لخريطة نهوض توجّه البوصلة نحو فلسطين

لور أبي خليل

أن تكون ظاهرة الإرهاب هي ممثلة الحدث وفي الواجهة الإعلامية لا يعني هذا الأمر أن الإرهاب يمثل الحدث الذي يربطنا بما يجري على الساحة الدولية، لأن تناول الحدث يفترض أن يكون من وجوه مختلفة ومن منظور تآمري على ما يحصل إقليمياً ودولياً. هذا هو الأمر الواجب تفسيره لمعرفة حجم المؤامرة التي تحاك على امتنا.

لذا يفترض بنا أن نطرح التساؤل التالي: ما هي حقيقة الحدث الذي يحصل في مجتمعنا العربي؟

أكد ادغار موران أنه لا يتم فهم الحدث إلا في سلسلة مفارقاته الجغرافية والسياسية والاجتماعية والثقافية المرتبطة بحيثيات المرحلة. وأعني هنا رسم خارطة طريق هدفها تفعيل دور الكيان الصهيوني على الساحة الإقليمية، فأتى هذا الأمر مصحوباً بدور وسائل التواصل الاجتماعي التي تلعب دوراً فاعلاً في تشويه الحدث مما يضاعف من حقيقة جعله حدثاً بارزاً على الساحة الدولية. ففي لبنان مثلاً يمكننا تتبع مفهوم الحدث الحاصل عبر فهم بنية التركيبة للتاريخ السياسي اللبناني التي تفسر على الشكل التالي: ليس هناك تاريخ لبناني إنما تاريخ لسورية الطبيعية الذي تحوّل بعد اتفاقية سايكس بيكو تاريخاً مناطقياً تم تقسيمه بحسب ما اراد الفرنسيون والبريطانيون، فكان الغزو الأوروبي للعالم العربي غزواً تقسيمياً لكيانات عشائرية وطائفية سعت من خلالها الدول المنتدبة إلى زرع فتن وصراعات أدّت إلى إنشاء نزاعات دموية تعرّف بـ»كارثية الحدث». ظهر عندئذ تاريخ جديد قام على أنقاض فلسطين وعلى بناء دولة للصهاينة تحكم العالم بحسب مصالحها وأهوائها.

ومن هنا بدأنا نرى ولوج مرحلة جديدة سقط فيها العالم القديم وسقطت معه البوصلة التي تحرك اتجاهاته فلسطين ، فتحوّلت منطقة الشرق الأوسط الى عالم جديد شهدنا فيه ولادة طفل ذي عاهات مستدامة، واتجه عالمنا الى عالم قادنا الى ما وراء الظلمات وكأنه عالم الأشباح السود والكائنات الممسوخة التي ظهرت منذ العام 2006 وتكللت بالربيع العربي الذي أطلقت عليه كوندوليزا رايس «الشرق الأوسط الجديد» والتي هدفها الأساسي إلغاء هويتنا القديمة واستحداث هوية تدخل فيها شعائر مثل الديمقراطية والحرية والعدالة، فيما تجذب الفاعل الدولي لتبنّيها والتمسّك بها، حتى لو كانت نتائجها سلبية تظهر على شكل حملات إبادة لشعبنا وأمتنا.

فنسأل عندئذ عن معنى الحدث، ما هو؟

الحدث هو اكتشاف خريطة جديدة لمنطقتنا، اكتشاف المكتشف الذي يتطلّب معرفة ما يريده الصهاينة في هذه المرحلة، والذي يظهر في تقديم أوراق الاعتماد من قبل معظم رؤساء دول الخليج الى الرئيس الاميركي دونالد ترامب، فيكون هذا الحدث بحد ذاته جديراً بالمساءلة والاستنطاق طالما أن معظم الدول العربية بكل تاريخها وفتوحاتها قبلت بالتطبيع مع «إسرائيل».

فأصبح عندئذ الشرق الأوسط منزوع الحركة بسبب الغزو الأميركي الحالي لمنطقتنا. وهذا ما عرف بحسب موران «بكارثية الحدث»، لأن نتائجه كانت إلغائية عبر إزاحة فلسطين من الأجندة الدولية. وبهذا يكون التماسك والوحدة بين العرب قد فقدا واستبدلا بنزاعات دموية فتتت العرب، بنزاعات هدمت وألغت الكثير من معالم حضاراتنا وهويتنا لمصلحة الدولة العبرية وخير دليل على ما حصل في تدمر وحلب والموصل واليمن والذي يساعد على تنفيذ مخطط بن غوريون في رسم خريطة الطريق لتوسيع معالم الكيان الصهيوني. والذي يحصل الآن لا يقبله العقل والمنطق، لأنه ينفذ فقط ما خططه الصهاينة في تفعيل دور «إسرائيل» على الساحة الدولية وإبراز قوتها الأحادية في صناعة القرار السياسي في المنطقة. فهذا العدو الغاصب ابتكر مفردات خاصة في حربه على أمتنا، مفردات تدخل في سلّم اولويات الأجندة الدولية مثل محاربة الإرهاب.

وهنا أطرح التساؤلات التالية: أليست مجزرة قانا إرهاباً؟ والمجازر التي حصلت في فلسطين والتي لا تُعرف حتى الآن أعداد شهدائها إرهاباً؟ والإبادات التي تحصل في سورية واليمن أليست إرهاباً؟ ألا يمكن لكل ذلك تسميته بالفضيحة الكونية، إذ يتم إلغاء المعايير الدولية لحقوق الانسان كافة وتحوّل الغازي مستعمراً وتمرّد الابن على الأب والأخ على أخيه والصديق على صديقه؟

هذا هو الحدث الذي بدأ في اتفاقية سايكس بيكو والذي تم تفعيله منذ ولادة الكيان الصهيوني.

هذا هو الحدث الذي لا هدف له إلا الانتقام من شعبنا وإلغاء هويتنا وحضارتنا وثقافتنا. هذا هو الحدث الذي يؤكد أن ثمة مشروعاً انتقامياً من شعبنا يسعى الى تقويض كل البنى القومية ذات الحضور الفاعل في تاريخ منطقتنا. مشروع لا يضمر إلا الكراهية والإلغاء. مشروع سعى ويسعى لتفكيك أمتنا ومجتمعنا وإعادة تركيبه بما يخدم مصلحة «إسرائيل». مشروع اكد فشل القادة العرب في توحيد جهودهم وخططهم، فكانت له تداعيات تفتيتية على المجتمعات العربية أظهرت أحقاداً دفينة بين أبنائها، لأن ثمة هجمة «إسرائيلية» طاغية بضرب الجميع بالجميع. فـ»إسرائيل» تكرّس السياسة المفتوحة على الجميع، ولا تسمح لأحد بالتدخل في رسم سياستها. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه لم يبقَ هناك أي سد منيع تجاه «إسرائيل» إلا سورية ولبنان على الساحة الدولية، لذا يبرز الحدث المتشكّل صهيونياً مشحوناً بالعنف الذي يشمل المنطقة العربية كافة، العنف الذي يؤكد نظرته الماورائية لحماية «إسرائيل». العنف الذي وضع الجميع رهن الإقامة الجبرية حتى ولو كانت المجتمعات متباعدة جغرافياً وثقاقياً إلا انها اتفقت على مصطلح واحد وهو محاربة الإرهاب، فأصبح كل شخص أو هيئة او منظمة او حزب يقاوم ضد «إسرائيل» يمارس العنف والإرهاب. وفقدت الشعوب حقوق في الدفاع عن حضارتها وثقافتها وأرضها، وشبّهت المقاومة بالحركات التكفيرية، لأن هذا المصطلح يخدم فقط الكيان «الإسرائيلي». فالانسان العربي أصبح رقماً لا قيمة له في المجتمع الدولي وأصبح الحدث الأكبر محاربة الإرهاب بمزيد من ممارسة العنف يمارس يومياً على شعبنا وأمتنا.

متى يستفيق الحكام العرب لإعادة توجيه البوصلة ولتحريكها نحو فلسطين؟

دكتورة في العلوم السياسية والإدارية باحثة وخبيرة في شؤون التنمية الاجتماعية ومكافحة الفساد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى