درعا تعود لحضن الدولة السورية… والعلم السوري يرفرف على حدود الأردن لقاء بعبدا: عون نحو الدولة المدنية وحماية الميثاقية… وجعجع يعترض وحيداً

كتب المحرّر السياسي

المنطقة تقترب من خط النهايات في تظهير انتصار محور المقاومة وقواه، مع اقتراب نهاية تنظيم داعش في الموصل وحسم مصير درعا في سورية، وصعود نجم الحشد الشعبي في العراق ودخوله على خط الدعم لقوى محور المقاومة في سورية للمساهمة في حسم معارك دير الزور المقبلة لقول الكلمة الفصل بمصير داعش، وبعدها تسقط التغطيات والمبرّرات التي يتخذها الأميركي لوجوده في سورية والعراق. فالمنطقة ترتسم صورتها تحت ظلال التجاذب الروسي الأميركي المحكوم بسقوف التوافق المرتقب في لقاء هامبورغ خلال أيام قليلة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد نجاحات سياسية وعسكرية روسية بارزة يتصدّرها ما يحققه الجيش السوري في الميدان حيث شكل التطوّر النوعي للمعارك في درعا وبلوغ المفاوضات نهاياتها لصناعة تسوية تدخل الدولة السورية بموجبها إلى المدينة ويرفع فيها العلم السوري فوق المعبر الحدودي بين سورية والأردن، وتتوّج مراحل من انتصارات للجيش السوري استعاد خلالها ربع الجغرافيا السورية خلال الشهور المنقضية من ولاية الرئيس الأميركي رغم الرسائل النارية الأميركية، وتخطّى خلالها الخط الأحمر الأميركي الخاص بمحاولة التصرف الأميركية بالحدود السورية العراقية، ولقي الجيش السوري خلالها دعماً روسياً إيرانياً واضحاً، ولاقته الصواريخ الإيرانية العابرة إلى دير الزور لتسقط خطاً أحمر أميركياً آخر هو حصرية إدارة العمليات شمال غرب نهر الفرات. وهو ما وصفه السفير الإيراني في بيروت محمد فتحعلي بأنه مجرد عينة صغيرة عن مصادر القوة الإيرانية وقدراتها. وكان الإنجاز السياسي الأهمّ لروسيا مقابل التراجع الأميركي، الحصاد الدولي والإقليمي، حيث نجحت موسكو باستقطاب كلّ من أنقرة وباريس إلى أجندتها في سورية التي شكلت أمّ المعارك الروسية الأميركية خلال سنوات مضت، بينما تنشغل واشنطن بمساعي حلحلة الخلافات التي قامت هي بتشجيعها داخل معسكرها الصغير في منطقة الخليج، والتي تهدّد بحروب استنزاف مفتوحة بين السعودية وقطر، لا يبدو همّ أميركا منها سوى المزيد من حصاد المليارات على شكل صفقات سلاح.

هذه الصورة التي سيتوقف أمامها الأمين العام لحزب الله شارحاً أبعادها ومكانة «إسرائيل» فيها، وعجزها عن خوض حرب في ظلها، رغم وقوع حكومات الخليج في براثن تبعية سياساتها. هي الصورة التي ظلّلت لقاء بعبدا الذي دعا إليه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وشارك فيه رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري ورؤساء الأحزاب المشاركة في الحكومة، وتكرّس لمناقشة ورقة عمل قدّمها رئيس الجمهورية تضمّنت الكثير من البنود الاقتصادية والأمنية والإنمائية، لكنها بدت مدروسة وواضحة في سعيها للقول إنّ الرئيس عازم على ترجمة خطاب القسم ومندرجات الإصلاح التي تعهّدها، والانتقال بلبنان إلى الدولة المدنية، بعيداً عن الثنائية التي تبادل اللبنانيون الإحراج المتبادل بها إما سموم الطائفية أو العلمنة الشاملة وبرزت الشجاعة السياسية فيها بإقدام الرئيس عون على تضمينها الدعوة لتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية، كأول رئيس للجمهورية منذ الطائف يفعل ذلك ويستطيع المضيّ بطرحه هذا بحماية رصيد زعامته ومكانته، رابطاً بينها وبين التوازنات الوطنية الميثاقية مطمئناً هواجس القلقين من الطغيان العددي، فاتحاً الطريق للذهاب نحو الانتخابات النيابية في ظلّ عهد لن يتغيّر ولن تتغير ثوابته مهما كانت نتائج الانتخابات، ليدار التنافس تحت سقف التوافق على الأساسيات. وكان اللافت أنّ الاعتراض الوحيد على ورقة عمل رئيس الجمهورية جاء ممّن يفترض أنه الحليف الانتخابي المقبل للتيار الوطني الحر. فقد جاهر رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بمعارضته لهذا البند التأسيسي في خطاب الرئيس واتفاق الطائف وورقة العمل الرئاسية.

بعبدا تستعيد موقعها ودورها

استعادت بعبدا موقعها الجامع والحاضن للمكونات السياسية في اجتماع أمس الذي جمع رؤساء الأحزاب المشاركة في الحكومة، بعد أن فقدت هذا الموقع في العهد السابق وبعد أن همّش الشغور الرئاسي الذي امتد على مدى عامين دورها في الحياة السياسية، ولم تسمح حزمة الملفات والأزمات المتراكمة والمستعصية عن الحل كقانون الانتخاب للعهد الجديد أن يستعيد حضوره ومكانته بسهولة، فأرادت بعبدا أن تخرج من المرحلة الطَّرَفية حيال قانون الانتخاب، حيث أظهرت انحيازها الى أحد الخيارات الانتخابية وتبنّت وجهة نظر أحد الأحزاب.

ولو أن الأمر اقتصر على رؤساء الأحزاب، لكنها كانت أولى طاولات الحوار الوطني التي تعقد في بعبدا في عهد الحكم الجديد للانطلاق قدماً نحو معالجة الملفات العالقة المتعلقة بسيرورة الدولة وانتظامها المالي والإداري والسياسي والدستوري والأمني لا سيما من التعيينات في الإدارات وإقرار الموازنة وسلسلة الرتب والرواتب. والأهم أن لقاء بعبدا شكّل محطة من الوئام السياسي بعد الشرخ الذي أحدثه الخلاف حول قانون الانتخاب، وبالتالي كرّست الرئيس عون «مايسترو» المرحلة وقطب التواصل بين الجميع.

كما رسمت معالم الـ11 شهراً الفاصلة عن موعد الاستحقاق النيابي وقد تكون أيضاً تتويجاً للواقعية السياسية وعلاقة تبادلية بالمعنى الإيجابي بين الأطراف الأساسية.

مصافحة كسر الجليد مع فرنجية

وكسر لقاء بعبدا الجليد بين عددٍ من القوى السياسية المتخاصمة. وكان الأبرز فيها المصافحة الحارة بين رئيس الجمهورية ورئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية الذي طوى صفحة القطيعة مع عون، مبدياً استعداده للتعاون وتلبية أي دعوة يطلبها الرئيس.

وأشار النائب فرنجية إثر انتهاء اللقاء التشاوري قائلاً: «وُجّهت لنا دعوة ولبّيناها. وما من أمر شخصي بيني وفخامة الرئيس»، ولفت فرنجية الى «أننا تحدثنا بأمور تسيير أعمال الدولة والحوار كان إيجابياً».

وأضاف: «رئيس الجمهورية يأمر، وكلما دعاني سأزور بعبدا».

ورفضت مصادر في المردة لـ«البناء» تحميل مشاركة النائب فرنجية ولقاء المصافحة مع رئيس الجمهورية أكثر مما يحتمل، ووضعته في إطار تلبية الدعوة التي وجّهت إليه، «لكن لا يمكن الحديث عن مرحلة أو صفحة جديدة من العلاقة بين الطرفين، رغم أن لا خصومة شخصية بينهما، ولكل منهما مقاربته ورؤيته واسراتيجيته للملفات الخلافية».

وأوضحت المصادر أن قول فرنجية إن «الرئيس بيأمر» لا تحمل أبعاداً سياسية، موضحة أن «النائب فرنجية مشهود له بالاحترام والشجاعة في التعبير التي تميزه عن الآخرين». ونفت المصادر علمها عن «لقاءات ثنائية قريبة ستجمع عون وفرنجية بوساطة جهات معينة، لكن لا مانع من اللقاء».

وأشارت الى أن «الحديث عن التحالفات الانتخابية سابق لأوانه، لكن التحالفات ثابتة مع الحلفاء التقليديين، مؤكدة أن المردة مرتاحة في الانتخابات في الدوائر كلّها.

وعن المصافحة بين فرنجية ورئيس القوات سمير جعجع، أوضحت أنها «ليست المرة الأولى الذي تشهد مصافحة كهذه أو كلاماً، بل حصلت مصافحات أكثر من مرة في لقاءات بكركي، وبالتالي لا يمكن وضعها في إطار انتخابي أو سياسي».

وعلقت مصادر سياسية مقربة من بعبدا لـ «البناء» على اللقاء بأنه «في الشكل والمضون في غاية الأهمية في المعايير والمستويات الميثاقية والإنمائية كلها، ولجهة إعلان النيات للمرحلة الجديدة، وهو أشبه ببرنامج عمل متكامل ليس للحكومة فقط، بل لعمل النظام السياسي ككل ومؤسساته على المستوى القريب والمتوسط». ولفتت الى أن «بنود الميثاق تعبر عن المفهوم الأساسي لمضمون الدستور والمناصفة والمساواة واللامركزية الإدارية».

..وأزالت الغيوم بين بعبدا وعين التينة

وأشارت إلى «أهمية تطوّر العلاقة بين الرئيس عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري نحو الإيجابية وأزالت الغيوم التي ظللت بعبدا وعين التينة أثناء مشاورات قانون الانتخاب. وبالتالي سقطت نقاط الاشتباك واتجهت الى مرحلة من التعاون بعد أن ثبت للرئيس بري أن لا نيات لاستهداف المجلس النيابي أو موقع الرئاسة، بل ذهب رئيس الجمهورية الى فتح عقد استثنائي مفتوح للمجلس النيابي. وبالتالي هذا الأمر يفعّل عمل المؤسسة التشريعية وبالتالي دور رئيسها».

وعن المصافحة بين عون وفرنجية، لفتت المصادر الى «أنها أنهت مرحلة من القطيعة منذ ترشيح الوزير فرنجية لرئاسة الجمهورية، إذ ظهر أن لا خصومة شخصية بين الرجلين، بل خلافات سياسية فقط حول رئاسة الجمهورية. واقتنع فرنجية بأن لا نيات لعزل أحد على الساحة المسيحية، كما توهّم البعض بل قلب الرئيس عون يتّسع الجميع».

وعن التحالفات النيابية، اعتبرت المصادر أن «التنافس الانتخابي حقّ في اللعبة الديموقراطية لكن تحت سقف مبادئ وثيقة بعبدا، لكن لن تكون تحالفات ثابتة بل مرهونة بظروف طبيعة كل دائرة انتخابية وبالتالي تحالفات موضعية وظرفية وليست شاملة.

مضمون الوثيقة

وأبرز ما تضمّنته الوثيقة التي أعدّها الرئيس عون وناقشها المشاركون على مدى ساعتين تقريباً، قبل أن يقرّوها بالإجماع، حيث لم يُسجّل سوى تحفّظ رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع على البند الأول منها، فكان «المواءمة بين الحفاظ على نظامنا الديموقراطي التعددي، والانتقال الكامل نحو الدولة المدنية الشاملة، بما في ذلك كيفية التدرّج من تثبيت التساوي والمناصفة، بحسب الدستور بين عائلاتنا الروحية في حياتنا العامة، وصولاً الى تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية، والتشديد على ضرورة «عدم السماح بأي تلاعب بالهوية الديمغرافية للبنان، ورفض التوطين المعلن او المقنّع»، ومواجهة «أي محاولة لتثبيت أي جماعة غير لبنانية، على أرض لبنان». كما نصّ البيان الختامي للّقاء على «إقرار اللامركزية الإدارية في أقرب وقت».

وفي الشأن الاقتصادي، شدد النص الختامي على «ضرورة وضع خطة اقتصادية شاملة تنبثق منها موازنة الدولة بما يؤمن النمو الاقتصادي ويخلق فرص العمل والإنماء المتوازن»، والعمل لتأمين الكهرباء 24/24.

وقد حضر الاجتماع: الرئيس بري، رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، والوزراء رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي علي قانصو ومروان حمادة، ممثل رئيس حزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الموجود خارج لبنان، ورئيس الحزب الديموقراطي اللبناني طلال أرسلان، ورئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وممثل الأمين العام لحزب الله النائب محمد رعد، الأمين العام لحزب الطاشناق النائب أغوب بقرادونيان، ورئيس «القوات» سمير جعجع.

تحضيرات في «الداخلية» للانتخابات

وبدأت وزارة الداخلية الاستعداد للاستحقاق الانتخابي من خلال الاجتماع الذي رأسه وزير الداخلية نهاد المشنوق لأركان إدارته، وخصصه لـ«بحث التحضيرات الجارية للعملية الانتخابية»، قبل أن يُشدّد إثر لقائه وزير الدولة البريطاني لشؤون الأمن بن والاس على «ان التنسيق اللبناني – البريطاني في أعلى درجاته، ولبنان استفاد من المساعدات البريطانية في تعزيز أمنه وضمان استقراره، وجزء من نجاح الأجهزة الأمنية يعود للمساعدات البريطانية التي لم تتوقف يوماً».

ورحبت كتلة الوفاء للمقاومة بـ»إقرار قانون الانتخاب الجديد ونرى في ذلك خطوة إنقاذية نقلت لبنان الى مرحلة جديدة في الحياة السياسية والقانون الجديد يمثّل نقلة نوعية في مسار تحسين التمثيل».

وثمّنت الكتلة خلال اجتماعها الأسبوعي «إصدار رئيس الجمهورية ميشال عون مرسوم فتح العقد الاستثنائي للمجلس النيابي»، داعية النواب للاستفادة بـ «تفعيل الرقابة على عمل الحكومة من جهة ودراسة المشاريع وفي مقدّمها السلسلة والموازنة».

باسيل: ورقة بعبدا جسّدت مفهوم المناصفة

واعتبر الوزير باسيل أن فرادة لبنان هي بمفهوم التشاركية والمناصفة، وهذا ما جسدته ورقة بعبدا اليوم، مؤكداً أن «النسبية هي الحضن الكبير لحسن تمثيلنا كلبنانيين ونأمل أن تؤدي الى إقرار قانون الدولة المدنية».

وأشار باسيل، خلال الافطار السنوي للتيار في البترون وأشار الى «اننا نحمل الفكر المدني العلماني ونعمل له وعلى طريق الوصول اليه»، مؤكداً أن «كل ما هو مخالف عن المحبة بعيد عن الدين».

ورأى باسيل أن «الدين لم يفرقنا كلبنانيين بل الممارسات السياسية التي نتحجّج به لتحقيق أمور سياسية»، معتبراً أن «المسار الميثاقي الاستقلالي الرئاسي والحكومي وإقرار قانون الانتخاب لم يكن ممكناً لولا الأصدقاء والحلفاء في حزب الله والمستقبل والقوات»، وأمل «أن تسمح لنا النسبية بنواب سنة وشيعة ودروز على صورة التيار ولبنان».

نصرالله يُطلّ اليوم

في غضون ذلك، وفي ظل المناخ التوافقي والتهدوي في الداخل وتزايد سخونة المشهد الإقليمي، يطلّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عصر اليوم لمناسبة يوم القدس العالمي، حيث سيرسم معالم المرحلة في الداخل كما علمت «البناء» وسيبارك التوافق حول قانون الانتخاب ويشجّع القوى السياسية على مزيد من التوافق والحوار والتعاون لتفعيل عمل المؤسسات وسيعلن تأييده ودعمه لجهود رئيس الجمهورية واللقاء الجامع في بعبدا.

كما سيتطرق السيد نصرالله الى الوضع الإقليمي والتطورات على صعيد المنطقة من منطلق المعني بالمعركة الدائرة، لا سيما الغارات الأميركية على التنف وصولاً الى الصواريخ الايرانية على دير الزور.

كما سيتحدث الأمين العام لحزب الله عن ملف الجرود الحدودية مع سورية بعد هجوم فليطا الذي أظهر أن جبهة النصرة لا يمكن أن تكون مصدر أمان، الأمر الذي يؤشر الى أن معركة الجرود لن تتأخر.

كما سيعرّج على الوضع في السعودية من البوابتين اليمنية والبحرينية، فضلاً عن الأزمة الخليجية إضافة الى الملف الفلسطيني والقدس والتهديدات «الاسرائيلية».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى