«جذور سورية»… مدّ وسدّ على خطّ الوطن المنيع

مجدولين الجرماني

في «جذور»، وحدها تهبط السماء من عليائها لتعانق الأرض بلهفة. ذلك ليس صدى الحكاية، إنها ديمومة «الخميس» المعتاد، حيث تقوم قيامة الشعر وتختنق ضفاف الخشبة ببقع الضوء والملوّن على ترنيمات الأوتار، وقت يربك سارد القصة حضوره المتعطّش للقبض على الخاتمة.

وكأنها الولادة التي لا تتوقّف عن زجّ الحياة في الأرجاء. هكذا صارت فعاليات «جذور» الدورية. فكلّ خميس، تلتقي المواهب الشابة المتجدّدة والمميّزة دائماً، مع القامات الباسقة والمتألقة، سنديان الوطن العتيق.

أمس، كان اللقاء صاخباً مع فرقة موسيقية شابة بقيادة الموسيقيّ الشاب ماهر الحسين، إذ أدّت فئة من شباب الوطن وزهوره اليانعين، عزفاً رخيماً على العود والغيتار والأورغ. كذلك قدّموا معزوفة من تأليف الشاب ماهر الحسين. ثمّ موسيقى للفنان العظيم محمد عبد الوهاب والموسيقار فريد الأطرش، فعزف منفرد مترافق مع الغناء.

بعد ذلك قدّم المنهدس حسام غانم قراءات شعرية من ديوانه «حقائب الياسمين» المكتظ عشقاً بدمشق وياسمينها، ومنها:

كلما قلتُ أحبّكِ

زادت شرايين

قلبي طولاً

وتقزّمت همومي

وتعانقت على صفيحات

دمي سويعات الفرح

الغاليات

الخجولة

والعابرات كالشهب

من الأربعين إلى الطفولة

وتزاحمت في خاطري

كلّ الأماكن التي

تعطّرت من عطركِ

وأصبحت الحروف

كنهرٍ من الحرير

تترقرق بعذوبة

بين أناملي

والفراشاتُ الليلكية

تتأرجحُ على الكلماتِ

وتتنقلُ عجولة.

وقد شارك في هذا اللقاء، ضيفاً، نسيب سليمان، حيث قرأ بعضاً من نتاجه الأدبي، وتركت قصصه القصيرة جدّاً شيئاً من الدهشة في وجدان الحضور.

وفي ختام الأمسية، أُعلِنت من جديد قيامة الشعر، ذاك الذي تطرب له القلوب وتهفو له الأرواح، الشعر الذي يفيض ثقافة، تحفر صخر الكلمات بمبضع جرّاح حاذق، يعلم كيف يستخدم مشرطه ليزن دفة الكلام.

ومن غير ابن الكلمة والخشبة، الأديب والفنان المخرج مشهور خيزران، صاحب رغيف الفقراء، الفنان الذي اشتهر بِاسم «ملحم أبو مالحة» الشخصية المميزة التي دخلت كل قلوب السوريين قبل بيوتهم، والذي حلّ ضيفاً مكرّماً على «منتدى جذور سورية الثقافي» صالون سعد الله ونوس الأدبي التاسع والثمانين. ومما قرأه خيزران:

قال: لمن تكتبين الشعر؟

قالت: أنا لا أكتبه… بل أكابده.

قال: ظننت أنك تكتبينه لي.

قالت: بلى أكتبه لك لأنك مكابدتي.

قال: كلّ الرجال قالوا إنك تكتبين الشعر لهم جميعاً.

قالت: نعم، ومن قال غير ذلك؟ وهل هناك في الورى شاعرة تنزف على الورق قصيدة الهيام لامرأة مثلها؟

قال: ما مساحة قلبك ليتّسع لكلّ الرجال؟ هل أنت نحلة تحطّ على كلّ الزهور في آن؟ الحبّ في وحدانيته.

قالت: الآن بلغت بي إليك، وليعلم الشعر أن كلّ الرجال تراهم قصيدتي في عينيك.

قال: عانقيني إذاً.

قالت: حرّر خاصرتي أوّلاً من احتلال قبضتيك. وأطلِقْ سراح شفتَيّ من سجن

شفتيك. بعدها سأسقط لساعات مغمى عليَّ، وتفرّ بي هارباً متوارياً، تخبّئني

تارةً في صدرك، وتارةً بين هدبَيْك. لا تَلق بالاً، قصيدتي عصفورة صنوبر، إذا ما الليل جُنّ، لا تبيت إلا على ساعديك!

كاتبة سورية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى