الداعشية السياسية وعلاقتها بتوزيع الحليب والبطانيات

د. رائد المصري

دعونا نبتعد عن الكلام المكرَّر حول توقيت إثارة ملفِّ النازحين السوريين في لبنان، ووجوب إعادتهم إلى وطنهم، وكأنَّ هناك إيعازاً أو قرارات خارجية أو استهدافاً للبنان والمقاومة والجيش، في لحظة تقاطعات إقليمية ودولية يُراد فرضها من أجل تطويع الإرادة الشعبية والقرارات السيادية التي ابتدأنا نخطّها منذ انتخاب الرئيس العماد ميشال عون.

ملفُّ النازحين أو اللاجئين السوريين بكمِّهم الكبير والمخيف في لبنان قد نضجَ واستوى، وحان قطافه وعلى مسارات عدة: فهم باتوا تجمّعات سكنية لا يُمكن السيطرة أو التحكم بها أمنياً في كثير من الحالات، وكذلك عبئاً اقتصادياً وصرفاً للبنى التحتية من دون مقابل. والأهمّ هو ثبات حضور الدولة السورية وتحقيقها الإنجازات العسكرية والميدانية على جغرافيا واسعة واستراتيجية يمكن من خلالها إعادة الذين فرُّوا من الحرب الى لبنان أو الأردن أو تركيا، وفقاً لترتيبات قانونية تُجريها هذه الدول مع الدولة السورية وإداراتها ذات الشأن.

لكنَّ اللافت هو بقاء الخطاب التحريضي من قبل بعض الموتورين من سياسيين لبنانيين والذين استثمروا بالدم السوري وبأبناء سورية المدنيين الآمنين، واستمرار رهانهم على إسقاط الدولة السورية، كما كانت مع موجات الإرهاب الأولى التي عصفت بسورية منذ العام 2011.

الحديث عن ملفّ النازحين السوريين اليوم في لبنان لم يأتِ من فراغ بل فرض نفسه نتيجة عوامل تطوّرت في الوقائع السورية وعلى حركة هيئات منظمات الإغاثة الأممية، التي غالباً ما كانت ولا تزال تدور في الفلك الأميركي ومشروعه التفتيتي عبر نزع الشرعية عن الدول تمهيداً لشنّ الحروب وتشريد الشعوب وإقامة مخيمات اللجوء المترافقة مع البروباغاندا الدعائية وتسعير الحروب الأهلية التي تستمرّ عشرات السنوات.

هذه الشرعية في سورية الدولة والرئيس والإدارة والتي بدأ يتحدَّث عنها الغرب قبل العرب، آخذة مساراتها للتثبيت تمهيداً للحلول السياسية وإعادة الهاربين من أبناء سورية الى وطنهم وتسويات أوضاعهم القانونية وخاصة المطلوبين للجيش أو بمذكرات عدلية، وهناك الأمثلة الكثيرة لدينا عن هذه المصالحات التي جنَّبت هدر الدماء وحماية الناس والعوائل، من هنا وَجَبَ العمل على ضرورة عودة النازحين السوريين إلى ديارهم في المناطق الآمنة والتي عزَّز من أمنها الدولة وجيشها تثبيتاً للاستقرار وحقاً شرعياً في ممارسة السيادة على الأرض السورية. وهي سيادة مُعترف بها أممياً وفي محافل التفاوض من جنيف إلى أستانة وليس انتهاء في أروقة الأمم المتحدة.

أما الباقون من عوالق السياسة حول مائدة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، من أشخاص باتوا يعتبرون مستقبلهم السياسي رهناً ببقاء النازحين السوريين ورهناً بتوزيع الحليب والبطانيات عليهم عبر توزيع الريوع والفتات من قبل المنظمات الأممية. فهؤلاء لم يبقَ لديهم ما يخسروه إلاَّ هذا الاستثمار الرخيص والاستهتار بحياة مئات الآلاف منهم، متناسين أنَّ أشباههم ممّن يسمّون أنفسهم «المعارضة السورية» قد أخلوا لأرجلهم العنان، وطويت صفحة من أسوأ الصفحات السود في تاريخ الإنسانية التي تجسَّدت في الأزمة السورية سواء على مستوى الانحطاط الفكري أو الأخلاقي المعياري أو التآمري بأشكاله كافة.

وبطبيعة الحال هي عدوى لبنانية انتقلت الى بعض الرموز في سورية التي ناصبت الدولة والجيش العداء، ولم تمتنع عن التماهي مع المشروع الاستعماري الغربي والصهيوني في سبيل تحقيق مشروعهم وتسليم سورية والسوريين لأدوات البنك الدولي وموظَّفيه الجُدد في إدارة سياسة البلد على الشاكلة اللبنانية من سوليدير الى حالة الاستقطابات المذهبية التي كرَّسها هؤلاء لضرب المقاومة، وليس انتهاء بتوزيع السلاح أو البطانيات والحليب في خدماتٍ طابعها وظاهرها إنساني مزيَّف، وفي مضمونها الإمعان في شلِّ وحدة الدولة وضرب الجيوش والعمل على تصديع الوحدة الوطنية ونسيجها الاجتماعي.

هي محاولات مستمرّة في مسلسل تكاملي بالهجوم على الجيش اللبناني لتقويض عمله وشلِّ قدراته عبر التشكيك في مناقبية رجالاته الأشداء، ووضع المؤسسة العسكرية وسائر الأجهزة الأمنية اللبنانية أمام معضلات وتساؤلات تجعل من حركتهم صعبة ومكبَّلة، خصوصاً بعدما نفّذت هذه الأجهزة الأمنية العديد من المهمات البطولية في تفكيك شبكات الإرهاب وضرب خلاياها. وهو ما لم يَرق لبعض الموتورين من الساسة اللبنانيين، والذين يجب وضعهم تحت طائلة المحاسبة القانونية تمهيداً لدخولهم السجن، بتهمة تعزيز الإرهاب والتآمر على الدولة اللبنانية والجيش الوطني، وضرب وحدة البلد والمجتمع واستحضار الإرهاب والعنف إلى الداخل. وهي اتهامات تتجاوز أيَّ حصانة قضائية لنائب من هنا أو سياسي من هناك، لأنّ المصلحة الوطنية للدولة وللجيش هي المصلحة العليا، ومعها تسقط كلُّ الحصانات والتعدِّيات على حقوق الناس، حتى لو كانت في سبيل توزيع الحليب والبطانيات على اللجوء والنزوح السوري.

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى