المسكوت عنه في النزاع السعوأميركي ــ القطري؟

حسن شقير

على ماذا تعاقَب قطر فعلاً؟ «لغاية الآن نحن لا نعلم الإجراءات المطلوب من قطر تنفيذها، لتتمّ المصالحة معنا».

تردّدت هذه العبارة كثيراً، مؤخراً على لسان وزير خارجية قطر، وذلك في معرض بحثه عن الأسباب الموجبة لهذا التصعيد الكبير للمملكة العربية السعودية ضدّ هذه الإمارة المفترض أنها شقيقة.

في تلك الليلة، ومن اللحظات الأولى لبث وكالة الأنباء القطرية، تصريحات نُسبت إلى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والتي اعتبرت في حينه شقاً للصف الخليجي، وخروجاً عن «الإجماع الإسلامي»، وتفريغاً لقمم الرياض الثلاث مع الراعي الأميركي من محتواها، وذلك في ما خصّ العديد من الملفات المتفق عليها.. فإنه، ومن أولى تلك اللحظات الزمنية ومن دون انتظار لتبيان الخيط الأبيض من أسود تلك التصريحات – سارعت المملكة العربية السعودية، وبمختلف وسائلها الإعلامية إلى «نبش الخامر والفطير» في تاريخ العلاقة مع هذه «الدولة المارقة»، بحيث أخذت هذه الحملة تصعيداً متزايداً، على الرغم من النفي القطري لتلك التصريحات المنسوبة لأميرها، فضلاً عن إعلانها تشكيل لجنة للتحقيق حول الاختراق الالكتروني لتلك الوكالة.. ولكن كل ذلك لم يشفع لهذه «الشقيقة الصغرى» وكأن كلّ ما جرى بعدها، كان بمثابة «مؤامرة» دُبِّرت بليل، من أجل تبرير كلّ تلك الإجراءات الصارمة بحقها، والتي كان لا ينقصها سوى إعلان الحرب الشاملة عليها!

في هذه العجالة، لسنا بوارد الاصطفاف، خلف قطر، أو السعودية، ولكن من باب التوصيف لما يُساق من تبريرات، فإن محاولة الاقتناع بأن العلاقة القطرية مع إيران، والإخوان المسلمين، وحركة حماس، وحتى فرضية موضوع الابتزاز الترامبي للثروات القطرية، أو حتى مكافحة تمويل الإرهاب في المنطقة.. فإنّ كلّ تلك الملفات – وإنصافاً للقول – ليست بعيدة عن المملكة العربية السعودية وباقي الدول المستنفرة معها، على حدّ سواء.

لسنا في وارد تكرار التفنيد في كلّ ما اتخذ ذريعةً لمعاقبة قطر، فالمنطق يقول، بأنّ هذه الدولة، شأنها شأن باقي الدول الخليجية، ليست بوارد، ولا تستطيع عصيان «السيّد الأميركي».

إذاً، بالعودة إلى تساؤل الوزير القطري، فهل من قطبٍ مخفية وراء ما حدث؟ وهل يُعقل أن تعاقب قطر على كلّ ما قامت به، وهو ما يقوم به غيرها من الدول الأخرى؟ أم أنه من الممكن أن تكون تعاقب على فعلٍ ألحق ضرراً بالاستراتيجيتين الأميركية والصهيونية، وحتى السعودية في المنطقة؟ وبالتالي، هل ما هو مطلوب من قطر، يمكنها تداركه بعد اليوم؟ أم أنّ السيف قد سبق العذل في جلّ ذلك؟

إذاً، لا بدّ أنّ «الفعل الجرمي» لهذه الدولة، ربما تخطّى كلّ تلك الملفات، والتي كان من الممكن معالجتها، من دون الوصول إلى هذه المرحلة من العقوبات.. فأين تكمن القطبةُ المخفية إذاً؟ إنها – باعتقادي – سورية، والتغريد القطري – التركي، خارج السرب الأميركي، ومن ورائه الصهيوني ومعه السعودي أيضاً.. فكيف ذلك؟

بعد التوتر الذي أصاب العلاقات التركية – الأميركية، وذلك على أعقاب السياسة الأميركية في سورية، والتي كانت قد استبشرت بها تركيا خيراً، بعيد وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وبعد أن تبخّرت الأحلام التركية في إمكانية اصطفاف أميركا – ترامب، إلى جانبها، وذلك في مواجهة وحدات حماية الشعب الكردية، ومعها قوات سورية الديمقراطية، وبعد أن أصابت تركيا – أردوغان، خيبة نتيجة التهليل والتعويل على مشروع ترامب في سورية، بما سُمّي بالمناطق الآمنة.. وبعد فشل المحاولات الأردوغانية كلّها، لوضع تركيا تحت تصرّف ترامب في سورية، وذلك في ما سُمي بعملية تحرير الرقة.. وبعد كلّ هذا وذاك، كان القيصر الروسي، ينتظر أردوغان على مفترق الطريق، فكان مشروع أستانة، وإقامة مناطق تخفيض التوتر في سورية، المسمار الأول الذي تلقته استراتيجية أميركا ومعها الكيان الصهيوني والسعودية أيضاً في سورية، وذلك كان من قبل حليف الأمس، أردوغان «الساخط» على أميركا أولاً وأخيراً.

منذ البداية، ظهر أنّ مسار أستانة، وأد عملياً المشروع الأخطر لأميركا في سورية، وذلك قبل أن يولد، وعليه فإنّ المستفيد الأكبر من هذا المسار، كانت الدولة السورية وحلفاؤها في الميدان، إنْ لناحية تحرير عديد وازنٍ من الجيش السوري والحلفاء، من جبهات متعدّدة، ونقلهم إلى جبهاتٍ استراتيجية أخرى، أربكت، وتكاد تُسقط المشاريع الأميركية في ما خصّ وراثة الإرهاب من جغرافيات انتشار الدواعش فيها، وتحديداً في البادية والشرق السوري برمّته..

وعليه فإنّ قطر «المموّل الرئيس للإرهاب»، بحسب تغريدات ترامب، وتركيا، المنفذ الرئيس لهذا التمويل إلى الداخل السوري، تكاملاً مع بعضهما البعض في ضرب المرسوم أميركياً وصهيونياً، وحتى سعودياً لهذه الدولة.

إذاً، يمكن أن تكون هذه «الخطيئة الكبرى» لقطر، جاءت لتتوّج «خطيئة سابقة»، وفي الميدان السوري نفسه، والتي تمثّلت بعدم قدرة، أو حتى تقاعس هذه الدولة، بعدم قيامها بتسييل «جبهة فتح الشام» ومعها «حركة أحرار الشام» أيضاً، وغيرها من الجماعات المسلّحة الملتحقة بهما، ضمن جماعات تلبسها أميركا ثوب «الاعتدال»، كي تكون تحت إمرة التوظيف الأميركي الخالص لها.

«الحنق الأميركي» الآخر على قطر، تمثّل بفشل الجماعات المسلّحة المرتبطة بها في الميدان السوري، في إمكانية اختراق الجبهات الصلبة للجيش السوري وحلفائه، من حماة، إلى أطراف دمشق، وما نتج عن ذلك، من مسار للمصالحات، ووقف للاستنزاف في هذه الجبهات، والتي كانت في نتائجها أيضاً، ربحاً صافياً لروسيا وسورية وحلفائهم، وذلك على حساب أماني الثلاثي أعلاه.

خلاصة القول، يبدو بأن تفجّر الصراع الخليجي – القطري، وذلك بعيد قمم ترامب الثلاث في المملكة، لم يكن نتيجة تمرّدٍ قطري على بيت الطاعة الأميركي، في ما خصّ العلاقة مع الإخوان، أو في ما يتعلق بالعلاقة مع حماس، أو حتى موقع قطر في استراتيجية ترامب المتجدّدة في عزل إيران، وصولاً ً إلى ملف تمويل الدوحة للإرهاب، والذي اشتركت فيه مع دول عدة مقابلة.. وعليه فإنّ العقاب الأميركي لها، ذا الواجهة السعودية – الخليجية، وباقي الدول الملحقة بهم، كان بفعل مسّ قطري – تركي للمشاريع الأميركية والصهيونية في سورية والمنطقة، وإنْ كانت سمة ذلك كله التقصير والعجز، أكثر منه التقصّد.. ولكن هيهات، فإنّ التاريخ القريب والبعيد يعلّمنا، بأنّ المقصلة الأميركية لا ترحم، وحتى لو كان ذلك مع خُلّص التابعين لها.

باحث وكاتب سياسي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى