية سابقاً في الأمم المتحدة. ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ، فقد استمرت الصين في تعزيز علاقاتها بباكستان، لا سيما عقب وخلال الحرب الباكستانية الهندية سنة 1971 التي انتهت بانفصال باكستان الشرقية بنغلادش اليوم ، وذلك من خلال تزويد باكستان بأكثر من ستين طائرة من طراز «ميغ 19»، والعديد من قطع سلاح المدفعية، ودعمها مالياً من خلال منحها قروضاً بقيمة 110 مليون دولار.

ولم يتوقف الدعم الصيني عند هذا الحدّ، بل تضامنت بكين مع إسلام آباد في ما يتعلق بالقضية الكشميرية وذلك من خلال مساندة كفاح شعب كشمير في الحصول على حقه في تقرير المصير، وقد أعلنت الصين عن موقفها هذا خلال زيارة رئيس الوزراء الباكستاني ذو الفقار علي بوتو إلى بكين سنة 1976. بدورها باكستان أيضاً دعمت الصين في قضية تايوان، التيبت، وشينجيانغ وغيرها من القضايا المتعلقة بالمصالح الجوهرية للصين.

بداية ثالث فصول العلاقة بين البلدين كانت في العام 1979 عندما انضمّت بكين إلى جموع الدول التي اصطفت بالدور لتقديم المساعدات العسكرية والاقتصادية لما يُسمّى «المجاهدين» لمحاربة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، وذلك من خلال باكستان، إبان قيادة الزعيم الإصلاحي الكبير دينج شياو بنج للصين، وفي العام 1986 توصل الطرفان إلى اتفاق شامل للتعاون النووي.

بيد أنه مع سقوط الاتحاد السوفياتي وتفرّد الولايات المتحدة الأميركية بالهيمنة على النظام العالمي الجديد شهدت العلاقات الباكستانية الصينية تراجعاً، نظراً لمحاولة الصين تعزيز علاقاتها بروسيا الاتحادية والهند لمواجهة التهديد الأميركي. لكن مع قبول عضوية باكستان كمراقب في منظمة شنغهاي للتعاون عام 2005، دخلت العلاقات بين البلدين مرحلة من الشراكة الاستراتيجية والتعاون الإقليمي من خلال توقيعهما على اتفاقية صداقة وتعاون، أثناء زيارة وين جياباو، رئيس وزراء الصين لباكستان في نيسان من العام نفسه. واستمرت العلاقات بين البلدين في التقدّم بشكل مضطرد، ففي العام 2006 وقعت الصين وباكستان اتفاقية تجارة حرة من أجل مضاعفة حجم التجارة الثنائية ثلاثة أضعاف ليصل إلى 15 مليار دولار. وبموجب الاتفاق بدأ البلدان بازالة الجمارك من على كلّ البضائع بدءاً من أول تموز عام 2007.

مع تسلّم شي جين بينغ السلطة في بكين عام 2013، واقتراح الصين الاستراتيجية الكبرى المعروفة باسم «حزام واحد وطريق واحد»، دخلت العلاقات الباكستانية الصينية في مرحلة جديدة من الشراكة الاستراتيجية التي تمّ تتويجها عام 2015 بإطلاق مشروع الممرّ الاقتصادي الصيني – الباكستاني، والذي تبلغ قيمته 46 مليار دولار، خلال زيارة الرئيس الصيني لإسلام آباد.

العلاقات الأمنية العسكرية كضرورة للتوازن الإقليمي

في مجال الدفاع، يعود التعاون بين الصين وباكستان إلى السنوات الأولى من تأسيس باكستان 1947. وقد ساعدت الصين في إنشاء مجمع باكستان للطيران والصناعات الثقيلة في تاكسيلا، والعديد من خطوط الإنتاج في مصانع الذخائر الباكستانية، والمشاريع البحرية لمصانع البحرية والصواريخ. ومن الأمثلة على ذلك مجمع باكستان للملاحة الجوية في كامرا، والصناعات الثقيلة والمجمع الميكانيكي الثقيل، ومصنع إعادة البناء الثقيلة في تاكسيلا ومصنع الصلب الباكستاني في كراتشي.

وتفيد مصادر في اسلام آباد أنّ الصين كان لها الدور الأهم والأبرز في بناء وتطوير القدرات الدفاعية لباكستان، لا سيما خلال الثمانينات والتسعينات من القرن التاسع عشر. فقد حصلت باكستان سنة 1992 على حزمة من الصواريخ الباليستية قصيرة المدى من طراز «M-11». كما ساهمت الصين أيضاً في بناء وتطوير طائرات حربية من طراز «F-7»، والطائرات النفاثة من طراز «K 8»، وفى إطار الإنتاج الدفاعي المشترك للاسلحة والمعدات بين باكستان والصين قام البلدين بتصنيع طائرة «رعد JF 17» في مجمع القوات الجوية الباكستانية للطيران، والذي أضفى على القوات الجوية الباكستانية تفوقاً نوعياً على صعيد سلاح الجو في المنطقة. كما ساعدت الصين مؤخراً باكستان على تطوير طائراتها بدون طيار 6 .

هذا ويحظى كلا البلدين بتعاون وثيق في مجال الدفاع البحري مع بعضهما البعض في المحيط الهندي وفي بحر الصين الجنوبي. ففي شباط 2016، أجرى البلدان حواراً بشأن الملاحة البحرية والأمن في إسلام أباد، لتعزيز التعاون البحري الثنائي، وأمن الملاحة، وتبادل حرس السواحل، والبحث العلمي البحري والإنقاذ، ومصائد الأسماك.

ويمكن تفسير هذا التعاون العسكري بين البلدين بالاستناد على رغبة البلدين في كبح عجلات الهند المتسارعة بدعم أميركي، التي تستخدم الورقة الهندية للضغط الدائم على الصين كخيار استراتيجي، لا سيما بعد أحداث 11 أيلول وانتقال العلاقات الهندية الأميركية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، ثم توقيع اتفاق التعاون النووي في سنة 2008، والذي بالطبع يثير حفيظة الصين التي تحرص على التوازن الإقليمي في جنوب آسيا، والوقوف في وجه سياسات الولايات المتحدة الأميركية الساعية إلى احتواء الصعود الصيني 7 .

أضف إلى ذلك، دخول باكستان والهند في سباق تسلح تقليدي، فنووي، فرض على إسلام أباد البحث عن شركاء خارجيين لتوفير مصادر التسليح والتكنولوجيات العسكرية.

العلاقة الأمنية بين باكستان والصين هي الجانب الأهمّ في العلاقات الثنائية بين البلدين، التي يمكن اعتبارها الركن الأساسى للعلاقات الصينية الباكستانية. ومما لا شك فيه أنّ التعاون النووي بينهما يلعب دوراً محورياً في عملية تعزيز الثقة المتبادلة وتحقيق الاستقرار والتوازن الاستراتيجي في الإقليم.

فقد لعبت الصين دوراً رئيسياً فى بناء وتنمية قدرات باكستان النووية خلال عقدي الثمانينات والتسعينات، وذلك عبر تزويد باكستان بالعديد من المكونات الحيوية، كبيعها 5000 مغناطيس حلقي الضروري في عملية الطرد المركزي الخاص بتخصيب اليورانيوم. كما ساعدت الصين في بناء مفاعل كاسما في البنجاب، للأغراض البحثية والمزود بوحدة لإستخلاص اليورانيوم.

كما وقع البلدان أثناء زيارة الرئيس الباكستاني آصف زرداري في تشرين الأول 2008، على اتفاقية تعاون تتعهّد الصين بموجبها بمساعدة باكستان لتعزيز قدراتها النووية السلمية من خلال بناء مفاعلين نوويّين جديدين في منطقة تشاشما. والتي تصل سعة كلّ منهما 1100 ميغاوات. ويتوقع الانتهاء من بنائهما بحلول عام 2019. هذا وتقوم الصين ببناء مصنعين آخرين في كراتشي، بطاقة توليدية تبلغ 1100 ميغاواط من كلّ محطة. وستصل هذه المحطات النووية إلى 3380 ميغاواط عند التشغيل الكامل.

على الرغم من أنّ العلاقة بين الصين وباكستان النووية مرّت بمنعطفات كثيرة، كان أبرزها توقيع الصين على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية عام 1992، وتطور النظام الدولي لمنع الانتشار النووي، بيد أنّ ذلك لم يمنع البلدين من المضيّ قدماً في تعزيز التعاون النووي بين البلدين، وهذا ما أكده وانغ شياوتاو نائب وزير لجنة التنمية والإصلاح الوطنى خلال مؤتمر صحافي فى بكين، وأنّ الصين «ساعدت فى بناء ستة مفاعلات نووية فى باكستان بطاقة إنتاجية كاملة تبلغ 3.4 مليون كيلوواط» 8 .

ويعود لهذا التعاون بين البلدين الفضل في نجاحهما في تحقيق أمن وسلم إقليميين، فمنذ عام 1962 لم تنشب حرب واسعة بين الهند والصين، رغم نزاعاتهما الحدودية وخلافاتهما الشديدة. كذلك الأمر بالنسبة لباكستان والهند فمنذ حرب «انفصال بنغلادش» في عام 1971 وأنّ حرباً شاملة لم تنشب بين البلدين، باستثناء مناوشات حدودية.

نحو شراكة اقتصادية

لا مزايدة أو غلواً في القول إنّ التعاون الاقتصادي أبرز وجوه التعاون الصيني الباكستاني، إذ أنّ البلدين يوليان التعاون الاقتصادي أهمية خاصة، فترجمة الشراكة السياسية بينهما إلى نتائج ملموسة على صعيد التعاون الاقتصادي في الوقت الراهن تصب في خانة مصالح البلدين الحيوية.

فباكستان، البلد الذي يواجه مشاكل وتعقيدات عدة في ما يتعلق بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، الصين بالنسبة له أكثر من دولة صديقة مساعدة فبكين تسهم أيضاً في تحسين «قدرة صنع الدماء الجديدة»، والتي تعدّ ضرورية لإنعاش الاقتصاد وضمان التنمية المستدامة.

الصين من جهتها ترى أنّ التعاون الاقتصادي مع باكستان، لا سيما من خلال مشروع الممرّ الاقتصادي، الذي تعوّل عليه كثيراً في تنمية المنطقة الغربية من الصين. والشراكة الصينية الباكستانية في الواقع بحسب القيادة الصينية ضرورة للتنمية الإقليمية والاستقرار الإقليمي. كما يسهم البلدان كثيراً في الرخاء الإقليمي، إذ تعمل باكستان كجسر بين الصين ودول في جنوب ووسط وغرب آسيا، فيما يطوّر أكبر اقتصاد في آسيا العلاقات والتعاون مع هذه الدول. وبهذا التعاون تعتزم كلّ من الصين وباكستان إنشاء طريق للنقل يربط الصين بمنطقة الخليج العربي يستهدف تعزيز النمو الاقتصادي بالمنطقة التي سيمرّ بها، ويخفض زمن شحن البضائع من الصين إلى المنطقة.

2.1 التبادل التجاري بين البلدين

يلعب التكامل الاقتصادي الإقليمي دوراً هاماً في تنمية الاستقرار الإقليمي. وفي بيئة مضطربة كمنطقة جنوب آسيا، فإنّ للتكامل الاقتصادي دوراً حيوياً في الاستقرار الاقتصادي في الإقليم من خلال تكثيف وتعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية. ومن ثم فإنّ المشاريع الاقتصادية الثنائية بين إسلام أباد وبكين تجذب لاعبين إقليمين آخرين للاندماج في مشاريع وكتل اقتصادية إقليمية، ما يعزّز الترابط الاقتصادي بين اللاعبين الإقليميين، كما هو الحال مؤخراً في مشروع الممر الاقتصادي الصيني- الباكستاني، الذي استقطب دولاً فاعلة كروسيا الاتحادية وإيران اللتين أبدتا رغبتهما في الانضمام إلى هذا المشروع، والذي تبلغ قيمته حتى الآن 46 مليار دولار، وسيأتي الكلام عنه بعد عرض موجز لمسيرة التعاون بين البلدين في ما يخصّ التبادل التجاري بينهما، كمقدمة تمهيدية للكلام عن مشروع الممرّ الاقتصادي بين الصيني الباكستاني، الذي يرى فيه خبراء ثمرة عقود من التواصل التجاري بين البلدين.

في مرحلة مبكرة من العلاقات الدبلوماسية بين البلدين واجهت التجارة الباكستانية تحديات وعقبات عدة عندما خفضت الهند قيمة عملتها، ما جعل أسعار السلع المستوردة أغلى بالنسبة للهنود، فراحت باكستان تبحث عن سوق آخر لمنتجاتها وشركاء تجاريين أكثر جدية. فجاءت أولاً، صفقة مقايضة الفحم الصيني مقابل القطن الباكستاني، وبشكلٍ تدريجي بدأت التجارة الصينية الباكستانية تتطور على أساس من المصالح المشتركة والثقة المتبادلة. عام 1952، بلغت قيمة إجمالي الصادرات الباكستانية إلى الصين 83 مليون دولار، أيّ 15.7 في المئة من إجمالي صادرات باكستان. وفي كانون الثاني 1963، وقع البلدان أول اتفاقية تجارية رسمية بينهما، في وقتٍ كان الاقتصاد الباكستاني على شفير الهاوية والانهيار نتيجة لسياسات بعض القوى الغربية التجارية. لكن اهتمام الصين مجدداً بالتجارة مع باكستان أنقذ الأخيرة من كارثة اقتصادية.

مع تسلّم الجنرال برويز مشرّف زمام السلطة في باكستان، دخلت العلاقات الاقتصادية الثنائية مرحلة جديدة. فقد ركزت حكومة مشرّف كثيراً على التعاون الاقتصادي مع الصين. وخلال الزيارة التي قام بها إلى بكين فى عام 2000، أكد ضرورة العمل والتعاون المشترك من أجل توسيع التجارة والاستثمار بين البلدين لتعزيز الشراكة الاستراتيجية. بدورها، وافقت بكين عام 2003 على استثمار 740 مليون دولار لبناء مشروع تشاشما الثاني. وفي كانون الأول 2004، زار رئيس وزراء باكستان بكين ووقع سبعة اتفاقات في قطاعات الطاقة والتجارة والاتصالات وغيرها.

هذا وقد نقلت اتفاقية التجارة الحرة التي تمّ توقيعها بين البلدين عام 2007، خلال زيارة الرئيس الصيني هو جين تاو لإسلام أباد، العلاقات التجارية إلى أعلى مستوياتها، بحيث ارتفع ميزان التجارة بين باكستان والصين من 1.8 مليار دولار 2004-2005 إلى 4.0 مليار دولار 2007 – 2008 . كما ارتفعت صادرات باكستان إلى الصين نحو 35 في المئة سنوياً.

وفي تشرين الأول 2008، زار الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري الصين، وخلال الزيارة، وقعت الدولتان أكثر من اثني عشر اتفاقاً في مجال الطاقة، والتجارة، والزراعة، والتعدين والاتصالات وغيرها. وبينما تؤكد الزيارات الدورية التي يقوم بها الرئيس زرداري للصين دعم الصين لباكستان في وقت الحاجة. وخلال زيارة رئيس وزراء باكستان سيد يوسف رضا جيلاني الصين، فى أيار 2011، أعلن عن نية كلّ من الصين وباكستان رفع حجم التبادل التجاري إلى 15 مليار دولار 9 .

وبالفعل نجحت كلّ من باكستان والصين بحسب تقارير اقتصادية إلى رفع حجم قيمة التبادل التجاري بينهما إلى 16 مليار دولار. ارتفعت صادرات الصين إلى باكستان بنسبة 10 خلال السنوات الخمس الأخيرة. ونتيجة لذلك، ارتفعت حصة الصين من إجمالي الصادرات الباكستانية تدريجياً من أربعة في المئة في 2009 – 2010 إلى تسعة في المئة خلال السنة المالية 2014 – 2015.

2.2 الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني

أبرز ما توصلت له باكستان والصين على صعيد العلاقات الاقتصادية الثنائية هو توقيع مذكرة تفاهم بشأن بناء الممرّ الاقتصادي بينهما خلال زيارة رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف إلى بكين، في المنتصف الثاني من عام 2013، معتبراً هذا المشروع الإنجاز الأكبر لباكستان بعد القنبلة النووية، واصفاً مشروع الممر الاقتصادي الصيني- الباكستاني بـ «مغيّر اللعبة» 10 Game changer ، والقيادة الصينية بدورها تعوّل كثيراً على هذا المشروع الذي قال عنه رئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانغ: «إنّ الصين لديها مصلحة استراتيجية في هذا الممرّ».

الممرّ الاقتصادي الصيني الباكستاني أو ما يُطلق عليه CPEC ، هو مجموعة من مشاريع البنية التحتية، الطاقة، النقل والتعاون الصناعي قيد الإنشاء حالياً على طول المساحة الممتدة من المنطقة المتاخمة لجنوب الصين كاشغار- شينجيانغ في إقليم غلغت- بلتستان شمال باكستان إلى أقصى جنوب غرب باكستان في ميناء غوادر المطل على مياه بحر العرب الدافئة. بكلفة إجمالية للمشروع تقدر بـ46 مليار دولار. ومن المقرر إنجاز المشروع على مراحل، المرحلة الأولى إنجاز مطار جوادر الدولي وتجهيز ميناء جوادر وتشير التقديرات أنه سيتم الانتهاء من هذه المرحلة بحلول عام 2017. ويشمل المشروع أيضاً توسيع طريق كاراكورام السريع.ومن المقدر أنه إذا نفذت جميع المشاريع المخطط لها، فإنّ قيمة تلك المشاريع ستتجاوز جميع الاستثمارات الأجنبية المباشرة في باكستان منذ عام 1970 وستعادل 17 في المئة من إجمالي الناتج المحلي لعام 2015. وبحسب التوقعات، فإنّ مشروع الممر الإقتصادي سيخلق حوالي 700000 فرصة عمل مباشرة خلال الفترة 2015-2030، كما سيضيف ما يصل إلى 2.5 نقطة مئوية على معدل نمو باكستان.

تعوّل باكستان كثيراً على هذا المشروع لدفع عجلة النمو الإقتصادي، من خلال تحسين البنية التحتية، وحلّ مشكلة الطاقة، وتتوقع الحكومة الباكستانية أن تصل معدلات النمو الاقتصادي إلى 7 في المئة بحلول عام 2018، وهو أكبر استثمار اجتذبته باكستان منذ انفصالها عن الهند عام 1947، وأكبر استثمار خارجي للصين على الإطلاق. و يعتزم البلدان تعزيز العلاقات الثنائية بينهما عبر خطة الاستثمار الضخمة هذه، وسيضمن المشروع لباكستان أن تصبح مركزاً اقتصادياً إقليمياً، لا سيما أنّ باكستان تقع عند تقاطع ثلاث محركات نمو في آسيا هي: جنوب آسيا والصين وآسيا الوسطى، وسيساعد الممر الاقتصادي في دمج هذه المناطق لتصبح منطقة اقتصادية واحدة.

ومن حسن الطالع أنّ غوادار وأورمارا في باكستان يوفران أقصر الطرق وأكثرها فعالية من حيث التكلفة لإمدادات النفط من الخليج الفارسي إلى الصين، بالإضافة إلى توفير وصول سريع وأقلّ كلفة إلى أفريقيا والبحر الأبيض المتوسط.

بعد قبول باكستان في 10 تموز 2015 كعضو دائم في منظمة شنغهاي للتعاون زادت أهمية باكستان الإقليمية كعامل محدّد للسلام والأمن والتعاون الفعال بين الدول الأعضاء والدول المراقبة في المنظمة. وتعني هذه العضوية الكثير لباكستان، لأنها إذا أرادات أن تصبح ممراً للطاقة من خلال الدعم الروسي يجب أن تكون على علاقة صحية مع الهند، وهذا ما تأمل باكستان تحقيقه من خلال قبول عضوية الهند في منظمة شنغهاي وجلوسهما إلى الطاولة نفسها 11 .

وتستند الأهمية التي تعلقها باكستان على منظمة شانغهاي للتعاون على قدرتها لأن تصبح ممراً تجارياً يبعث الحياة لجمهوريات آسيا الوسطى غير الساحلية وشينجيانغ بغرب الصين. كما أنّ انضمام باكستان إلى منظمة شانغهاي للتعاون سيعزّز بشكل كبير موقف البلاد فى المنطقة والعالم وسيكون له أثر إيجابي على العديد من القضايا الرئيسية المتعلقة بالتعاون العسكرى والفني بين روسيا وباكستان ومشروعات الاتصالات الضخمة مع الصين. ومع الخطط الجارية لربط الحزام الاقتصادي لطريق الحرير مع الاتحاد الاقتصادي الاوروبي، فإنّ دور باكستان فى الاقتصاد الإقليمي ومشروعات البنية التحتية سيزداد بالتأكيد لأنّ مشروع كاشجار جوادار بين إسلام أباد وبكين جزء من حزام طريق الحرير. وبالمثل، فإنّ الممرّ الاقتصادي بين الصين وباكستان الذي تمّ الإعلان عنه مؤخراً CPEC يخلق فرصاً اقتصادية لكلّ من باكستان وأعضاء المنظمة. ومن شأن هذا المشروع سدّ الفجوة بين القارات. وحالما تبدأ اللجنة عملها، سترتبط الصين وباكستان بوسط آسيا والقوقاز وروسيا» 12 .

وبالفعل بدأت تلوح في الأفق، مؤخراً، عدة تطورات إيجابية، فقد وقعت باكستان وقيرغيزستان وطاجيكستان اتفاقية حول صادرات الكهرباء من دول آسيا الوسطى. علاوة على ذلك، وافقت باكستان والصين وقازاقستان وقيرغيزستان على بدء خدمة حافلات الباص للنقل البري. هذه التطورات الإيجابية، إلى جانب مشروع جوادر، تجعل باكستان حلقة لا غنى عنها للدول الأعضاء بالمنظمة. وتشارك باكستان حالياً في تنويع صادراتها وإيجاد أسواق جديدة يسهل وصول منتجاتها إليها. ويمكن لعضوية منظمة شانغهاي للتعاون أيضاً تمهيد الطريق لإنجاز خط أنابيب غاز تركمانستان وأفغانستان وباكستان والهند ومشروع نقل وتجارة الكهرباء بوسط آسيا وجنوب آسيا المعروف باسم كاسا-1000. كما تشير التقديرات إلى أنّ باكستان ستكون قادرة على جذب استثمارات مهمة في قطاعات الطاقة والبنية التحتية التي تتمتع فيها بلدان المنظمة.

3 التحديات والفرص

تجد باكستان نفسها وسط ديناميات إقليمية تؤثر على مجريات سياستها الخارجية والداخلية كمحدّدات جيوسياسية تفرض نفسها عليها بشكل مباشر حيناً وغير مباشر في أحيانٍ أخرى. فمنذ بداية القرن الحادي والعشرين، شكلت آسيا الوسطى وجنوب آسيا محور السياسة الدولية نتيجة للحرب بين الولايات المتحدة وحلف الناتو على الإرهاب في أفغانستان من جهة، وحضور الصين الصاعدة وعودة روسيا ما بعد مرحلة الرئيس بوريس يلتسن البائسة من جهة أخرى. ونظراً للتطور المستمر في تشكيل القوى الموجودة في المنطقة منذ الخمسينات، وجدت الصين وباكستان أنّ من المفيد للجانبين العمل معاً من أجل تحقيق المزيد من الرخاء والسلام في المنطقة. وأدى ذلك إلى إقامة علاقة استراتيجية ثنائية تهدف إلى الحفاظ على المصالح المتبادلة. غير أنّ البلدين، في نفس الوقت، يواجهان تحديات متشابكة يُخشى أن تؤدي إلى توتر العلاقات الثنائية. فالتحدي الرئيسي الذي يواجهه التعاون بين الصين وباكستان في المنطقة هو فهم التيارات المدمرة والبناءة التي تجري عبر المنطقة والتعامل معها بشكل صحيح. ولا بدّ من إيجاد فهم مشترك للتحديات والفرص في هذا الصدد.

إنّ مفاهيم الأمن الأميركية والصينية المتضاربة والمختلفة تشكل سبباً محتملاً لعدم الاستقرار في المنطقة. والمشكلة، كما يذكر هنري كيسنجر في كتابه «عن الصين»، تكمن في أنّ الإجراءات التي يعتبرها الصينيون دفاعية بطبيعتها، ينظر إليها الأميركيون على أنها عدوانية والعكس بالعكس. إنّ التفسيرات الاستراتيجية المختلفة بين بكين وواشنطن ستُبقي على إمكانية الصراع قائمة. وهذا الاختلاف في وجهات النظر بين الصين والولايات المتحدة يُعقِّد الخيارات ويصبح من الصعب على شركائهم المشتركين في الإقليم، لا سيما باكستان التعامل مع مختلف ملفات المنطقة واتخاذ الموقف المناسب وسط تزاحم وتدافع مصالح القوى الكبرى في الإقليم.

إنّ طبيعة العلاقة الحالية لباكستان مع كلّ من الصين والولايات المتحدة مثيرة للاهتمام. وخلافاً للحرب الباردة والصراع الأفغاني، حيث كانت باكستان متحالفة بوضوح مع الولايات المتحدة ضدّ الاتحاد السوفياتي السابق، فاليوم، تتمتع باكستان بصداقة وشراكة استراتيجية مع الصين. لكنّ هذا ليس سبباً للاعتقاد بأنّ الولايات المتحدة وباكستان لا تستطيعان تطوير فهمهما لمصالحهما المشتركة في المنطقة. فكل من الصين والولايات المتحدة بحاجة إلى علاقة قوية مع باكستان لتعزيز أهدافهما في المنطقة.وهذا ما تفهمه إسلام أباد بشكل جيد وتدرك أيضاً أنه بقدر ما تكون العلاقات الموازية مع الولايات المتحدة والصين تمثل أكبر التحديات، فهي بنفس الوقت من أهم الفرص بالنسبة لدولة كباكستان. لكن وعلى الرغم من التحالف مع باكستان في الحرب على الإرهاب، فإنّ الولايات المتحدة تستخدم كلّ الوسائل، العلنية والسرية، للضغط على باكستان لدعم أجندتها الجغراسية في المنطقة ودفع باكستان لقبول دور هندي في الإقليم.

من جهتها، تتابع باكستان جنباً إلى جنب مع الصين استراتيجيات التصدي للتهديدات والتحديات التي تواجه الاستقرار الاستراتيجي الإقليمي، ولكن ليس من خلال انتهاك القوانين أو المعايير الدولية كما فعلت الولايات المتحدة لدعم عضوية الهند لمجموعة موردي المواد النووية. بل من خلال تعزيز فكرة التنمية الإقليمية والاقتصاد المتكامل، أهم مثال على ذلك مشروع الممرّ الاقتصادي الصيني الباكستاني.

وبناء على ذلك، فإنّ التعايش الناجح بين الصين وباكستان، سيعيد تشكيل الساحة في جنوب آسيا وآسيا الوسطى والمحيط الهندي التي من شأنها أن تقنع الولايات المتحدة بأن تكون أكثر مرونة وإيجابية تجاه التآزر بين الصين وباكستان في المنطقة، وأن تقود الهند أيضاً إلى تطوير علاقة أكثر توازناً وواقعية مع محيطها. كما أنها ستعطي الثقة للدول الصغيرة في المنطقة، وخاصة الدول الغنية بالطاقة، التي تخفي بسبب تجربتها مع الهيمنة السوفياتية، حذراً في داخلها من مبادرات القوى الكبرى. وهذه الثقة ستجعلهم مؤيدين وشركاء أقوياء للتعاون مع الصين عندما يرون علاقة صينية باكستانية فعالة ومفيدة للطرفين تعزّز سيادة باكستان بدلاً من تقليصها.

إنّ التعاون بين الصين وباكستان في جنوب ووسط آسيا هو استجابة منطقية ومبرّرة للمشاكل الإقليمية وعدم الاستقرار السياسي والركود الاقتصادي والمنافسة بين الدول وغيرها من المسائل ذات الصلة. وقد يساعد التعاون بين الصين وباكستان على التحول الجزئي إلى التقارب الموضوعي من خلال تشجيع التعاون العادل القائم على أساس متين من المنفعة المتبادلة بين جميع الأطراف الفاعلة في المنطقة. ولا شك في أنّ التعاون بين الصين وباكستان الواسع النطاق سيؤدي إلى تعزيز الثنائية التي سوف تدفع بالضرورة نحو تحقيق النمو الإقليمي والسلام والازدهار الاقتصادي.

هوامش

1- By Web desk, CPEC transformed Pak-China relations into a strategic partnership: minister, http://nation.com.pk,01Apr 2017.

2- Associated Press of Pakistan, Pakistan and China relations: 65 years of friendship to strategic partnership, www.pakistantoday.com.pk,15 May 2016.

3- Jamal Nasir, Mother China: A Chinese revolution sweeps across Pakistan, http://herald.dawn.com,28 jan 2007.

4- Luo Yo, Taiwan case, www.chinaplus.cri.cn,27 mar 2004.

5- Tariq Ali, Kissinger visit to China 1971, http://historypak.com,07 jun 2006.

6- By Web Desk. Pakistan Receives LD-10 Anti-Radiation Missiles From China, http://pakchinanews.pk, 23 Aug 2006.

7- Ralph Jennings, China Gets Cozier With Pakistan Again And, Yes, India Should Worry ,www.forbes.com,26 Mar 2017.

8- Ahmad Rashid Malik, Senior Research Fellow, ISSI. The Growing Pakistan-China Defense Cooperation. October 07 , 2016.

9- Gareth Price , China Pakistan Relations ,Europe China Research and Advice Network, ECRAN , 15th February 2011.

10- Web Editor, China-Pakistan Economic Corridor will be a game changer: Nawaz Sharif, www.business-standard.com,27 Mar 2017.

11- K J M Varma, Entry of India and Pakistan in SCO will contribute to regional stability: China, http://www.livemint.com,14 Mar 2017.

12- Dr Zafar Jaspal, CPEC: Opportunities, www.pakobserver.net, 04Sep2016.

كاتب وباحث سياسي باكستاني

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى