واشنطن بين مستحيلَيْن: داعش وقسد

نزار سلّوم

تستثمر الإدارة الأميركية، في وسط سورية وشمالها، في مشروعين اثنين: الأول، مشروع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام داعش والثاني، مشروع قوات سورية الديمقراطية قسد . وإذا كان المشروعان بتوضّعهما وموقعهما يشيران إلى وقوفهما وجهاً لوجه في حالة مواجهة وعداوة، غير أنّ المردود النهائي لفعاليتهما معاً يعود إلى المستثمر الرئيسي الذي يضبط إيقاع هذه المواجهة وفق جدول استثماراته الجيوسياسية.

شكّل مشروع داعش، منذ الإعلان عن وجوده منذ ثلاث سنوات، القطب الاستثنائي الذي تميّز بقدرة جذب استقطابية لاستثمارات جيوسياسية لدول إقليمية وعالمية من مختلف جهات الخريطة العالمية. وهذه القدرة الجاذبة وفرّت للمستثمر الأميركي المالك لحقوق التشغيل والانتفاع البيئة المثالية للوصول إلى نتائج لا يمكن إنجازها من دون هذا المشروع الخاص بإقلاق وتغيير الخرائط السياسية ونقل ملكية ومرجعية مواطن الثروات وطرق الوصول إليها ونقلها إلى الأسواق والتحكّم بكميات استهلاكها وتوزيعها.

لم يكن من الصعوبة على صّناع القرار في الإدارة الأميركية، توفير مختلف العوامل التي تمكن من استثمار مشروع داعش، وذلك استناداً إلى الخبرة العميقة والفريدة التي يملكونها نتيجة استثماراتهم المشهودة مع منظمة القاعدة، تلك الاستثمارات التي وضع فلسفتها الاستراتيجية زبينغو برجنسكي مستشار الأمن القومي الأسبق، عندما تساءل قائلاً: ما هو أكثر أهمية في العالم؟ طالبان أو انهيار الإمبراطورية السوفياتية؟ بعض المسلمين المتمرّدين أو تحرير وسط أوروبا ونهاية الحرب الباردة؟ . وعلى ذلك اعتمد مشروع داعش كأفضل خيار قادر على إقلاق وتغيير وضع جيوسياسي بدا تغييره كضرورة استراتيجية أميركية منذ تفكك الاتحاد السوفياتي وحصار العراق ابتداءً من العام 1990.

لم يستطع مشروع داعش، في أحد، أغراضه من إنتاج نقيضه فصائل إسلامية معتدلة يمكن أن تعتمدها واشنطن في إيجاد مرتسم سياسي لها. وهو الأمر الذي جعلها ترفض دائماً تصنيف المعارضة السورية وفق منهجية فرز الإرهابي عن غيره، كلما طلبت منها موسكو ذلك. كانت واشنطن ولا زالت قادرة على استثمار وضع وأداء هذه المعارضة، لكن من دون أن تتمكّن من تبنّي طرف فيها يمكنها أن تنتجه على هيئة مشروع سياسي… أيّ مشروع سياسي ما؟ آنذاك عمدت إلى سحب الورقة الكردية التي ذوّقتها بألوان إتنية وطائفية مختلفة لتتمكّن من إضفاء صفتي السورية والديمقراطية عليها، فجاء إنتاج قسد، ولكن بطاقة استثمارية محدودة وشديدة الإشكالية والتعقيد. فبدا كمشروع باهت لا استقطابي لا في البيئة المحلية ولا في الإقليمية ولا حتى العالمية.

كان من وظيفة داعش الرئيسية ضرب مرجعية الدولة السورية والعراقية وتغييبها وإنتاج مشاع جيوسياسي يُصار إلى مصادرته ووضع اليد عليه من قبل التحالف الدولي إلى أن يتمّ إنتاج الجهة المحلية التي سيُصار إلى نقل الملكية إليها عبر مشروع سياسي مأمول.

أنتج داعش ما هو مطلوب منه وبسرعة فائقة ووصلت حدود المشاع من شرق بغداد إلى تدمر إلى منبج، لكن من دون أن تنضج في المقابل تلك الجهة التي يؤمل منها أن ترث تلك المساحة الهائلة، فكان أن اعتمدت واشنطن قسد كمشروع نقل بديل في بعض من ذلك المشاع الذي أنتجه مشروع داعش.

في فلسفته ومؤدّاه وفعاليته مشروع داعش مستحيل، بالمعنى السياسي، هو مشروع وظيفي محض، وها هو يعود أدراجه إلى وضعية تنظيم القاعدة بعد هزائمه في شرق حلب والبادية والموصل. المشروع الكردي قسد ، وفق نسخته الأميركية الآن، هو مشروع مستحيل بالمعنى السياسي أيضاً، ولذلك هو مشروع وظيفي محض، ولهذا بالضبط تبدو واشنطن الآن في سورية بين مستحيلّيْن.

ألذلك تحتاج واشنطن بين الفينة والأخرى إلى الكيميائي؟؟؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى