أحد الرفقاء المناضلين في سلك الجمارك… حسن رامز الأحدب

كنت سمعت به ثم تعرفت إلى ابنتيه: الرفيقتين منى وفدى، وابنه الرفيق رامز، وقرأت عنه في الجزء الأول من «الاوتوستراد التاريخي والثقافي»، اذ يشير المؤلف الأمين حيدر الحاج اسماعيل الذي اقترن من الرفيقة منى، ان الرفيق الراحل حسن الأحدب كان له دور مهم خدم به الحزب هو والأمين البطل المرحوم خليل دياب عندما كانا موظفين في الجمارك اللبنانية.

للأمين جبران جريج قصة مع والد الرفيق حسن الأحدب عرضها في الجزء الرابع من مجلده «من الجعبة». في هذا الجزء يعرض الأمين جريج كيف انتقل إلى «بتعبورة» في منطقة القويطع في الكورة التي تحولت إلى مركز للعمل الحزبي بعد أن كانت السلطات الفرنسية المنتدبة اعتقلت معظم القياديين في الحزب وأودعتهم معتقل المية ومية.

في المرحلة الأولى تمكن الأمينان جبران جريج ومأمون اياس من الوصول إلى «بتعبورة»، وفي المرة الثانية بعد أن عاد الأمينان إلى بيروت، فاعتقلا، توجه إلى المنطقة الأمينان عبد الله قبرصي و جورج عبد المسيح والرفيق نهاد ملحم حنا.

عن تلك المرحلة كتب الأمينان جبران جريج وعبدالله قبرصي وسنعمم في فترة لاحقة نبذة تعرّف عن دور «بتعبورة» في تلك السنوات العصيبة من اوائل اربعينات القرن الماضي وعن دورها في احتضان مركز الحزب.

بعد أن يتحدث الأمين جريج عن سلسلة الزيارات التفقدية التي قام بها مع الأمين مأمون اياس إلى قرى وبلدات في الكورة، انطلاقاً من «بتعبورة». يروي انه قرر أن تكون الزيارة الثالثة 1 إلى مدينة طرابلس وأن يصطحب معه الرفيق علي الأيوبي من مديرية بلدة «النخلة».

في ما يرويه الأمين جريج، صفحات مضيئة عن كيف كان الأمناء والرفقاء في السنوات الأولى من التأسيس يقطعون المسافات سيراً على الأقدام، ويعرّضون أنفسهم كل لحظة للإعتقال، مع ما يعني ذلك من صنوف العذاب.

زيارة طرابلس

عن الجزء الرابع ـ الصفحات 548 -550، نوجز التالي:

«أمسيت في النخلة عند الرفيق على الأيوبي وأطلعته على رغبتي. استعداداته دائماً حاضرة للتلبية. أبقاني عنده في البيت للنهار التالي لينهي بعض الأعمال، وعند المساء بعد العشاء، انطلقنا مشياً على الأقدام كما كل زياراتنا يسترنا الليل الدامس وشجر الزيتون».

«بعد حوالي ساعتين تقريباً، وصلنا إلى بيت شاكر الأيوبي في محلة «باب الرمل»، فوجدنا الباب موصداً، وشاكراً غائباً، لعله راح يتسوق تبناً لمخزنه من مدينة حمص».

«كان نظام التعتيم ساري المفعول ولذلك فالتجول بعد منتصف الليل ممنوع. كنا بين أن نعود القهقرى من حيث جئنا أو نتدبر أمرنا بإيجاد بيت آخر. فجأة خطر على بال الرفيق علي احد البيوت وتلفظ باسم صاحبه بصوت عال بيت أبو حسن تفضل إتبعني. تبعته. مشينا في بعض حارات محلة باب الرمل ونحن نحسب ألف حساب لوقت منع التجول إلى أن وصلنا إلى مدخل فغشيناه ثم صعدنا درجاً وطَرق الرفيق علي باب الطابق الأعلى. انفتح الباب بعد قليل، وبعد سؤال استفهام عن من الطارق؟ وجواب أنا علي، افتحوا».

«اقتادني الرفيق علي إلى قاعة الضيوف فهو خبير بالمنزل. هو من أهله. قال لأهل البيت «بدنا ننام». في هذه الأثناء حضر «أبو حسن»، تمّ التعارف بيننا. هو السيد رامز الأحدب، تاجر الكلس المعروف في البلد. قلت للسيد أحدب «أنا، جبران جريج، مطلوب من السلطة الفرنسية، احتاج إلى بيتكم للمبيت هذه الليلة وللبقاء فيه طوال نهار الغد ثم استودعكم الله مساء، فهل هذا ممكن وتتحملون هذه المسؤولية؟ أجابني بحماس باد للعيان: مطلوب أو غير مطلوب، مسؤولية أو غير مسؤولية، فأهلاً وسهلاً ولتصبحوا على خير، فأنتم تعبون» وأبدى اعجابه بصراحتي».

«نمنا تلك الليلة بأمان وفي الصباح فارقني الرفيق علي الأيوبي وتركني وديعة غالية في مأمن أبو حسن. ولده حسن لازمني في النهار، هو فتى في مقتبل العمر. تحدثنا كثيراً عن الأمور العامة والأحداث الانترنسيونية. عن الحرب وعن السلم ومركز وطننا منهما. تحدثنا كثيراً مما لم أعد أذكره ولكن الذي ما أزال أذكره أن حسن لم يغادر لحظة واحدة. بقي معي وتناولنا طعام الغداء معاً، وعندما غابت الشمس وأرخى الليل سدوله، رافقني إلى موعد مع الرفيق ألبير مسعد، ناظر مالية منفذية طرابلس. أنهيت شغلي معه وعدنا إلى البيت حيث وجدت خبراً من رسول آخر مكلف بتأمين سيارة تقلّني إلى المقرّ».

«حضر أبو حسن في هذه البرهة بالذات ونحن على أهبة مغادرة الدار، فسأل ابنه حسن الى أين، فلما أجابه لأرافق العميد، انتفض وانتهره قائلاً: أنت؟ لا، لا، أنا ذاهب بمعيته، أنت ما تزال صغيراً لهذه الأمور. إذا صار ما صار، أنا قادر على العراك، على الضرب، على القراع. عد إلى البيت، يا ابني». وملتفتاً اليّ: تفضل يا استاذ، اني جئت في الوقت المناسب، أنا بعدني شاب».

«بينما ونحن سائران إلى لقاء الرسول المكلّف عرض عليّ أبو حسن ما يلي: شوف، يا استاذ، عندي بيت آخر، في باب الرمل، أقرب إلى الضواحي منه إلى المدينة، ساكن فيه شقيقاتي وحدهن، فإذا جاءتك طريق مرة ثانية صوبنا فهذا البيت آمن، لا يخطر على بال أحد أن يتخبأ رجل مسيحي في بيت حريم إسلام. ثم اتبع قوله: لا توفرني، بيتي وبيت اخواتي تحت أمرك، انا كمان وطني».

ودعته وأنا مغمور بفيض من عواطف هذا الانسان، فعلت فيّ فعل السحر. أعطاني «أبو حسن الأحدب» الدليل العملي على صحة هذا الإيمان في أصالة هذا الشعب. وقد خلّف بعده عائلة سورية قومية اجتماعية بدءاً من ولده البكر حسن.

عرف سلك الجمارك اللبنانية حضوراً لرفقاء كان لهم نشاطهم ومسؤولياتهم الحزبية.

ـ الأمين خليل دياب مراجعة النبذة المعممة عنه في قسم من تاريخنا على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info

ـ الرفيق بشور الديك شقيق الرفيق الشهيد ميشال الديك.

ـ الرفيق حسن الاحدب.

ـ الأمين محمد مقلد: عُرف حزبياً باسم محمد الشيخ. تولى مسؤوليات محلية ناظر اذاعة. منفذ عام ومركزية منها ناموس المحكمة الحزبية، يصح ان نعد نبذة تعريفية غنية عنه.

مشاركته في تأمين انتقال الضابط الرفيق محمود نعمة 2 من الشام إلى لبنان.

بعد ان تمكن الرفيق محمود نعمة من الفرار من سجن المزة، كان للرفيق حسن الاحدب دوره في جعل الرفيق نعمة يتمكن من الانتقال إلى لبنان في ظروف صعبة جداً.

في كتابه «مذكرات محمود نعمة» الصادر عن دار «فجر النهضة» عام 1998 يروي الباحث الرفيق جان الداية في الصفحة 35 نقلاً عن الأمين خليل دياب: «جاءني سعيد تقي الدين إلى منزلي في الاشرفية مع نبيه نعمة 3 وقال: محمود خارج المزّة، ونريد منك التوجّه إلى دمشق لجلبه.

ذُهلت. ثم بعد تفكير طلبت مهلة لوضع خطة، تركت سعيد ونبيه في المنزل، وذهبت افتّش عن زميلي في الجمارك حسن الاحدب الذي هو والد زوجة احد المسؤولين المركزيين السابقين في الحزب حيدر الحاج اسماعيل 4 ».

«لما التقيته، قلت له وانا اعلى رتبة منه، مطلوب منك الذهاب إلى دمشق لاعتقال احد المهرّبين وسميته له، وهذا امر مهمة. حاول التملّص. قلت موضحاً، بل مطلوب منك مساعدة محمود نعمة للانتقال إلى بيروت. قال: حاضر. اعطيته امر المهمة وذهب بسيارة وبرفقة احد البرلمانيين الشوام الذي كان على صلة جيدة بسعيد تقي الدين».

«ويضيف الأمين دياب: تركت حسن واتصلت ببشور الديك حيث ذهبنا سوية إلى البقاع وقد رافقنا هناك رفيقان من المنطقة.. وبالطبع كانت معنا اسلحتنا الرسمية».

يروى انه صعد إلى الطائرة التي كانت تقلّ الضابط محمود نعمة عند حضوره إلى لبنان تلبية لقرار الحزب استدعاءه للمشاركة في الثورة الانقلابية، وهو كان ممنوعاً عليه الاقامة في لبنان بعد استبعاده منه، وعدد غير قليل من الرفقاء الشاميين، وبفضل الرفيق حسن لم يمرّ على الامن العام، فتعرّضه بالتالي للمنع من دخول لبنان.

اوقف لمدة يومين اثر الثورة الانقلابية ثم افرج عنه بفضل ابن عمه العميد عزيز الاحدب، وكان يومذاك يرأس الفرقة 16. أحيل إلى المجلس التأديبي، واوقف عن العمل لمدة سنتين.

لم يخضع للكثير من الاغراءات المادية التي يتعرض لها عادة الفقراء العاملون في الجمارك. ذات مرة من مرات، أوقف مهرّباً كبيراً، وكمية كبيرة من المخدرات، عرض عليه مبلغاً مالياً ضخماً. رفض 5 ان ينال وساماً تقديرياً وتهنئة على موقفه.

نبذة شخصية

ـ ولد الرفيق حسن رامز الاحدب في مدينة طرابلس عام 1920.

ـ اقترن من السيدة سعدى جمال الدين ورزق منها: الرفيق رامز، الرفيقة منى عقيلة الأمين حيدر حاج اسماعيل، المعروف باسم عبود عبود ، هدى زوجة رفيق حسن رزق، ليلى، ندى، كفى، المرحومة سلوى، الرفيقة فداء. بعضهن تزوجنّ من طوائف مختلفة بإرادته ـ متخذاً العقيدة شعاراً لبيته ولبيئته.

ـ انتمى إلى الحزب عن طريق الأمين جبران جريج.

ـ انتسب إلى سلك الجمارك خفيراً جمركياً، وخدم في مناطق مختلفة في لبنان والشام.

ـ وافته المنية عام 1997.

ـ وصل في دراسته إلى المرحلة الثانوية.

هوامش:

1 كانت هذه الزيارة الثانية التي يقوم بها الأمينان جريج وأياس إلى فروع في منطقة القويطع منها عفصديق، فيع، بترومين.. أما الزيارة الأولى فكانت إلى كفرحاتا، كفريا وراسنخاش في القويطع.

2 كان الضابط الرفيق محمود نعمة اسيراً في سجن المزّة. قصة فراره منه تشابه الاسطورة، وقد رواها الرفيق جان داية في كتابه «مذكرات محمود نعمة» لاحقاً اعتقل الرفيق محمود اثر مشاركته في الثورة الانقلابية، تعرّض لتعذيب وحشي قبل ان يتم اغتياله. يروي الأمين فؤاد عوض في كتابه «الصراع مع السلطة» ان محمود نعمة قد عذّب إلى ان فقد قواه وعقله، وقد شاهده الملازم علي الحاج امام باب المحقق العسكري كتلة من دم ولحم، ولم يميّزه الا بصعوبة بسبب ما كان على وجهه من تشويه. وفي منتصف ليل احد الايام العشرة الاولى التي تلت المحاولة سمع الملازم علي الحاج حسن جلبة في بهو الزنزانات وشاهد من طاقة انفراده عملاء الشعبة الثانية يأخذون محمود نعمة من زنزانته المجاورة. وقد اجهز عليه هؤلاء ببضع طلقات واخفوا جثته في رمال الاوزاعي.

3 الأمين نبيه نعمة: شقيق الرفيق الشهيد محمود. مراجعة النبذة المعممة عنه على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info.

4 الأمين حيدر الحاج اسماعيل: عرف في الحزب باسماء حيدر عيسى، وعبود عبود. تولى مسؤوليات عديدة ابرزها معتمد استراليا، عميد الثقافة والفنون الجميلة. انتخب لعضوية المجلس الاعلى.

5 روى لي الأمين الدكتور اميل حمود مكارم انه، وكان رئيساً للمختبر المركزي، عُرض عليه مراراً شيكات موقعة على بياض، وليس له سوى تسجيل رقم المبلغ الذي يريده شرط ان يأذن بدخول مواد فاسدة، فكان يرفض ولذلك لم يعرف الثروات.

6 فدى الاحدب: عرفتها في مدينة انابوليس الوسط البرازيلي ناشطة، قائدة لفرقة صنين للرقص الشعبي. متفانية في عملها الحزبي. واستمرت كذلك عند عودتها إلى الوطن فاستقرارها في الكورة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى