المسيحيون نحو المقاومة!

فارس فتوحي

إنّ تحرير جرود عرسال يُعتبر محطّة مفصليّة في الحياة الوطنيّة اللبنانيّة. فمن وجهة نظرنا، أتى هذا التحرير ليثبّت أموراً كثيرة كانت موضع اجتهادات ونقاشات في الآونة الأخيرة.

وتكمن أهميّة معركة جرود عرسال أو التحرير الثاني في كونها أنهت الجدال الحاصل بين المكوّنات اللبنانيّة حول تدخّل حزب الله في سورية من النواحي التالية:

1 ـ رغم كلّ التحليلات المرتكزة على قدرة المسلّحين والإرهابيّين على اختراق الأمن اللبناني، فقد جاءت النتائج خجولة بعض الشيء مقارنةً مع دول المنطقة، لا سيّما العراق وسورية، أو حتى تركيا وبعض الدول الأوروبيّة، حيث نجح الإرهاب بضرب الاستقرار في تلك الدول، وبالتالي فإنّ وجود حزب الله في داخل الأراضي السوريّة لم يؤدِّ إلى زعزعة الأمن والاستقرار في لبنان، بل على العكس من ذلك، فقد ساهم بحماية لبنان من عمليات إرهابية كثيرة كانت تحضّر له.

2 ـ في التوقيت المناسب والملائم، أطبق مقاتلو حزب الله على جبهة النصرة في جرود عرسال، مستفيدين من وجود الحزب في الجانب السوري من الحدود لصالح معركة التحرير.

3 ـ إنّ تجربة حزب الله في الحرب الدائرة في سورية جعلته أكثر مرونة من الجيش اللبناني، علماً بأنّ جيشنا الوطنيّ يتمتّع بكفاءات عالية ومهارات مشهود لها عالمياً، ولكن ذلك لا يمنع أن يكون الحزب قد تمرّس في العمل على مكافحة الإرهاب وملاحقة المسلّحين في سورية، ما أدّى إلى تقسيم ذكيٍّ للأدوار، بحيث يكون حزب الله هو الذي يشنّ الهجوم، علماً بأنّ الجيش قام بدوره على أكمل وجه، وقد أوكلت إليه مهمّة صعبة للغاية وهي منع المسلّحين من التغلغل داخل مخيّمات النازحين واستعمالهم دروعاً بشرية.

4 ـ لم يستغلّ حزب الله قوّته العسكريّة وانتصاره في جرود عرسال ليصرفه في الداخل السياسي اللبناني، بل على العكس، جاء كلام الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله ليدلّ على عدم انجراره إلى التراشق التخاطبي أو الدفاع عن حزب الله تجاه المشكّكين في دوره والمعترضين على تدخّله، وبإعلانه أنّ الحزب سوف يُعيد للمواطنين أراضيهم، ويسلّم الجيش اللبناني كامل السيطرة على الأراضي المحرّرة.

5 ـ على عكس ما يدّعيه البعض من عدم تنسيق أو عدم أخذ حزب الله بعين الاعتبار دور الدولة والمؤسّسات الرسميّة، أتى دور المدير العام للأمن العام اللواء عبّاس ابراهيم في التحاور والتفاوض من خلال الوسطاء مع الجهات المعادية ليثبت أنّ المرور بالمؤسّسات الرسميّة كان إلزاميّاً.

أمّا في موضوع حصريّة السلاح بيد الشرعيّة، فنحن نعتبر أنّ الجيش اللبناني هو جيش قويّ لا بل من أقوى جيوش المنطقة احترافاً وتمرّساً، ولكن أمام ظاهرة الإرهاب المستجدّة جرّاء الحرب في سورية تؤكد الأحداث أنّ مكافحة هذا النوع من الإرهاب يتطلّب تعاوناً وثيقاً بين جهات عدة، وعلى سبيل المثال لا الحصر ما جرى في العراق، حيث احتاج الجيش العراقي إلى الحشد الشعبي في الداخل والطيران الأميركي كي ينجح في حربه على داعش. كذلك في سورية فقد احتاج الجيش السوري إلى حزب الله في الداخل والطيران الروسيّ كي يُطبق على المنظّمات الإرهابيّة المذكورة. وبالتالي نرى أنّه من غير الحكمة توريط الجيش منفرداً أمام هذا النوع من الإرهابيّين، لذلك كان التنسيق حاجة وطنية وحاجة عسكريّة للجيش اللبناني.

أمّا في ما يخصّ نظريّة قرار الحرب والسلم، فنحن نرى أنّها لا تنطبق على موضوع احتلال جزء من أراضينا من قبل داعش والنصرة، فتحرير الأرض هو واجب وطنيّ لا يحتاج إلى قرار، ومن المستحيل أن نكون أمام احتمال اتّخاذ قرار السلم على سبيل المثال، فالدفاع عن الأرض حق مشروع للمواطنين، كما لم نقتنع على الإطلاق بالمطالبة بتطبيق القرار 1701 على الحدود الشرقيّة، لأنّ هذا القرار كانت وظيفته تثبيت الحدود اللبنانيّة – الإسرائيليّة في الجنوب ونشر قوّات حفظ السلام التابعة للأمم المتّحدة. وبالتالي إنّ تطبيق هذا القرار على الحدود الشرقيّة سيؤدّي إلى تثبيت حدود ما قبل المعركة، أيّ تثبيت مواقع النصرة وداعش لحماية الحدود، وبمعنى آخر تثبيت الاحتلال إلى غير رجعة.

لقد عاش اللبنانيّون فترة طويلة من الخوف والقلق على مصير البلد، بالأخصّ بعدما رأوا بأمّ العين ما جرى في العراق وسورية من اجتياحات وتهجير للأقليّات، وبالتالي هم اليوم مرتاحون ومتأكّدون أكثر من أيّ وقت مضى أنّ الاستقرار الداخلي المحصّن بالثلاثيّة أضحى ثابتاً وقوياً وضامناً للسلم الأهلي.

وأهمّ ما في الأمر هو التحوّل الجذري والملحوظ في المقاربة المسيحيّة بشكل عام، حيث وجد الجمهور المسيحي نفسه أمام لحظة وطنيّة مهمّة، حيث يقوم حزب الله بمعارك نيابة عن المسيحيّين واللبنانيين، ويحرّر الحجر والبشر، ويستعيدُ السيادة.

إنّ الرأي العام المسيحي لن يكون بعد التحرير كما كان قبله، فقد دخلت المقاومة إلى عقله وضميره، ومؤشّرات ذلك الأمر تجلّت واضحة في الأسبوع المنصرم وسوف تشهد الحياة السياسيّة تطوّرات مهمّة في هذا الاتجاه…

رئيس الحزب اللبناني الواعد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى