وفاءً لحماة الوطن

أسامة العرب

ثلاث كلمات تتماهى وشعار الجيش الأساسي: «شرف – تضحية – وفاء» ليبقى العلم مرفوعاً، والوعد للوطن، كي يبقى شامخ الكرامة، والوعد من كل مواطن حر وشريف الانتماء الوطني بوفاء الوعد لهذه المؤسسة العسكرية التي كانت ولا تزال سياج الوطن. فالجيش اللبناني هو مؤسسة وطنية ضامنة للسلم الأهلي وللاستقرار وهي التي من خلال قوتها وتماسكها يمكن لها أن تساعد في بناء دولة حقيقية. دولة تحكم بالقانون والعدل وتكون قادرة وقوية وتستطيع حماية أمنها في الداخل ومواجهة عدوها «الإسرائيلي» على الحدود. هذا الجيش الذي يمثّل في تكوينه وتشكيلته وقيادته، صورة مشرقة لاندماج اللبنانيين في ما بينهم، ويعبّر عن انصهار طاقاتهم وتكامل قدراتهم جميعاً، حول مبدأ واحد فقط، ألا وهو الانتماء الوطني الموحِّد للبنانيين والجامع بينهم.

الجيش رمز الانصهار الوطني الأول، والدعامة الصامتة التي تقدّم وتضحّي من دون أن تطالب بأثمان سياسية أو استثمارات إيديولوجية. إنه الجهة التي تتوزّع فضيلة إنجازاتها على جميع اللبنانيين بالتساوي، لا سيما وأنه يحمل عقيدة واحدة ومركزية، ألا وهي حماية الوطن والمواطنين، يجعل مواقفه وقرارته في المواجهة محل إجماع ومساندة من جميع اللبنانيين من دون استثناء.

يمارس الجيش اللبناني دوراً وطنياً هاماً في التصدّي للتهديدات الإرهابية المحتملة والتي تتمثّل بـتهديدات خارجية، من خلال منظمات دولية تتخطّى حدود الدولة وتنتقل إلى دول أخرى فتسعى إلى تقويض الاستقرار الأهلي وإلحاق الأذى بالمجتمع، لا سيما «إسرائيل» التي تعمل لهدف أساسي في منطقتنا العربية والإسلامية، وتسعى إلى خلق الخلايا الإرهابية لكي تشكّل الرافعة الأساسية لها. ولا بدّ في هذه الأثناء من الإشادة بدور الجيش في نزع فتيل الفتنة الآتية علينا كلبنانيين من الخارج، والإشادة أيضاً بالدور الحكيم لقيادة الجيش التي تمكّنت من إخراج هذه المؤسسة من الحسابات الطائفية والمذهبية الضيّقة. فقائد الجيش العماد جوزيف عون يعمل على مدار السّاعة وعلى الجبهات كافّة، وينزل إلى الأرض حيث ينتشر عناصر الجيش اللبناني، للوقوف إلى جانبهم وتفقّد مراكزهم وإعطائهم جُرعَة دعمٍ وتقديرٍ معنويّ لجهودهم وولائهم ووفائهم للمؤسّسة العسكريّة، وذلك من أجل التمكّن من الاقتصاص من أفراد وشبكات التنظيمات الإرهابيّة التي تتواصل مع بعضها البعض لضرب الأمن الوطني والمراكز التابعةٍ للجيش أو للاعتداء على عسكريين أو لتنفيذ أعمال جرمية مروّعة داخل الأراضي اللّبنانيّة، حيث تحرص القيادة على إلقاء القبض على هؤلاء وهم على قيد الحياة، لما لاعترافاتهم من أهميّة وخيوط تساعد في كشف الرؤوس الكبيرة في الحقل الإرهابي، والعمليّات التي نفّذتها في لبنان، ولا سيّما تلك التي يحضّر لها، بغية إبطال مخطّط إحراق لبنان بالفتنة وإدخاله في نيران المنطقة. الأمر الذي دفع إلى تعزيز الهِبات كجرعةِ دعمٍ إضافيّةٍ لتعزيز القُدراتِ القتاليّة للجيش، من أجل مواصلة مكافحة الإرهاب، والاستمرار في الوقوف بوجه مخطّط الفتنة ومشروع الفوضى المُراد تحقيقه في لبنان على غرار دول المنطقة.

رغم كل التنظير الداخلي والفلسفات الخارجية، هناك تكامل موضوعي وطبيعي بين الجيش وبين المقاومة وبين الشعب وبين المقاومة وبين الدولة. والأمر يكاد يشبّه بالتكامل الطبيعي في تحرير أرض فيتنام بين فييتكونغ آنذاك وبين الجيش الفيتنامي الشمالي، عندما حرروا فيتنام الجنوبية كاملة من الوجود والاحتلال الأميركيين. كما أنّ نقاش الاستراتيجية الدفاعية طيلة العقود المنصرمة على قاعدة التحرير وحماية لبنان شكل من أشكال المواءمة بين الدولة والمقاومة، فهناك تكامل موضوعي بين الجيش والمقاومة، وهذا هو السلاح الوحيد لردع أي عدوان «إسرائيلي». هذا وقد قدّم الجيش اللبناني تضحيات هائلة في أعوام 67، 70، و72، مروراً باجتياحَي 1978 و1982، ثم تصديه الى جانب المقاومة ضد العدوان «الإسرائيلي» في عملية تصفية الحساب عام 93 وعملية عناقيد الغضب عام 96، وغيرها من المحطات المشرفة التي حاك جيش الوطن فيها بدماء ضباطه وجنوده أسمى آيات الشرف والتضحية والوفاء، وصولاً الى مجابهة عدوان تموز 2006، ثم في المواجهة المباشرة في موقعة العديسة عام 2010، فضلاً عن رصد شبكات عملاء العدو وتفكيكها، والسعي لتحرير مخطوفين، والرصد اليومي لخروق العدو «الإسرائيلي» لسماء لبنان، وترسيم الخط الأزرق على الحدود مع فلسطين، والذود عن حياض الوطن كلما استدعى الواجب.

لكن لا تنحصر بالجيش المهام الدفاعية والأمنية المتمثلة بمواجهة الاحتلال «الإسرائيلي» ودعم صمود المواطنين اللبنانيين والتأكيد على الانسحاب الكامل للقوات «الإسرائيلية» حتى الحدود المعترف بها دولياً، والدفاع عن الوطن والشعب ضد كل الاعتداءات، ومواجهة كل التهديدات التي من شأنها أن تعرّض مصالح البلد الحيوية للخطر، والتنسيق مع الجيوش العربية والإسلامية، وفقاً للمعاهدات والاتفاقات المعقودة، والحفاظ على الأمن الداخلي والاستقرار. بل يرتبط الجيش اللبناني ارتباطاً وثيقاً بالمجتمع، من خلال اهتمامه بالمجالات الاجتماعية والخدمات التي يؤديها كتطويق الإشكالات، وحماية العمليات الانتخابية الرئاسية والبرلمانية والبلدية والاختيارية وحتى التظاهرات تحقيقاً لسلميتها، ومداهمة مستودعات الأغذية الفاسدة، ومصادرة الأسلحة المهربة، والقيام بتقديم المساعدات بالتنسيق مع المؤسسات العامة والإنسانية الأخرى، ونشر ثقافة السلام مقابل نشر ثقافة الحرب والعنف التي تشهدها مجتمعاتنا، والمشاركة في نشاطات اجتماعية وتنموية مختلفة لتأمين الراحة النفسية لدى الأفراد بمختلف فئاتهم وأعمارهم وتشجيعهم على الانخراط في عملية مكافحة الإرهاب، وذلك إدراكاً من الجيش بأن الأمن والتوعية عبر تعزيز عمليتي التقارب الفكري والثقافي والتفاعلي والاجتماعي في البلاد توأمان لا ينفصلان. يبقى أن ننوّه أنّ الجيش بالاشتراك مع فرق مختصة من دول شقيقة وصديقة ومنظمات دولية غير حكومية حتى تاريخ 1 أكتوبر 2008 من إنجاز ما يلي: نزع وتفجير 125000 لغم مضاد للأشخاص والآليات، 35000 قذيفة وقنبلة غير منفجرة، 147000 قنبلة عنقودية، و500 قنبلة وصاروخ طيران، و67000 جسم مشبوه، تنظيف مساحة 91 كلم2 من الألغام والقذائف غير المنفجرة، وتنظيف مساحة 38 كلم2 من القنابل العنقودية.

وأخيراً، فمع اقتراب انتهاء شهر رمضان، لا يسعنا إلا أن نذكّر بقضية العسكريين المخطوفين لدى تنظيم «داعش»، ومرارة الحزن والأسى التي يعاني منها الأهالي نتيجة اختطاف أبنائهم وغياب أية معلومات دقيقة ووافية عنهم وعن مصيرهم. وفي حين كانت تجتمع كل عائلة في هذا الشهر الفضيل إلى مائدة الإفطار، إذ بأهالي العسكريين محزونين على غياب فلذات أكبادهم منذ أكثر من 3 سنوات مليئة بخيبات الأمل.

الموضوع لا يحتمل أي تسويف، وهناك أمن الوطن الداخلي والخارجي على المحك، ونحن بدورنا نقف قلباً وقالباً مع المخطوفين والأهالي ونعلم بمرارة فقدان الأحبة والاختطاف، ونعلم بأن الدولة اللبنانية تبذل جهوداً جبّارة لإنهاء هذه المأساة، ونعلّق آمالاً كبيرة في مرحلة العهد الجديد على دور قائد الجيش العماد جوزيف عون ومدير الأمن العام اللواء عباس ابراهيم اللذين يحملان هذه القضية في وجدانهما ويعملان ليل نهار لتحرير المخطوفين، متعاطين مع هذا الملف بكل حزم وجدية، كما نعلّق آملاً على مساعي فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي يتابع شخصياً تطورات هذا الملف من أجل الوصول إلى نتائج فعلية، كما يحمله معه في جميع رحلاته الخارجية، لذا فهل ينتهي هذا الشهر «شهر الأمل والرحمة» بفرحة الأهالي وعموم اللبنانيين بالإفراج عن العسكريين؟

كل الآمال معقودة على ذلك!

محامٍ، نائب رئيس الصندوق الوطني للمهجَّرين سابقاً

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى