حسن حردان

حسن حردان

يُلاقي انتصار المقاومة على تنظيم جبهة النصرة الإرهابي في جرود عرسال، بالتعاون والتنسيق مع الجيشين السوري واللبناني، انتصار عام 2006 على جيش الاحتلال الصهيوني، وانتصار الشعب الفلسطيني على الإجراءات التعسّفية الصهيونية في القدس والمسجد الأقصى. لكن هذا الانتصار الجديد والهامّ في دلالاته والنتائج التي تمخضت عنه، ما كان ممكناً لولا الانتصارات التي حقّقها محور المقاومة ضدّ القوى الإرهابية التكفيرية وإسقاط المخطّطات الأميركية في سورية، ولولا مسارعة المقاومة إلى التصدّي المبكر، استباقياً، للقوى الإرهابية في سورية والسلسلة الشرقية من جبال لبنان وفرض الحصار المحكم عليهم، ودرء خطرهم عن لبنان واللبنانيين، وإحباط مخطّطاتهم التي استهدفت تحويل لبنان إلى عراق ثانٍ.

هذه الانتصارات والإنجازات أوجدت موازين قوى ووفّرت ظروفاً مواتية في لبنان لمصلحة تحرير الجرود اللبنانية من الإرهابيين المحاصرين وإنهاء خطرهم الجاثم على لبنان وسورية، لا سيما بعد انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وتطبيقه سياسة شنّ الحرب الاستباقية ضدّ الإرهابيين، وتوفير الغطاء السياسي من أعلى هرم في الدولة اللبنانية للجيش اللبناني، بالتعاون والتنسيق مع المقاومة لتحرير هذه الجرود. لذلك لم يكن بمقدور القوى، التي وفّرت الغطاء للإرهابيين وحوّلت لبنان في بداية الحرب الإرهابية على سورية إلى منطلق لهم لشنّ هذه الحرب، لم يكن بمقدورها إعاقة قرار تحرير الجرود ووضع حدّ لاستمرار تلاعبها بمصير لبنان وحياة أبنائه خدمة لمخططات الدول الأجنبية الحليفة لكيان العدو الصهيوني. ففي حين غطى الرئيس سعد الحريري مشاركة الجيش اللبناني في عملية تحرير عرسال والجرود، اضطرت قيادات عدة من 14 آذار الى مسايرة المناخ الشعبي العارم في احتضان وتأييد الجيش والمقاومة في هذه الحرب الوطنية ضدّ الإرهابيين، منها مَن صَمَت، ومنها مَن أطلق مواقف دعم خجولة لاقت تأنيباً من السفارة الأميركية. ولم يجرؤ على اتخاذ مواقف نشاز سوى قلة، حتى لوحظ أنّ بعض الوسائل الإعلامية، التي لم تقف يوماً إلى جانب المقاومة، أيّدت ما قامت به المقاومة من جهود وتضحيات في سبيل الدفاع عن الوطن والشعب.

طبعاً هذا المناخ الوطني كرّس ورسّخ، على نحو كبير، معادلة النصر، جيش وشعب ومقاومة، فظهر لبنان مجدّداً موحّداً قوياً بهذه المعادلة الذهبية، مما وجّه صفعة قوية لمخططات العدو الصهيوني الذي طالما سعى لإثارة الفتنة للنيل من هذه المعادلة التي هزمته في لبنان وألحقت به الذلّ وبجيشه العار.

في ظلّ هذه الأجواء والمناخات الوطنية المؤيّدة للجيش والمقاومة، أطلّ السيد حسن نصرالله ليعلن إهداء النصر لجميع اللبنانيين وليدعم ويعزز هذا الإنجاز الوطني الهامّ ويُعيد تذكيرنا بإطلالات النصر على العدوان الصهيوني في تموز 2006، ويقدّم نموذجاً متقدّماً في الوطنية والأخلاق الثورية واحتواء أيّ تناقضات داخلية، قاطعاً الطريق على أيّ محاولات لتشويه النصر أو النيل من قيمته الوطنية الكبيرة، خصوصاً عندما أكد ضمان حماية أهلنا في عرسال وسلامتهم وطمأن عائلات المسلحين من النازحين الى أنّ المقاومة حريصة عليهم. فالمقاومة تملك قيماً وأخلاقاً، وهي لا يمكن أن تكون ثأرية أو انتقامية، لأنها صاحبة قضية عادلة، وتهدف الى تحقيق أهداف وطنية سامية. وهذا ما يميّزها عن الإرهابيين والعدو الصهيوني الذين يرتكبون الفظاعات ضدّ الإنسانية بحق المدنيين. وجعل من المقاومة محط تقدير واحترام الأعداء قبل الأصدقاء، وهو ما جعل من السيد حسن نصرالله قائداً كبيراً يحظى بهذا القدر الكبير من الصدقية والاحترام، كما كلّ القادة الثوريين الكبار في العالم. بفضل حكمته وبراعته في إدارة المعركة والصراع جعل من نصر المقاومة نصراً وطنياً دُفن إلى غير رجعة نظرية قوة لبنان في ضعفه، وبات لبنان قوياً في مقاومته المنتصرة بالاستناد إلى التكامل والتنسيق مع الجيش الوطني اللبناني واحتضان ودعم الشعب لها.

هذه المعادلة المنتصرة، التي فرضتها المقاومة، هي التي دفعت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية إلى الإقرار بأنّ «لبنان قبل حزب الله «فريسة حتى للأرانب». وبعد حزب الله «قوة ندّية» تكتب مصير الشرق الأوسط مثل أميركا وروسيا وبقية القوى الإقليمية الكبيرة… وأنّ مكاتب سياسات الشرق الأوسط في أميركا تنظر بدهشة للقدرات البشرية والتكتيكية لمقاتلي حزب الله في الجرود المعقّدة بخلفية أنّ قوة مقاتلي حزب الله أضحت نموذجاً مدهشاً بنظر أكبر قيادات جيوش العالم.

أليس من الواجب، بعد كلّ ما صنعته المقاومة، من انتصارات وعزّ للبنان واللبنانيين والعرب، أن يفتخر بها كلّ إنسان توّاق الى الحرية والكرامة والمجد…؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى