ماكرون يقلب الطاولة حول سورية: الرئيس الأسد وحدَه يمنع الفوضى والتقسيم لقاء بعبدا يفتح صفحة التهدئة مع عين التينة… و«الثورة» الكتائبية «انتخابية»

كتب المحرّر السياسي

بينما كان الحدث المفاجئ بسرعته وليس بوجهته الانقلاب الأبيض الذي شهدته السعودية بإطاحة رجل أميركا القوي في السعودية ولي العهد السابق محمد بن نايف، وتسليم ولاية العهد ومسؤولية العرش لوزير الدفاع محمد بن سلمان، كتعويض للملك السعودي عن الفشل في إسقاط قطر، وفقاً للصفقة التي تمّت بين الملك سلمان ونجله مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب أثناء قمم الرياض، جاء الكلام الصادر عن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول سورية ليشكل العنوان الأبرز لمحاور المتابعة والاهتمام الدولية والإقليمية، ففرنسا ماكرون تقلب الطاولة بلغتها الخاصة حول سورية. وهي تعيد كلامها وتقييمها السلبيين بحق الرئيس السوري، لكنها تضيف بلسان ماكرون معادلات الواقعية السياسية لتقول إن لا بديل واقعياً للرئيس السوري إلا الفوضى والتقسيم والدولة الفاشلة، وإنّ الرئيس السوري ليس عدونا، وإنّ مصداقية حربنا على الإرهاب وجديتها تتطلبان الإقرار بأنه شريك هام وضروري للفوز بها.

التحوّل الفرنسي الهامّ يأتي استباقاً لقمة روسية فرنسية في الصيف المقبل تعقب لقاء الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين في ألمانيا مطلع الشهر المقبل، وتسبق ما مهّد له وزير الخارجية الفرنسي في موسكو من إعداد لمبادرة سياسية مشتركة لتعزيز فرص الحلّ السياسي في سورية، وقد كشف كلام ماكرون ماهية المبادرة، فاتحاً الطريق لإطلاق ما تداولته كواليس السياسة الروسية عن مشروع منصة ثالثة تضاف إلى منصتي جنيف وأستانة حول سورية، تستضيفها باريس وتتولى الاهتمام بإعادة الإعمار وعودة النازحين، انطلاقاً من حسابات المصالح الأوروبية الاقتصادية والأمنية والاجتماعية. وتوقعت مصادر معنية بالعلاقات الفرنسية السورية بدء الاتصالات لفتح السفارة الفرنسية بدمشق ليتمّ ذلك في الخريف، خصوصاً بعدما أقفلت سورية باب التعاون الأمني الذي سعت إليه فرنسا في رئاستي نيكولاي ساركوزي وفرنسوا هولاند مشترطة فتح السفارة الفرنسة بدمشق بداية وربط التعاون الأمني بالقنوات الدبلوماسية.

لبنانياً، يأتي لقاء بعبدا اليوم إعلاناً لنهاية فترة التباعد بين رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب التي فرضها التجاذب حول قانون الانتخابات النيابية. وهو تجاذب انتهى بقناعة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ولو تواصلت مواقف رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل الداعية لتعديل القانون، فالقانون بالنسبة للرئيسين انتهى النقاش فيه. والنقاش المفتوح حول الشأن الإصلاحي يجب أن يكون شاملاً وتمهيداً لولادة المجلس النيابي الجديد. وهذا ما قاله الرئيس نبيه بري رداً على طلبات تثبيت المناصفة في نصوص القانون الجديد أو مجلس الشيوخ وهو ما تلقفه رئيس الجمهورية وجعله على جدول أعمال لقاء بعبدا.

تهدئة رئاسية تفتح أبواب الإنتاج النيابي والحكومي هي ثمرة لقاء بعبدا الرئاسية، والحملات الانتخابية التي تمثلها دعوات تعديل القانون أو «الثورة الكتائبية» على لقاء بعبدا وقانون الانتخابات، نشاط سياسي مشروع على أبواب الانتخابات، كما قال مصدر نيابي متابع.

خلوة بين عون وبري على هامش لقاء بعبدا

على وقع التناغم والانسجام والغزل السياسي بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري، تتجه الأنظار اليوم الى بعبدا حيث يُعقد الاجتماع الأول الذي دعا اليه رئيس الجمهورية لوضع الإطار العام للورشة الحكومية والنيابية بحضور الرئيس بري ورئيس الحكومة سعد الحريري، ورؤساء الأحزاب المدعوين لا سيما رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد ممثلاً أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، وزير التربية مروان حمادة ممثلاً رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الموجود في موسكو ووزير الإعلام ملحم الرياشي الذي يمثل رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، كما أعلن أمس من بعبدا.

وأشارت أوساط قصر بعبدا لـ«البناء» أن «الرئيس عون سيلقي كلمة افتتاحية يؤكد فيها الوحدة الوطنية وفتح مرحلة جديدة بين القوى السياسية لتفعيل عمل المؤسسات، كما سيشدد على أهمية التنمية وإطلاق يد وزارة مكافحة الفساد لوقف الهدر والفساد في إدارات الدولة»، ولفتت الى «العلاقة الجيدة بين الرئيسين عون وبري اللذين سيعقدان خلوة على هامش الاجتماع للاتفاق على عناوين المرحلة التي تتسم بالتعاون والتنسيق».

وقالت مصادر نيابية لـ«البناء» إن «لقاء بعبدا اليوم يأتي تتويجاً لمناخ التفاهم على قانون انتخاب جديد على أن يتم وضع رؤية شاملة للمرحلة المقبلة على المستويين النيابي والوزاري لوجود ملفات وقضايا عدة جامدة خلال الأعوام والمراحل السابقة لا سيما العمل على تطوير اتفاق الطائف والإصلاحات المطلوبة، إضافة الى إنقاذ الوضع الاقتصادي من الانهيار نتيجة الازمات المعيشية والمالية التي تواجه الدولة والمواطن».

اعتراض الكتائب على استثنائه

وواصل حزب الكتائب اعتراضه على استثنائه من الدعوة الى الاجتماع وعقد رئيسه النائب سامي الجميل مؤتمراً صحافياً، أشار فيه إلى أنه لو كان مكان الوزراء لاستقال لأن اللقاء الهادف إلى تفعيل عمل الحكومة إقرار بفشلها في إدارة البلد، منتقداً عدم قدرة السلطة على تقبّل المعارضة والرأي الآخر، من دون أن يفوته التعبير عن تمنّيه أن يكون رئيس الجمهورية جامعاً.

بري: لن أقبل أي تعديل على «القانون»

ودعا الرئيس بري الى الاستثمار على الإيجابيات في المرحلة المقبلة، مجدداً تأكيد أهمية إعادة تفعيل عمل مؤسسات الدولة بعد إقرار قانون الانتخابات النيابية. وكرر القول إن هذا القانون هو أفضل ما يمكن، وهو نتاج التوافق الذي حصل بعد فترة طويلة من النقاشات والمداولات.

وقال بري أمام النواب في لقاء الأربعاء: «أصبح من الضرورة اليوم الإسراع في التصدّي للقضايا والملفات الاقتصادية الاجتماعية والمعيشية التي تهم المواطنين من أجل الدفع في مسيرة البلد الى الأمام».

ونقل زوار رئيس المجلس عنه قوله لـ«البناء» رفضه المطلق إدخال أي تعديلات جوهرية على قانون الانتخاب الذي حظي بتفاهم وتوافق سياسي جامع، وبالتالي لا حاجة لزيادة تعديلات عليه، باستثناء بعض الأخطاء الشكلية التي تحتاج إلى تصحيح وتعديل».

محاولة طعن قانوني بقانون الانتخاب

وفي سياق ذلك، اتخذت موجة الاعتراض على قانون الانتخاب منحى قانونياً، حيث يسعى الأمين القطري لحزب البعث العربي الاشتراكي النائب عاصم قانصوه، لتأمين تواقيع عشرة نواب للطعن بقانون الانتخاب، غير أن زوار عين التينة لفتوا الى أن «من حق أي نائب أو مجموعة من النواب تقديم طعن الى المجلس الدستوري وفي حال قبله، سيعود المجلس النيابي لدراسته ويبحث أوجه الطعن ويعيد التصويت عليه، لكن الزوار استبعدوا الذهاب الى هذا الخيار في ظل التوافق الحاصل في البلد، كما استبعدوا تراجع التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل عن موافقته، واضعة طلب باسيل بإضافة تعديلات جديدة بالخطابات الشعبوية قبيل الانتخابات النيابية».

ورجحت المصادر أن تعتمد البطاقة الممغنطة في الانتخابات النيابية المقبلة، إذ إن وزارة الداخلية تعمل على هذا الأمر وتوفير باقي الأمور التقنية والقانونية للعملية الانتخابية.

ولم يحدد رئيس المجلس بحسب الزوار موعد الجلسة التشريعية المقبلة مع دخول المجلس في اليوم الثاني من العقد الاستثنائي، مرجّحة أن يدعو الرئيس بري الى جلسة الاسبوع المقبل والبدء بمشروع الموازنة العامة الذي سيحتاج الى وقت لدراسته والتصويت عليه في الهيئة العامة، ولفتت إلى أن «سلسلة الرتب والرواتب ستكون أولوية لدى المجلس وستقرّ لا سيما وأن مجلس الوزراء فصلها عن الموازنة وقرّر رصد مبلغ من احتياط الموازنة لتغطية كلفتها».

خطة الكهرباء إلى إدارة المناقصات

وطغى ملف الكهرباء وخطة وزير الطاقة لاستدراج العروض المالية المتعلقة باستقدام معامل توليد الطاقة الكهربائية، على نقاشات طاولة مجلس الوزراء الذي عقد جلسته أمس، في بعبدا برئاسة الرئيس وحضور رئيس الحكومة وقرّر المجلس إحالة ملف الكهرباء الى إدارة المناقصات، كما كان يُطالب المعترضون. وتقرّر عقد اجتماع برئاسة الحريري اليوم.

كما قرّر المجلس الإسراع في إطلاق مناقصة إشراك القطاع الخاص في قطاع إنتاج الكهرباء، وإدراج الموضوع الذي رفعه وزير الطاقة والمياه حول هذه المسألة على جدول أعمال أول جلسة لمجلس الوزراء بعد عيد الفطر.

وأوضحت مصادر وزارية لـ«البناء» أن «إحالة خطة الكهرباء إلى إدارة المناقصات جمّد الخلاف في مجلس الوزراء حولها لا سيما بين القوات والتيار الوطني الحرّ، لكن لم يتوصل الى حلٍ جذري»، واستعانت وزارة الطاقة بمستشارين سويسريين، بحسب ما علمت «البناء» لتقييم الخطة من الناحية الفنية والمالية، على أن تقدّم إدارة المناقصات للوزير الذي يعرضه بدوره على مجلس الوزراء خلال فترة معينة لم تحدد لاتخاذ القرار المناسب، وتخوّفت المصادر من أزمة كهرباء خلال فصل الصيف، مشيرة الى أن «البدائل غير كافية لتأمين التغطية اللازمة على الأراضي اللبنانية كافة».

وقبيل دخول الوزراء إلى الجلسة حصل أخذ ورد غير مباشرين بين وزير الأشغال يوسف فنيانوس ووزير الصناعة حسين الحاج حسن. فوزير الأشغال قال «نحن ضد خطة الكهرباء ونأتي لنستمع الى درس في الشفافية وأينما يكون «حزب الله» سأكون معه وسنرى إلى متى سيساير ضد قناعاته». فعلق وزير الصناعة على كلام فنيانوس قائلاً «نحن نتخذ موقفنا وفقاً لقناعاتنا ومبادئنا وبموضوعية».

وقال الوزير جان أوغاسبيان إننا لسنا ضد خطة الكهرباء لكن ننتظر تقرير إدارة المناقصات لإبداء موقفنا النهائي منها.

ولفت الرئيس عون إلى «أن عجز الكهرباء المتراكم بلغ منذ العام 1992 حتى 2016، 33 مليار دولار ولو حُلّت مشكلة الكهرباء أواسط التسعينيات لانخفض الدين الى 42 ملياراً»، أما الرئيس الحريري فدعا من جهته، «لاعتماد مقاربة إيجابية لموضوع تأمين الكهرباء»، معتبراً «أن من غير الطبيعي أن تكون مدة تزويد اللبنانيين فقط 11 ساعة في اليوم، خصوصاً أن الخطة موجودة ويجب تطبيقها».

وأكّد وزير الطاقة والمياه سيزار أبي خليل «التزامه تأمين الكهرباء بأقلّ سعر للبنانيين والدولة»، مشيراً إلى أنّه «إذا لم تكن نتيجة المناقصة بهذا الإطار جيدة بالنسبة للدولة، فلن نرفعها لمجلس الوزراء».

وأضاف أبي خليل: «إذا لم تقر البواخر لاحقاً، فنعم ستكون هناك أزمة كهرباء هذا الصيف».

طابعان تذكاريان لبعلبكي وكرم

وأقرّ المجلس 39 بنداً لا سيما اعتمادات وزارة الدفاع وبعض بنود سفر الوزراء والاعتمادات وقرّر إصدار طابعين بريديين تذكاريين تحية لنقيب الصحافة الراحل محمد بعلبكي ولنقيب المحرّرين الراحل ملحم كرم.

ولم يغب قانون الانتخاب عن مواقف الرئيسين خلال الجلسة، فأشار عون الى أن «هذا القانون الذي قد لا يعبّر عن تطلعاتنا كلها إلا أنه يشكل نقلة نوعية مهمة في مسيرة الحياة السياسية وتحوّل الى النسبية بعد 91 عاماً من أنظمة تقوم على الاكثرية، مع الاشارة الى ان القانون الاكثري اعتمد منذ العام 1926». ودعا الى تنظيم حملة توعية لشرح القانون الجديد للرأي العام ليكون الجميع على بيّنة من تفاصيله وإيجابياته.

وعن موضوع البطاقة الممغنطة وارتباطها بإجراء الانتخابات النيابية المقبلة، أكد عون ان الانتخابات ستجرى في موعدها وأن البطاقة الممغنطة يجب أن تنجز أيضاً قبل ذلك.

أما الرئيس الحريري، فاعتبر أن الإنجاز الكبير الذي تحقق هو أن اللبنانيين أنجزوا قانوناً للانتخاب لأول مرة صنع في لبنان، بدلاً من قوانين سابقة كانت تسقط أحياناً إسقاطاً على السياسيين وتُحدث انقسامات سياسية كبيرة. قانون اليوم نتج عن حوار سياسي لبناني عميق. وهنا أهميته.

..وجلسة حكومية لأمن البقاع

قرّرت الحكومة عقد جلسة خاصة لبحث الوضع الأمني في البقاع لم تُحدّد موعدها، ولفتت مصادر مطلعة لـ«البناء» إلى أن الوضع الأمني في لبنان مضبوط من قبل الأجهزة الأمنية والخطر تراجع الى حدٍ كبير لا سيما الخطر الإرهابي، رغم وجود خلايا وشبكات نائمة ونشطة لداعش والنصرة في مناطق لبنانية مختلفة، لكنها اوضحت ان الوضع الأمني المنفلت في الداخل يكاد يكون أخطر من الإرهاب نفسه، لذلك وضعت الأجهزة الأمنية خططاً مشتركة وتعقد اجتماعات عدة لضبط الحوادث واعتقال المرتكبين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى