مئة عام من العلاقات الصهيونية الأميركية.. استثمار محاربة الإرهاب.. 3

سماهر الخطيب

ليس لنا من غاية في السرد، فـ»القوة هي القول الفصل في إثبات الحق القومي أو إنكاره»، وإن كان الثمن دماءنا فلتكن الحياة قرباناً لأرضنا السليبة.

إنما نذكر لعلّ بعضاً منا نسي ما حاولت السياسات الأميركية إخفاءه بصبغه بصبغة «القانون الدولي»، فعندما وافق مجلسا الشيوخ والكونغرس عام 1993 على قانون ينص على أنه «من حقائق السياسة الخارجية الأميركية ضرورة بقاء القدس عاصمة موحدة لإسرائيل»، فإننا بالمحراب لهم واقفون، لكوننا أحراراً من أمة حرة.

وإن كانت تلك حقائق السياسة الأميركية كما ادعت فهي باطلة بتأكيدنا وليس ادعاءات وإرهاصات أحلام بدليل أنّ القدس لازالت وستبقى عاصمة قداستنا وجنوبنا المعبّد بمياهها القدسية.

لكنّ محاولات الإدارة الأميركية تابعت مسيرها باسترضاء كينونتها الخبيثة. وفي 14 شباط عام 1997 أثار نتنياهو ما تردد عن مشروع بيع نحو 10 طائرة أميركية «أف 16» للسعودية، معتبراً أنّ إتمام المشروع من شأنه الإخلال بالتوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط، على حدّ زعمه. فما كان لـ بيل كلينتون إلا أن يؤكد لنتنياهو بأنّ واشنطن سترد على مطلب محدد من الرياض لما يضمن المحافظة على مصالح «إسرائيل». كما جدد في هذه المناسبة التزام أميركا وتصميمها الأكيد على ضمان أمن الدولة العبرية كما أشار كلينتون أثناءها بأنّ التعاون العسكري الكبير والقديم بين واشنطن والرياض قد ساهم في الحفاظ على أمن «إسرائيل».

وفي 8 تشرين الأول عام 1997 أعلنت وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت إدراج حزب الله في لبنان ومنظمات فلسطينية على لائحة المنظمات الإرهابية. وهذه المنظمات هي: حركة المقاومة الإسلامية حماس، حركة الجهاد الإسلامي، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة، جبهة التحرير الفلسطينية، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فصيل نايف حواتمة، ومنظمة أبو نضال.

كما رصد موقع mintpressnews في تقريره «النهج الذي تبنّاه رؤساء الولايات المتحدة الأميركية تجاه «إسرائيل» وأغفل الحقوق الفلسطينية».

وذكر بأنّ «الرئيس بيل كلينتون، قد أحاط نفسه بالصهاينة» على حد قول التقرير، بما في ذلك مدير وكالة المخابرات المركزية «جيمس وولسي»، ورئيس البنتاغون «ليه أسبين».

وفي آذار من عام 1993، وفي أعقاب اشتباكات بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين»، أغلق رئيس الوزراء «الإسرائيلي» إسحق رابين الحدود بين الأراضي المحتلة وأجزاء من أراضي فلسطين.

وكان لهذا تأثير كبير على حياة ومعيشة ما لا يقل عن عشرات الآلاف من الفلسطينيين.

واختارت إدارة كلينتون أن تنظر بعين الشفقة والدعم تجاه ما ترتكبه «إسرائيل» من عقاب جماعي بحق الفلسطينيين.

أما في 28 نيسان 1998 فأشاد كلينتون بحرارة بـ»إسرائيل» في الذكرى الخمسين لإعلانها، وقال في احتفال أقيم في حدائق البيت الأبيض: «لقد عشنا إحدى اللحظات المجيدة في تاريخنا بأننا كنا أول من اعترف بـ»إسرائيل».

كما قال كلينتون أيضاً في 16 حزيران من العام نفسه على أثر عملية للمقاومين الفلسطينيين «إنني وباسم جميع الأميركيين أعبّر عن تعاطفي مع الشعب «الإسرائيلي» الذي كان مرة أخرى صباح اليوم هدفاً لعمل إرهابي مشين».

وفي 23 شباط 1999 اعتبر أزريك مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط والذي كان يتحدّث في ندوة أعدّها المجلس اليهودي للشؤون العامة: «أن تحقيق السلام بين سورية و»إسرائيل» يخدم المصالح الاستراتيجية الأميركية في المنطقة».

وفي 13 حزيران من العام نفسه وافقت سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني على تأجيل مؤتمر جنيف حول الانتهاكات «الإسرائيلية» للأراضي المحتلة في خطوة تأتي استجابة لضغوط واشنطن.

وكان الكونغرس الأميركي تبنى بغالبية 365 صوتاً مقابل خمسة أصوات قراراً غير ملزم يهنئ وزارة الخارجية الأميركية على معارضتها للمؤتمر ويدعو الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان وسويسرا إلى رفض تقديم أي مساعدة للمؤتمر.

أما في 20 كانون الأول 2000، فطلب رئيس الوزراء الصهيوني «إيهود باراك» من الرئيس الأميركي بيل كلينتون «العمل لوقف عمليات المقاومة الإسلامية ضدّ قوات الاحتلال الصهيوني في جنوب لبنان».

وفي 30 تموز 2000 هدّد الرئيس الأميركي كلينتون «بإعادة النظر في علاقات الولايات المتحدة مع الفلسطينيين إذا أعلنوا دولة من جانب واحد».

أما إدارة الرئيس بوش الابن، فلم تختلف في تعاملها مع الأمور المتعلقة بـ «إسرائيل» كأسلافه، وفق ما ذكره التقرير السابق.

وكانت بداية سياسته الصهيوأميركية هي «خارطة طريق» مشبوهة لا بل مشوّهة لتخدير الجانب الفلسطيني. وعندما انتخبت حركة المقاومة الإسلامية حماس التي تحكم قطاع غزة منذ عام 2006، أمر الرئيس بوش «بحظر شبه كامل على المساعدات لفلسطين».

هنا لا يسعنا سوى أن نستذكر أحداث 11 أيلول عام 2001

فلم تجد إدارة بوش الإبن طريقة دعم جديدة بعد سلسلة من العلاقات المشبوهة سوى «محاربة الإرهاب» وكانت أحداث 11 أيلول الشرارة التي انطلقت منها نحو المنطقة لتعبث فيها خراباً.

فمن هو الإرهاب الذي تريد محاربته حينها والآن؟ ولماذا لم تصل مع الأمم المتحدة لتعريف محدد حول الإرهاب؟ أليس لمآرب أميركية صهيونية! حتى تسمي المقاومة في لبنان وفلسطين منظمات إرهابية وتضع سورية وإيران محوراً للشر لدعمهما تلك المنظمات.

ومحاولة «إسرائيل» استغلال مفهوم «محاربة الإرهاب»، الذي اكتسب أهمية خاصة في العلاقات الدولية إثر تلك الأحداث، من خلال الربط بين العمليات العسكرية للمقاومة الفلسطينية والإرهاب.

كما أنّ إدارة الرئيس جورج بوش الابن لم تبذل جهداً في إقناع «إسرائيل» أو الضغط عليها لتغيير سياساتها، وانتهى بها الأمر بالاقتناع بوجهة النظر «الإسرائيلية» المتشددة تجاه الفلسطينيين.

وفي السياق نفسه، فقد نشر مجلس الأمن القومي الأميركي تقريراً يؤكد أن الدعم الأميركي لـ «إسرائيل» في عهد أوباما شهد انتعاشاً غير مسبوق سواءٌ على صعيد اللقاءات المتواصلة مع قادة «إسرائيل»، أو من حيث حرص الولايات المتحدة على أن تظل «إسرائيل» تتلقى النصيب الأكبر من المساعدات الأميركية الخارجية.

حيث عارضت الولايات المتحدة 18 قراراً في الجمعية العمومية للأمم المتحدة ضد «إسرائيل» عام 2014. وفي خمس مناسبات كان الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي تعارض إجراءات ضد «إسرائيل» في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، كما شاركت الولايات المتحدة «إسرائيل» والاتحاد الأوروبي في تنظيم جلسة للجمعية العمومية حول ما يُسمّى العداء للسامية كانت الأولى من نوعها منذ تأسيس الأمم المتحدة.

أما في 2017 فكانت المساعي لنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس تمهيداً لإعلانها عاصمة لدولة عبرية…

ويرجع التعاون الأمني بين الولايات المتحدة و«إسرائيل» إلى ذروة «الحرب الباردة»، عندما كان يُنظر إلى الدولة اليهودية في واشنطن على أنها حائط صد ضد النفوذ السوفياتي في الشرق الأوسط ومناهض للقومية العربية.

وعلى الرغم من أن العالم قد تغير منذ ذلك الحين، إلا أنّ المنطق الاستراتيجي للتحالف بين «إسرائيل» والولايات المتحدة لم يتغير. ولا تزال «إسرائيل» ثقل موازنة ضد «القوى الراديكالية في الشرق الأوسط»، كما أنها حالت دون الانتشار الإضافي لأسلحة الدمار الشامل في المنطقة عن طريق إحباط البرامج النووية لكل من العراق وسورية.

إنّ الحرص الذي أبدته الولايات المتحدة على «إسرائيل» نابع من الخوف على مصالحها. وبالتالي فإنّ التوجه كان تكتيكياً، حيث وظفته واشنطن لاستمالة «الدول العربية» للدخول في الحلف الذي أقامته لمحاربة الإرهاب، وما لبثت أن راجعت مواقفها وعادت للتوافق مع المواقف «الإسرائيلية» ما إن تسنى لها تشكيل ذلك الحلف.

وما ذكره الكاتب الشهير نعوم تشومسكي على هذا الوضع بقوله: «لا يسمح لك بالتصويت بطريقة خاطئة في انتخابات حرة. هذا هو مفهومنا للديمقراطية. الديمقراطية على ما يرام طالما كنت تفعل ما تقوله الولايات المتحدة». هو الدليل القاطع على تسلط الأميركي ومحاولة إضفاء القانونية على الجريمة العنصرية.

ولا زال الغيض فائضاً وللدعم الأميركي تتمة..

يتبع..

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى