في عيد الجيش.. طائر الفينيق يحلّق عالياً

سماهر الخطيب

في الأول من آب يضيء الجيش اللبناني ــ السوري الشمعة الثانية والسبعين لميلاده، كانا جيشاً واحداً قبل «سايكس بيكو».

الأول من آب، ميلاد العزة والكرامة، ميلاد ولد من رحم المقاومة، وميلاد وطن أبى أن يكون إلا قرباناً لحريته واستقلاله.

هذا الجيش الذي أذهل العالم بثباته وشجاعته وإقدامه في الذود عن الوطن والتصدي لمجموعات إرهابية تكفيرية، سيقت على يد أعداء الإنسانية مزوّدة بمختلف الأسلحة بما فيها المحرمة دولياً، للعدوان على أرضنا.

هذا الجيش الذي كان موضع رهان وتشكيك حول تماسكه وصموده، قبل الحرب الإرهابية على أرضنا، وأصبح اليوم مدار الحديث حول قدراته وإمكاناته، لا بل حول إنجازاته وبطولاته، وأكثر من مجرد رهان فقد أصبحت ساعات العالم أجمع تربط عقاربها على وقع الميدان المفعم بالانتصارات والتضحيات.

جيش ما برح القتال يوماً وما هاب الموت، إنما هاب الحياة أن لم تكن حياة عز وفداء.

جيش، شعر بأنّ المهمة شاقة وطويلة، لكنّه رحّب بها، وقام بواجباته ومسؤولياته بشجاعة قلّ نظيرها في التاريخ الحديث رغم كل محاولات التهويل والتشويش والتشويه التي استهدفته من يهود الداخل والخارج، إلا أن ذلك لم يثبط معنوياته أو يثنه عن أداء واجبه ومهامه القومية، منطلقاً من إيمانه بقضيته التي يقاتل من أجلها وضرورة الحفاظ على أرضه ووطنه الواحد الموحّد، وعلى صون قرارها المستقل وكل ما يتصل بسيادتها، ومدافعاً عن ثوابته القومية والوطنية التي تربّى عليها مهما كلفه ذلك من تضحيات.

هذا الجيش الذي شرّف التاريخ بمحطات خطت بدمائه الطاهرة، كما اليوم في حلب ودير الزور والرقة وجرود عرسال وريف حمص الشرقي وحماة والغوطة وكل شبر من أرض الشام ولبنان، لصالح قضاياه القومية والوطنية، فحُقَّ له أن يطلق عليه نواة جيش الوطن وجيش الأمّة الأول.

لقد تعزّزت النظرة للجيش، في لبنان والشام، داخلياً وخارجياً، بعدما جيء بهذه الذئاب البشرية إلى الأرض السورية، من أجل القتل والخطف والسرقة والترهيب وتدمير الحضارة التي امتدت لآلاف السنين، فاستبسل في التضحيات وكان كطائر الفينيق محلقاً فوق سماء الوطن ليحميها من كل الأخطار التي تربصت بها.

إنّ مناقبية هذا الجيش العالية قد ترجمت بصور مختلفة، على أرض البلاد كاملة، بمكوناتها وفسيفسائها النسيجية المجتمعية كافة، ومنها سلوكه الإنساني في التعامل مع المدنيين، واستبساله في حمايتهم من الإرهابيين الذين اندسوا بينهم، واسترخص حياته، فكان عطاؤه بلا حدود، من أجل أن تحيا سورية بأمان وعزة وكرامة، وأثبت أنه جيش قادر، وأنه جيش أخلاقي، قبل أن يكون جيشاً عقائدياً، فكان يعلم دائماً القاعدة الذهبية بأنّ «الأخلاق هي في صميم كل نظام يمكن أن يُكتب له أن يبقى».

وبعد سبع سنوات عجاف، بما حملته من إرهاب وحروب ومعارك ضارية، ومآسي وويلات، أنه كان من البديهي بأن يجود بالنفس والعمل الدؤوب من دون «استراحة محارب»، أن يعتلي مكانة عالية في النفوس الحرة، ويكسب دعم وتأييد الشعب الذي كان الحاضن له والركيزة الكبرى لصموده وانتصاراته على مدى سنين الحرب، بعدما أثبت انتماءه لبلده وشعبه.

لقد كانت هذه الحرب التي يخوضها بواسل ونسور الجيش السوري واللبناني، بمثابة اختبار قاسٍ له ولقدراته، حيث استطاع النجاح والثبات فيها، كما استطاع تطويعها والتأقلم معها بشكل تعجز عنه كبرى الجيوش العالمية النظامية.

هذا الجيش الذي تمكّن من أن يحجز لنفسه، وعن جدارة مكانة بين الجيوش العالمية، بل ويجعل أعتاها قوة وعداوة له، يفكر ملياً قبل الإقدام على المس بأيّ من أهدافه أو مواقعه أو وطنه، بشكل مباشر، لأنّ التكلفة ستكون باهظة الثمن. وهذا ما أكده قائد القوات الأميركية المشتركة الجنرال «مارتن ديمبسي».

واليوم، كما الأمس من حق هذا الجيش العظيم، في عيده السنوي، أن ننحاز إلى جانبه أكثر، ونعتنقه أكثر، بعد اجتيازه للامتحان المرّ الذي فرض عليه من عملاء الداخل وأعداء الخارج.

هذا الجيش الشجاع يخوض هذه الحرب بالنيابة عن العالم أجمع عموماً، بخاصة من يزعمون أنهم عالم «حر»، بدفاعه عن القيم الإنسانية والروحية والأخلاقية الحقيقية من دون التنازل عن الثوابت والمفاهيم التي حاول أعداء الإنسانية تشويهها، تحت مسميات وشعارات باسم الحرية ونشر مبادئ الديمقراطية، بما يخدم أهدافهم الاستعمارية التوسعية.

فلولا هذه التضحيات الجسام التي مازال يقدمها أبناء المؤسسة العسكرية العظيمة بمبادئها وقيمها السامية والنبيلة لما كنا وما كان الوطن. بل آمنوا بأنّ الحياة وقفة عزّ لا بدّ مـن أن نحياهـا لمـن أراد أن يحيا بعزة وكرامة.

هذا الجيش فيه قوة لو فعلت لغيرت وجه التاريخ، وها هي تفعل وتغيّر وتبدّل موازين القوى، ولذلك نُعلي كل هذا الجهد والعطاء الذي تنحني أمامه القامات وتتواضع أمام عظمته الكلمات.

ولا بدّ من تقديم كل ما يمكن تقديمه من دعم مادي ومعنوي وبشري عبر الالتحاق بصفوفه والتشجيع عليه من أهلنا الشرفاء. وهذا ما يمليه الواجب الأخلاقي علينا تجاهه، ولأنه كما قال الرئيس بشار الأسد: «إذا أردنا من الجيش أن يقدّم أفضل ما لديه فعلينا أن نقدم له أكثر ما لدينا».

فنحن لا نريد الاعتداء على أحد، ولكننا نأبى أن نكون طعاماً لأمم أخرى. إننا نريد حقوقنا كاملة ونريد الصراع مع المصارعين لنشترك في إقامة السلام الذي نرضى به. لذلك لا بدّ أن يكون لنا جيش قوي يكون ذا وزن في تقرير مصير الأمة والوطن.

ولا تكفـي هنـا الدعـوات والصلـوات لــه بالنصـر الــذي نثق بأنه آتٍ على يديه مدعوماً من شعبه ومشفوعاً بما قدمه من دمـاء وبإيمـان الجيش بـه وبقضيـته التي يحارب وحوش الأرض من أجلها. كلنا نموت، ولكن قليلين منا مَن يظفـرون بشـرف المـوت مـن أجـل مبـدأ وعقيـدة.

وإن على ما حققه هذا الجيش العظيم وما سيحققه ستبنى خارطة عالم جديد. من هنا، من قلب دمشق، ومن قلب بيروت، تحية للسواعد التي تخوض حرب الوجود والهوية، وتعطي دروساً في الولاء والانتماء، وسلام عليه وله اليوم وغداً وكل يوم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى