سليمان وخطيئته الكبرى!

بسامة الشامي

رشيق سليمان كتب اسمه بالأصفر، ليخبرنا عن ابتسامة صفراء حيث تذبل أوراق الخريف الصفراء وتتساقط عمداً بين سطور روايته وعلى وجوه أبطالها الشاحبة الصفراء، التي كنّاها بـ«ضفاف الخطيئة».

بدءاً من الغلاف الذي أبدع في تشكيله جعفر غرة، الذي لم يسمح لنا بولوج النصّ قبل إلقاء التحية على هذا الاختزال البصري المكثّف لإيقاع الرواية وحبكتها.

تجدر الإشارة إلى أنّ عدداً من الروايات تشمل أسماؤها على اسم العلم المؤنث، ولكن «ضفاف» اسم جديد على مسامعنا وأتقن سليمان إدراجه في الجمل حيث كتب في الفصل الرابع: «ضفاف مشروع طفلة لم يكتمل ولن ». وفي الفصل السابع كتب أيضا: «ضفاف مشروع أنثى لم يكتمل ولن ». وفي الفصل الثامن كتب: «أصبح عمر حزن ضفاف 19 سنة»، وفي الفصل الأخير كتب: «ركعت ضفاف طويلاً عند قبر أمّها ونادت يا ريح أشرعتي ممزّقة ».

وها نحن نقول لسليمان: لقد نشرت شراعك على القارئ بدل الريح فأسرته.

ثم أنه اختار لبطله اسم «مطر»، فكتب عنه في الفصل الثالث: «يا أنا قل لي من أنت؟ أنا مطر». وفي الفصل السادس كتب: «مطر المجنون يا لحزن العناق الذي لم يتم». وفي الفصل التاسع كتب: «اسمي مطر وأتمنّى أن تسامحيني، داعب الاسم شغاف قلبها…». وفي الفصل الأخير كتب: «مطر أرجوك ابقَ معي لا تذهب…».

لعب سليمان على صناعة المشهد بعناية ليجعله مثل حرز في ذاكرة القارئ.

عالجت الرواية مشكلتين اجتماعيتين هما الفقر والغصب. ولكن اسمح لي بتسديد السهم الأول: هل تم علاج المشكلتين بشكل سليم أم بتسليط الضوء عليهما فقط؟ هل بالغت في عرض المشكلة على حساب حلّها؟ فالحياة تارة فقر وتارة غنى تارة عزّ وتارة ذلّ، لكن تارات روايتك كلّها فقر وغصب بحيث تمنّى القارئ أن يسمع أنباء عن أبناء الفقراء تسرّ الخاطر، يا من كتب قصة بعنوان أفقر الفقراء.

أكدت في كتاباتك أنّ الفقر هو العوز والحاجة والهمّ والشيطان يعدكم الفقر. وافتقرت كتاباتك إلى أنّ الفقر هو شعار الصالحين ولباس الأنبياء وليس خطيئة أو رذيلة، والفقر يجعلك حزيناً كما يجعلك حكيماً.

أما عن نوعية حبر الكاتب فأقول: يعرف متى يريق حبره على ورقه، ومتى يسيل دمع القارئ على خدّه، فكانت كلمات الإهداء السبع أكبر معنى من القارات السبع حيث كتب: «لكَ… ولكَ وحدكَ… أخي الشهيد معبد سليمان».

أضاف دلالات جديدة في استخدامه بعض الحروف أو الكلمات مثل الـ«لا» تعني النفي في اللغة العربية، والدرجة في السلّم الموسيقي لكنّها لدى الكاتب تعني أفعى برأسين مستوحياً ذلك من طريقة رسم الحرف.

الـ«إلّا» تعني الاستثناء أو الحصر وعنده تعني التهديد.

الـ«ربّما»، الـ«نعم»، فكانت فعّالة ومحفّزة للوجدان لاستقبال ما خطّته البنان.

الأحداث درامية مترابطة دعمها برموز تساعد في فهمها وباقتباس يتيم لسعيد عقل: «الحب هو أن تنسى من أنت».

ابتعد عن تحديد مكان أحداث الرواية، وبالمقابل سجّل زمن ميلادها في ذهنه 2009 وسمح لأذهان القرّاء بمشاركته في 2017 نضجت على نار هادئة حتى استوى هو، فسمح لنا بتناولها على مائدة الكتابة الإبداعية.

فما هو الخوف في نظر سليمان: خوفٌ أكل معها على المائدة ذاتها، شبعت هي وما شبع الخوف من قضم رغباتها رغبة رغبة.

تبلّلت قدماها بالمطر، ووجنتاها، وخوفها تبلّل ببضع زخّات انتعش خلالها.

اعتمد سليمان أسلوب السرد ومناجاة الشخصية لنفسها وهمسها لها. وختاماً، أهمس لك أيها الكاتب: نجحت في الحبكة الروائية بطريقتك الخاصة التي تجذب الانتباه، ومباركة طبعتك الأولى في دار «الحوار» 2017.

كاتبة سورية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى