اكتمل هلال المقاومة… فأين قمر الاعتدال لنواطير النفط؟

د. رائد المصري

لعلَّ أول مَن تحدَّث عما يُسمَّى بالهلال الشيعي أو تمدُّد هذا الهلال من الوجهة المذهبية، هو ملك الأردن منذ ما يقارب الإثني عشر عاماً، في إشارة عن تحالف المقاومين من إيران الى العراق وسورية والمقاومة في لبنان وصولاً لفلسطين المحتلة. هذا الملك الأردني القارئ جيداً واللاعب الماهر في حبك خطوط التصفية لقضايا العرب، وما بين سطور التآمر والتزلُّف لدى السيِّد الأميركي ومعه المستعمر «الإسرائيلي» من خلال التنبُّه لما أسماه خطر التلاحم بين المقاومين ووصل جبهاتهم بمواجهة المستعمر الغربي والصهيوني من إيران الى فلسطين.

منذ ذلك الوقت ويعمل الأميركي و»الإسرائيلي»، ومن خلفهم نواطير النفط والغاز في مملكات الخليج، على ضرب هذا المحور أو فصله وتقسيمه بؤراً ووحدات وشرذمات اجتماعية متفككة ومسلوبة القوة والإرادة، بهدف الإخضاع والسطو وتعزيز الموقع الصهيوني والرغبة الأميركية الاستعمارية في حكم العالم، ووضع اليد كاملة على المنطقة.

فقد أخذ التسعير المذهبي مداه في المنطقة أبعد حدود، وأخذت عملية شيطنة المقاومة والمقاومين أقصى ما يمكن، وشُنَّت الحروب بالوسائل والأدوات الحربية والبشرية كافة، تارة عبر الاستعانة بقوى اليسارات المشوَّهة والخُلاسية، وطوراً بنُخب وأكاديميي وأبواق حكام ونواطير النفط وكلاب حراستهم، وصولاً إلى الحرب الشعواء على سورية، وافتعال ما لا يمكن لعقلٍ بشريٍ في التاريخ الإنساني أن يتصوّره من همجية وحقد باطني مخزون أرادوا تفريغه على شعب وجيش ونسيج هذا المجتمع الصافي من كلِّ شوائب التعولم والتحوُّل والتشوُّه العصري.

اليوم وبعد أكثر من ست سنوات عجاف من حرب تقسيمية في سورية أرادها الغرب الاستعماري ونواطير نفطه وحراسه، كَسَرَ الجيش السوري كلَّ مفاعيل الحصار بالتعاون طبعاً مع حلفائه ووصل الحدود البرية مع العراق ليتلاقى الجيشان معاً على السواتر الترابية المقامة، وليعزِّز بدوره مكانة الدولة الوطنية وضرورة بقائها، لكونها الأداة الأساسية المكمِّلة والفاعلة والقادرة على ضبط وحماية المقاومات وتنسيق أداءاتها، وبما يقطع الطريق على كلِّ من حاول التنظير السياسي واستخدام الأوصاف والنعوت المذهبية التي تنطبع بها شعوب المنطقة، وهي عامل قوة وتنوُّع في وجه مشاريع الانعزال والعنصرية والتقوقع، وهنا بالمناسبة نقصد الكيان الصهيوني وحلفائه الجدد نواطير النفط وحراسه.

وصول الجيش السوري وحلفائه إلى الحدود العراقية شمال شرق معبر التنف، قرأته بعض دول الإقليم والدول الغربية جيداً، فبدأت تُعيد تموضعها، فقد تمكَّن الجيش السوري من قطع الطريق أمام جيش سورية الجديد من المرتزقة والمدعوم أميركياً وبريطانياً، ومنع من التمدُّد من الجنوب باتجاه الشرق. وهي خطوة أراحت الأردن ومليكها صاحب الهلال والأقمار، لكون هذه الخطوة قطعت طريق داعش للانتقال جنوباً، وقد أنتج ذلك رسائل إيجابية من عمّان باتجاه دمشق، وهو بالتالي سيضع معركة تحرير الرقة متداخلة ومتزامنة مع معركة تحرير دير الزور.

التقاء الجيشين السوري والعراقي على الحدود شكَّل ضربةً جديدة لأميركا ولأدواتها الذين حاولوا مرات كثيرة تحجيم الجيش السوري وحلفائه ومنعهم من الاقتراب من الحدود العراقية، إما عبر ضربهم وسقوط الشهداء منهم، أو بتهديدهم وهو الأمر الذي لم يزدْهم إلاَّ إصراراً لمتابعة المسير نحو الهدف.

وحتماً لقد خاب أمل الصهاينة بعد جرعات التفاؤل لهم في قمم الرياض، ومن بعد حصار قطر لتغريدها خارج سرب الإجماع العربي بما خصَّ إيران.

في تلاقي الجيشين يتلاقى من خلفهما كلُّ الحلفاء، ومعه لن تستطيع حرب ست سنوات أن تغيِّر من الواقع شيئاً، فسورية ستبقى ثابتة وموحّدة وسيبقى خيارها الوحيد المقاومة.

وعليه وبوصول الجيش السوري إلى الحدود العراقية صار طريق طهران – بغداد – دمشق – الضاحية الجنوبية معبّداً بعد تثبيت الجيش العراقي والحشد الشعبي مواقعهما وتطهير الجيوب والجحور التي ما زال يختبئ فيها داعش، والذي وُضع بين طرفيْ كماشة بات لزاماً بأن تتَّصل أطراف هذه الكماشة بيد واحدة لتحقيق المشروع المقاوم الواحد المشترك.

في المقابل ولرسم صورة الاعتدال وقَمَره السعودي الخليجي، والذي طالما عمل ودأب جاهداً على ضرب المقاومة وشرعيتها، وبالمناسبة ليست المقاومة الإسلامية فحسب، بل كلّ مقاومة تشهر السلاح بوجه المحتلّ والمستعمر، وهذا ما افتعله نواطير النفط والغاز في المقاومة الوطنية إبان الغزو الصهيوني لبيروت، وتشريع وتغطية حربه عربياً ودولياً.

قمرٌ أراد مواجهة هلال المقاومة ولا يملك غير أداة التكفير والإلغاء سبيلاً له، فجرى تكفير دولة قطر من دون أسباب موجبة، وفرض الحصار البري والجوي والبحري عليها، وطردت العائلات والجاليات من الإمارات والسعودية بما بات يهدِّد ويفكِّك أسراً وبنى اجتماعية، وأُلْقي الحُرم عليها لتغريدها خارج سرب النواطير، وبغضّّ النظر عن رأينا بسياسة دولة قطر وما ارتكبته أدواتها المالية والإعلامية بحق أبناء شعوبنا ودولنا، فنحن نقدّم دليلاً واضحاً على انتهاج مسارات خليجية وسياسات داخل البيت الواحد، وعلى هذه الشاكلة التحريضية وسياسة ترجمة الأحقاد الدفينة، وهو ما سيدفع الدوحة حكماً للارتماء بالحضن الإيراني، تجلَّى ذلك بتصريحات المسؤولين القطريين، ورفض الأمير تميم زيارة واشنطن ولقاء ترامب خشية من احتجاز قسري له وتدبير انقلاب جاهز بأمرائه وملوكه، وزيارة وزير الخارجية القطري موسكو والتمسُّك بتصريحات تدلُّ على عدم الرغبة بتقديم أيِّ تنازل يمسُّ «سيادة» بلاده، وفتح جسر جوي وبحري لإرسال المساعدات والطائرات والسفن الغذائية من طهران الى الدوحة.

سياسات قمر الاعتدال الذي أرادوه في مواجهة الهلال المقاوم، كيف له أن يستمرّ… وهو قائم على الغدر والخيانة والتربُّص والتطاول وسرقة الخزائن وأموال الشعوب الفقيرة؟… فما يجري مع قطر يجعلنا نترحّم ونقبل ونتفهّم ما جرى بحق دولنا وشعوبنا… من دون أن يُثنينا عن الاستمرار في مقاومة المشروع الاستعماري وأدواته…

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى