العقل الكبير والقلب الأكبر لعظيم الأمة

ناصر قنديل

– عندما غصّت الدمعة في مقلة السيد تدحرجت على خدود الأمهات والآباء مثلها، وعندما تحشرج الصوت في حنجرته صدحت الحناجر له بالدّعاء، وعندما كشف قلبه لمرة تشبه نداءه لأحبّته في حرب تموز بأحبائي، أقبّل أياديكم وجباهكم وأقدامكم، مخاطباً المقاتلين وأسرهم وأحباءهم، كباب للفرج من الكرب وسيف بتار يشقّ الدرب، جنّبنا الذلّ والهوان في كلّ زمان ومكان، عندما قال السيد بأيّ كلمات أصفكم وأصف محاسنكم، صار السؤال بأيّ الكلام يمكن وصفه ووصف مقامه ومقاله وموقفه وموقعه؟

– سامح كلّ الذين تطاولوا وتمادوا، وترفّع عن الردّ على الإساءة وقد بلغت حداً لا يُطاق، منح من يفترض أنه العباءة التي يلتحف بها الشتامون بحق المقاومة، فرصة إنهاء زيارته لواشنطن كرئيس للحكومة، حتى يردّ بعد عودته على الكلام الأميركي بحق المقاومة، بينما لم يمنح نواب كتلة المستقبل الشهداء فرصة أن يجفّ التراب فوق جثامينهم الشريفة، قبل أن يعبثوا بجراحاتهم وينكلوا بتضحياتهم، حتى الذين يقاتلهم من الإرهابيين الذين أرسلوا المفخّخات والانتحاريين إلى مناطق لبنان كلّها، خصوصاً إلى حيث اكتظاظ جمهور المقاومة، قال لهم لا نحتاج إلى المزيد من الانتصارات ولا يزال الباب مفتوحاً لتتابعوا مفاوضاتكم مع الجهات الرسمية، لكن الوقت ينفد، ولعائلاتهم قال أنتم بأمان مهما كانت النهاية حسماً أم حلاً، فلسنا من أهل الذبح والسبي ولا ممّن ينال من الأبرياء.

– أما في السياسة فقد كان السيد واضحاً، نحن جاهزون لتسليم كلّ الأرض التي حرّرناها للجيش اللبناني عندما يبلغنا أنه جاهز لذلك، ليتمكّن أهل عرسال وأصحاب المزارع والأرض من العودة إلى أرزاقهم، فهل سيقرأ الذين تسرّعوا بالتطاول والاتهام ويُعيدون النظر بما ارتكبت ألسنتهم من آثام، ومع نصوع بياض المواقف هل يتراجعون عما دنّس حبرهم على البياض، فإنْ كان قلبهم على الدولة وسيادتها هل يكفي ما قيل ليطمئنوا، أم أنّ الحقد والكيد أقوى مما تعقله العقول وتستوعبه القلوب؟

– توقّف السيد أمام الذين احتضنوا وساندوا، وقدّر جميل ما فعلوا، ورأى فيهم علامة تحوّل في المناخ السياسي والشعبي والإعلامي، وشدّ على أياديهم ومنحهم بما قال المزيد من الأسباب لتثبيت المواقف لتصير قناعات، وتكون بأيديهم وعلى ألسنتهم أسلحة يجابهون بها كلّ متربّص ومسيء، وسيبني هؤلاء إعلاميين وسياسيين وناشطي رأي عام على كلام السيد ما يزيد لحمتهم بالمقاومة ويكتشفون كيف كان سوء الظنّ بها من الفتن، وسيُعيدون قراءة الخطاب ومقابله يضعون السباب، ويعرفون طريقاً لن يتركوه يوماً، ويصمّون أذناً منحوها لليمين واليسار، فسمعوا كلام سوء يكتشفون اليوم، كم هو ظلم وافتراء وكيد وأحقاد عمياء… كي لا نقول أكثر.

– أسّس السيد في خطاب أمس تجديداً وتطويراً لمدرسة التحرير التي افتتحها مع شهداء ومجاهدي المقاومة عام 2000 بخطابه التاريخي وإدارته الاستثنائية، بالتسامح ومدّ اليد وإهداء النصر للشعب والدولة والجيش، ولمن لم يسعفهم الزمان أو المكان في إدراك معانيها، ها هو خطاب اليوم يقدّم لهم التعريف الوافي لمَن يقف بلا مقابل يبذل التضحيات لرفعتهم وكرامتهم وعزتهم.

– مقاومة ترفع الرأس وتحفظ الكرامات حتى كرامات الذين تقاتلهم ببسالة وصلابة وثبات. مقاومة بقوة ما تمثل والأخلاق التي تحمل يفتخر اللبنانيون بانتسابهم إلى الوطن الذي تبذل الغالي والقاني لتفديه… وقد استحققتَها بجدارة يا سيّد… روحي فداك… بأبي أنت وأمي ونفسي، كيف أصف حسنَ ثنائك واللسان عاجز عن مدحِك، وبك أخرجَنَا الله من الذلّ والهوان والضعف والخوف والهزيمة…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى