«عرسال» تفضح 14 آذار وعقبات أمام الحسم مع «داعش»

محمد حمية

لم يستيقظ فريق 14 آذار بعد من صدمة تحرير عرسال وجرودها من الوجود الإرهابي الذي استوطن منذ أكثر من أربع سنوات، ولم يصدّق أركان هذا الفريق المشهد المباشر الذي نقلته وسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية لقوافل الإرهاب من «جبهة النصرة» وهي تغادر الأراضي اللبنانية الى إدلب السورية. وهو الذي راهن على هذا «التنظيم» كقاعدة خلفية للمسلحين «المعارضين» في سورية لإسقاط النظام فيها وقوة عسكرية لمواجهة حزب الله في الداخل اللبناني.

غير أنّ عملية تحرير الجرود ووقائع «صفقة» التبادل شكلت فضيحة للفريق «الآذاري» وكشفت التالي:

أنّ عناصر ومسؤولي «النصرة» الذين وصفتهم قيادات 14 آذار بـ «الثوار» وأمدّتهم بأنواع الدعم المالي والسياسي والإعلامي واللوجستي والعسكري كافة منذ اندلاع الحرب السورية، ليسوا سوى جماعات إرهابية امتهنت أساليب القتل والإرهاب والاحتلال والسرقة وجمع الأموال والتصفيات الأمنية الداخلية، وما ظهر من مشاهد بعد انسحابهم من مواقعهم، يكشف زيف ادّعاءات فريق «المستقبل» كلّه، علماً أنّ هذه الأعمال ليست بجديدة، فقد شاهد اللبنانيون كلهم ما حصل خلال «غزوة عرسال» عام 2014 حينما دخل الإرهابيون إلى البلدة وهاجموا مراكز الجيش وقتلوا عدداً من ضباطه وعناصره وأسروا آخرين.

إنّ فريق 14 آذار هو الذي منع الجيش من تنفيذ عملية تحرير الجرود العرسالية وإنهاء البؤرة الإرهابية الحدودية لحسابات محلية وتنفيذاً لرغبات ومصالح خارجية. وما كشفه وزير الداخلية نهاد المشنوق أمس الأول يثبت ذلك، حين أشار الى أنّ «قائد الجيش العماد جوزيف عون أبلغ السلطة السياسية بأنّ «الجيش مستعدّ لتنفيذ العملية بكلفة بشرية عالية، لكن قيادات سياسية تردّدت بتكليف الجيش بهذه المهمة»، واعتمد المشنوق سياسة الهروب الى الأمام في ردّه على الأسئلة خلال المقابلة التلفزيونية عن سلاح المقاومة، الذي اعتبره غير شرعي إلا ضمن استراتيجية دفاعية، وربط مسألة العقوبات الأميركية المتوقعة على لبنان بمستقبل سلاح حزب الله، وتسأل مصادر مراقبة في هذا السياق: ماذا لو انتظر حزب الله اتفاق اللبنانيين على الاستراتيجية الدفاعية؟ كيف سيكون الوضع حينها في عرسال وجرودها؟ ماذا يستطيع المشنوق وفريقه السياسي فعله في ما لو تمكّنت «النصرة» من إنشاء إمارتها في القلمون، أو تمكّن «داعش» من إقامة «دولته» على المتوسط؟

إنّ ترحيل هذا العدد الكبير من النازحين مع قوافل الإرهاب الى إدلب وحلب في الباصات الخضر، أثبت أنّ التنسيق بين لبنان وسورية كفيل بحلّ أزمة النازحين من دون التنسيق مع الأمم المتحدة، كما اشترط فريق المستقبل و14 آذار لإعادة النازحين، مع العلم بأنّ الهدف خلف هذه المطالبة بالتأكيد لم يكن الحرص على مصلحة وسلامة النازحين ولا معالجة أزمة النزوح الذي ينوء تحتها لبنان، بل إبقاء الأزمة قائمة لمزيد من الاستثمار السياسي والمالي لا سيما الإبقاء على مخيمات النزوح كغطاء شعبي وبيئة حاضنة للإرهابيين.

وفي هذا السياق تدعو مصادر مطلعة في 8 آذار الحكومة الى الإسراع في القضاء على «داعش» لوضع حلول وخطط عاجلة لملف النزوح وتكليف موفد رسمي لبناني للتنسيق مع السلطات السورية وإعادة النازحين على دفعات الى بلدهم.

إنّ التنسيق بين الجيش اللبناني والمقاومة والاحتضان الشعبي لهما، هو السلاح الأمضى لمواجهة أعداء لبنان. وهذا ترجم على أرض الواقع وفي الميدان وليس في الشعارات فقط، ما يثبت عملياً فعالية معادلة الجيش والشعب والمقاومة التي لطالما رفض «المستقبل» وحلفاؤه الاعتراف بها ولا يزال.

مع قلب صفحة «النصرة» واقتراب المعركة مع تنظيم «داعش» واستعداد الجيش لحسم الأمر وتحرير الجرود والقضاء على وجود «التنظيم» فيها، غير أنّ عقبات سياسية وعسكرية وتفاوضية تحول دون ذلك إنْ لم تتمّ معالجتها للأسباب التالية:

ـ واقع المعركة وموقعها الجغرافي يحتمان على الجيش اللبناني التنسيق مع الجيش السوري وحزب الله، لكون الطرفين موجودين عسكرياً في المنطقة، الأمر الذي يرفضه بعض الفرقاء اللبنانيين لأسباب سياسية.

ـ هناك حاجة عسكرية تفرض التزامن بين معركة الجيش اللبناني من الجهة اللبنانية وبين معركة الجيش السوري من الجانب السوري، للإطباق على «التنظيم» ومحاصرته وسدّ المنافذ الحدودية أمامه من الجانبين لإفقاده هامش المناورة والقدرة الأطول على المقاومة.

ـ حاجة الجيش الى غطاءٍ جوي، على الأقلّ من الجانب السوري لتدمير تحصينات «داعش» وهذا لا يملكه إلا الجيش السوري، غير أنّ هذا قد يلقى اعتراضاً شديداً من الفريق السعودي في لبنان وربما يسبّب إحراجاً سياسياً لرئيس الحكومة، إذ لا يمكن لهذا الفريق أن «يبلع» مشاركة الجيشين اللبناني والسوري معاً في معركة واحدة وعلى أرضٍ واحدة.

ـ الضغوط التي تمارسها بعض الجهات الداخلية والخارجية على الحكومة اللبنانية وقيادة الجيش، بأن يشارك التحالف الدولي في المعركة، الأمر الذي لن يوافق عليه الجيش السوري ولا حزب الله، وربما الهدف الكامن خلف ذاك الطلب، منع مشاركة المقاومة والجيش السوري في المعركة والحؤول دون تنسيق الجيشين ومن جهة ثانية قطف «التحالف» ثمار أيّ انتصار يحققه الجيش.

ويبدو أنّ معركة التفاوض مع «داعش» إنْ حصلت لن تكون أسهل من المعركة العسكرية لأسباب عدة:

على الرغم من رضوخ تنظيم «الدولة» للتفاوض في أكثر من منطقة في سورية والعراق، غير أنّ هذا «التنظيم» بطبيعته يرفض المفاوضات ويقاتل حتى الموت، الأمر الذي سيطيل أمد المعركة ويعقّد المفاوضات.

غياب «الوسيط» التفاوضي الذي سيتولى نقل الرسائل بين الحكومة اللبنانية و«التنظيم»، إذ لا يجرؤ أيّ طرف داخلي على المجاهرة بعلاقته مع «داعش»، الأمر الذي كان متوفراً خلال المفاوضات مع «النصرة» التي تولاها مصطفى الحجيري أبو طاقية والذي وفرت له الدولة نوعاً من الحماية الأمنية لأداء مهمته.

إنّ أيّ جهة خارجية ستعلن رعايتها لعملية التفاوض، ستكشف علاقتها أمام الرأي العام الدولي مع تنظيم مصنّف على لوائح الإرهاب الدولي، بينما «النصرة» اعتبرت في مرحلة ما أكثر مقبولية من «داعش» وشكلت ومتفرّعاتها من التنظيمات رهاناً لبعض الجهات الإقليمية والدولية كشريك في الحلّ السياسي في سورية.

تحديد نقطة وآلية تسليم العسكريين المخطوفين لدى «داعش» مقابل انسحاب المقاتلين الى الرقة معقل «التنظيم»، ما يعطي قيادة «داعش» هامشاً واسعاً من المناورة والمماطلة والتنصل من تنفيذ أيّ اتفاق في أيّ لحظة.

المكان الذي سيرحّل اليه مقاتلو «داعش» الذين سيطلبون ضمانات أمنية ولوجستية قد تكون في غاية الصعوبة بعدم استهدافهم من الجيش الروسي أو من النظام السوري أو التحالف الدولي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى