النجم سامي أبو حمدان لـ«البناء»: «بلاد العزّ» دراما تؤكّد أنّ الحياة كلّها وقفة عزّ!

حاورته: عبير حمدان

لا يبحث الممثّل سامي أبو حمدان عن الشهرة، ربما لأنه يسعى إلى تقديم شخوص درامية تشبهه، لما يمتلكه من تواضع وثبات الموقف حين يرتبط الأمر بما يؤمن به.

من هنا، برع أبو حمدان في نقل روح الشخصية التي يؤدّيها في مسلسل «بلاد العزّ» إلى الناس بشفافية. وبدا مُقنعاً وقادراً على الإمساك بزمام العمل الذي حقّق نجاحاً تصاعدياً في مواجهة الكمّ الهائل من الطروحات الدرامية المتّكئة على رأس المال الضخم، والترويج الإعلاني المبهر ولعبة «الرايتينغ».

هو تعاونه الأول مع «مركز بيروت»، ولا ينكر أنه جهد لتحقيقه إذ إنّه يرى الجدّية في المادة الدرامية التي يقدّمها المركز، فكان «عبد الله» الفارس الطيّب المتمسّك بمبادئه، والقادر على قلب الموازين بهدوء وثبات. وكان العقل الذي يرسّخ حضور المقاومة ضدّ الظلم. هو ابن هذه الأرض بما تختزنه من كرامة وصمود وعطاء، وبطل من أبطال «بلاد العزّ»، مؤكّداً أن بين تفاصيل السهل الواسع ويومياته، المفهوم الفعلي لعبارة «إن الحياة كلّها وقفة عزّ فقط».

«بلاد العزّ» نقطة التحوّل

بدءاً من مسلسل «الشحرورة»، و«اخترب الحيّ»، و«صبايا 5»، و«بنت الشهبندر» وغيرها من الأعمال، وصولاً إلى «بلاد العزّ»، يعتبر أبو حمدان أن شخصية «عبد الله» هي نقطة التحوّل في مسيرته المهنية. وعن ذلك يقول: «عبد الله» فيه الكثير منّي حين يرتبط الأمر بالمبادئ الإنسانية والموقف الوطني، لذلك لم أجد أيّ صعوبة في تأدية الدور. ولعلّ تركيبة الشخصية شكّلت حافزاً لي كي أقدّمها على هذا النحو لأنّني تعلّقت بتفاصيلها. حين نتمسّك بالوطن ونصرّ على صون الأرض من سطوة المحتلّ، ففي ذلك الكثير من العزّ. لذلك أعلنت منذ يومين على مواقع التواصل أنّ «بلاد العزّ» هو «وقفة عزّ»، لعبد الله ولسامي في آن، كونهما هذا الكلّ المؤمن بفعل التصدّي والصمود ومقدرة العقل على الانتصار ليكون سنداً فاعلاً لمن يحمل البندقية كي يدحر المحتلّ.

لكن، لماذا أتت البطولة ضمن إطار تصاعديّ في العمل؟ يجيب أبو حمدان: الأمر لم يأتِ بشكل اعتباطيّ، بل كان مدروساً. وعن قصد تم تقديم شخصية «عبد الله» بهذا الشكل التصاعديّ، ليظهر مع توالي الحلقات أنه بطل محوريّ في العمل. وما يميّز المسلسل أن القصة لم تطرح الأحادية في البطولة، إذ إنّ كلّ من شارك فيه بطل من موقعه. أحمد الزين بطل في سطوته، وبيار داغر بطل في أسلوبه، وعمّار شلق وعدي رعد وآن ماري سلامة وسعيد سرحان. كل النجوم المشاركين في «بلاد العزّ» أبطال في تجسيدهم الرؤية التاريخية الدرامية التي خطّها الكاتب المبدع محمد النابلسي.

ويضيف في الإطار نفسه: لعلّ «عبد الله» هو «المكّوك» الذي يربط كافة خيوط العمل. وكما رأيتم بدأت الصورة تتّضح تباعاً، وبدأ «نظمي بيك» يكتشف تفاصيل اللعبة التي ستوقعه في شرّ ما اقترفت يداه. وحتى «أمّ عبد الله» بدأت تتعرّف إلى ابنها أكثر وتفهمه على حقيقته. هذه الشخصية التي تتعامل مع الناس بطيبة وذكاء حثّت الناس على التغيير، وأتت لتثبت أنّ السياسة والحنكة جزء من الحرب النفسية، وإذا ما طوّعهما الإنسان الطيّب والمحبّ، يمكنه أن يحقّق النصر ولو بعد حين.

التاريخ والانتماء

وعن الفرق بين الأعمال التي قدّمها «مركز بيروت» وصولاً إلى «بلاد العزّ» يقول أبو حمدان: كلّ عمل قدّمه المركز طبع بصمته الخاصة، ولكن خصوصية «بلاد العزّ» تختلف لناحية تناولها حقبة من تاريخ منطقة بعلبك الهرمل لا يعرفها الكثيرون. وللأسف هناك صورة نمطية متدوالة عن هذه المنطقة تحديداً تسيء إليها وأجزم أنها لا تشبهها. أنا ذهبت إلى بعلبك ووجدتُني كأنّي في قريتي وبيتي بين أهلي وناسي، ولم أشعر ولو للحظة أنني لا أنتمي إلى هذا الجزء من وطني. هذا هو تاريخ بعلبك وهؤلاء هم ناسها لم يتخلّوا يوماً عن مبادئهم وأصالتهم وتعلّقهم بأرضهم. لديهم كمّ هائل من الحُبّ والروح الجميلة والشهامة وهي فعلاً بقاع العزّ.

أما عن سبب اختياره التواجد ضمن إطار دراميّ جادّ ومحارَب في مكان ما، فيقول: نحن اليوم في زمن وسائل الانتشار فيه متاحة. ومهما كان «مركز بيروت» وما يقدّمه من مادة درامية مؤطر في مواجهة طروحات أخرى، لكنه سيصل إلى الناس. ومن لم يتسنَّ له التقاط بثّ قناة «المنار» سيبحث عن العمل على مواقع التواصل الاجتماعي الإلكترونية، ويمكنه متابعته على شاشة «سورية دراما»، ولاحقاً بعد الموسم الرمضاني سيراه على عددٍ من الشاشات. إذا لن يتمكن أيّ أحد من إلغاء هذا الوجود الفنّي والدرامي، وفي النهاية المادة الصادقة ستصل إلى الناس.

لكن، هل شعر أبو حمدان أنه مقيّد في ظلّ الفرضية التي تشيع أنّ الحبّ ممنوع على شاشة «المنار»، يقول: لم أشعر أبداً أنني مقيّد، وليس بالضرورة أن نقدّم الحب بشكل مبتذل كي يقتنع الناس بإحساسنا. يمكننا أن نعبّر عن الحبّ بنظرة وكلمات بسيطة وعادية. ومن جهتي أحترم رؤية الجهات المعنية في قناة «المنار» و«مركز بيروت» في هذا الخصوص، وقد نخسر الكثير إن لم نتمسّك بالأدب والأخلاق في تعاطينا الفنّي والإنساني.

ويلقي أبو حمدان اللوم على العصر الآنيّ في ما يتّصل بحجم انتشار الأعمال التي تخدش العين والسمع وعن ذلك يقول: نحن اليوم في عصر استيراد القصص الدرامية من مجتمعات لا تشبهنا، والحياة فيها الأسود والأبيض ومهما حاولنا مواجهة كل الابتذال المتفشّي، لن نتمكن من إلغائه. للأسف هناك من يرى أن الفنّ والتمثيل عبارة عن مادة ترفيهية وتسويقية فيعمل على تشويه كل المعايير الأخلاقية تحت سقف العرض والطلب. ومن موقعنا كممثلين جادّين نقدّم مادة تناقض رؤيته على قدر ما نستطيع، هو الصراع الأزليّ بين الخير والشرّ ويستمرّ في مختلف مفاصل الحياة وينسحب على الفنّ أيضاً.

إدارة الإخراج هي الأهمّ

ويؤكد أبو حمدان على أهمية الرؤية الإخراجية التي تساعد الممثل ليقدّم أفضل ما عنده، وعن تجربته مع المخرج السوري عاطف كيوان يقول: التزامي مع «مركز بيروت» تم قُبيَل تصوير العمل بأيّام. لذلك لم يكن من السهل الدخول في عمق الشخصية خلال وقت قياسيّ لولا مساعدة المخرج الذي برع في إدارته كافة تفاصيل العمل. ومن هنا أتوجّه بالتحية إلى المبدع عاطف كيوان الذي ساعدني كثيراً كي تخرج صورة «عبد الله» إلى الناس على هذا النحو المقنع. ولعلّ الخبرة التي يمتلكها المخرجون السوريون تدعم نجاح أيّ عمل دراميّ مفترض. والدليل تفوّقهم الواضح في الدراما على مدى سنوات احتلوا فيها الصدارة.

لكن أبو حمدان لا ينكر أهمية الدراما المصرية والتقنية التي يمتلكها صنّاعها، ويشير إلى أنّ الدراما اللبنانية تحقّق النجاح من دون أن نقع في فخّ مقارنتها بالعصر الذهبيّ الذي ارتبط بأعمال مثل «عازف الليل» و«حول غرفتي» وغيرها من المسلسلات التي حفرت في الذاكرة الفنية للدراما اللبنانية.

ويرى أبو حمدان أن مسلسل «بلاد العزّ» يحتمل أن يكون فاتحة لسلسلة أجزاء على هذا النحو وعن ذلك يقول: أحبّ أن أقول عبر جريدة «البناء»، إنّ مسلسل «بلاد العزّ» يحقّق نسبة عالية من المشاهدة. وأنا هنا أتحدّث كابن الشوف، وأجزم أن محيطي بكامله ينتظر ساعة عرض العمل ويتفاعل مع كافة شخوصه ويتوقع أن يكون فاتحة لسلسلة متكاملة تضيء على التاريخ الوطني والحقيقي للمقاومين وتلامس نبض الناس في كلّ جزء من الوطن. ففي كل مكان هناك «نظمي بيك» الإقطاعيّ المتحكّم بمصائر العباد، وهناك «معين» و«عبد الله» و«سعيد» وغيرهم من مقاومي كلّ أنواع الظلم والاستبداد.

من هنا، نفتح النقاش حول المقارنة بين «بلاد العزّ» وعمل آخر قيل إنه يُضيء على منطقة بعلبك الهرمل والقرى الحدودية مع الشام فيقول: التاريخ الذي قدّمه «بلاد العزّ» لا يزال قائماً حتى اليوم، وشهامة أهل البقاع ومروءتهم وعزّتهم لا تزال موجودة حتى اليوم لا بل زادت. وهذه هي الصورة الحقيقية عن أهل البقاع، وأنا «عبد الله» ابن بعلبك في 1920 لم أزل الشخص نفسه في العام 2017 لناحية وطنيّتي وانتمائي. وبكلّ بساطة أنا «بحكي وما بقوّص». أما في طرح درامي مضادّ البطل الافتراضي «بيقوّص». اليوم أنا أرى أن الكلمة أقوى من الرصاص في مكان ما، صحيح هناك نماذج تشبه من يعتمد الرصاص لغة خاصة ليقفل منطقة برمّتها، ولكن من الخطأ تقديمها كمثال يستدعي التهليل له، حين نعمل على تظهير الشخوص الشريرة علينا أن نقدّمها بشكل صحيح كي لا تصبح نموذجاً محبّباً ومقبولاً.

ويختم أبو حمدان بالتأكيد على تمسّكه بالتعاون مع «مركز بيروت» ويقول: أنا مؤمن بما قدّمته ولا أبحث عن الشهرة ولا أشتريها. من موقعي أعرف حجمي وأعرف ما يلائمني، وأجهد لتظهير أيّ دور يُسند إليّ بشكل صادق كي أحافظ على المستوى الذي وضعني فيه «عبد الله»، إذ إنّ سامي أبو حمدان ما قبل «بلاد العزّ»، يختلف عن سامي ما بعد هذا العمل الرائع.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى