القوة هي القول الفصل…

محمد شريف الجيوسي

في قضايا ومصائر الأوطان والأمم والأرض والكرامة الوطنية وحقوق ومستقبل الأجيال… لا مجال للمساومة أو التنازل عنها، نكون أو لا نكون، والطرف صاحب الإرادة والقوة الفاعلة الحيّة المستعدّ للمواجهة المعدّ لها جيداً، هو القادر على الوصول إلى غايته، حتى لو لم يكن صاحب حق وعلى باطل في غياب صاحب الحق وتقاعسه، ولكن إنْ توفر الشرطان الحق والقضية العادلة التي تستوجب الدفاع عنها والتضحية لأجلها من جهة والإرادة والاستعداد متعدّد الوجوه و»اللحظة التاريخية» المناسبة من جهة أخرى… يتحقق النصر ويتمّ دحر المحتلّ أو الغاصب أو الطامع أو المعتدي أو الإرهابي الفتنوي التكفيري… أو أكثر من طرف مما سبق.

ثمة أمثلة كثيرة على صحة ما سبق، سواء في التاريخ الحديث أو راهناً… فيتنام وكوبا تقدّمان مثالاً فذاً، حيث لم تستطع الولايات المتحدة الأميركية أقوى قوة عاتية … منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية على إلحاق الهزيمة بهما، بل ألحقت الأولى هزيمة منكرة بأميركا، والثانية بقيت في الخاصرة الأميركية قوة سياسية واقتصادية وأيديولوجية وعسكرية قادرة أن تردّ عن نفسها أيّ اعتداء، رغم سقوط العديد من الدول التي لم توفر أنظمتها لها أسباب الصمود.

وفي الوقت الراهن نجد إيران وكوريا الديمقراطية، قوتين أعجزتا الولايات المتحدة الأميركية والغرب الأوروبي، فاضطروا بعد نحو 12 سنة من حصار الأولى أن يعقدوا معها ما يسمّى بـ الاتفاق النووي حيث تمكّنت إيران وهي تحت الحصار من بناء ترسانتها العسكرية وقدراتها الإقتصادية، وفي آن لعبت دوراً إقليمياً مهمّاً بدعم المقاومتين اللبنانية والفلسطينية، فضلاً عن عقد صداقة استراتيجية مع سورية، والانتصار لها عندما اشتدّت المؤامرة الدولية عليها.

أيّ أنّ إصرار إيران على ممارسة رؤيتها السياسية المناهضة لمصالح واشنطن وباريس ولندن وبون وتل أبيب، فرضت على الغرب القبول بها كأمر واقع، رغم تناقض هذا القبول مع مصالح الحلفاء في المنطقة، ورغم محاولات التنغيص على إيران، ومحاولات التحلل عبثاً من التزامات الاتفاق بين حين وآخر، من قبل الكيان الصهيوني وأميركا بخاصة.

واليوم أصبحت الدولة الصغيرة كوريا الشمالية المحتلة نصف أراضيها في الجنوب من قبل واشنطن ، أكثر قوة على وجه الأرض تقضّ مضجع الولايات المتحدة، حيث أصبحت قوة نووية تمتلك صواريخ باليستية ونووية عابرة للقارات قادرة على الوصول إلى الولايات المتحدة الأميركية، وعملياً ليس في مقدور واشنطن فعل شيء تضمن من خلاله ترويض كوريا الديمقراطية، فيما المناطق الكورية الجنوبية الواقعة تحت الهيمنة الأميركية غارقة بالفساد.

واليوم أيضاً وبعد 6 سنوات ونيّف من الحرب القذرة الفاشلة على الدولة الوطنية السورية، وبعد أن أسقط صمودها زعامات وخرائط سياسية كانت تعدّ، وخرائط كانت متوفرة، كما أسقط صمودها مطالبات بإسقاط الدولة الوطنية السورية وقيادتها ممثلة بالرئيس الدكتور بشار الأسد من قبل أميركا وأوروبا الغربية والصهيونية والرجعيتين العربية والعثمانية الجديدة… وأخرى لا هي في العير ولا النفير.

كما أسقط صمود سورية أحلام عصابات إرهابية وعميلة حللت الحرام وأفتت بالفتن ودمّرت مقدّرات اقتصادية وأخرى حضارية، وصدّرت للبلاد المجرمين والجهلة والقتلة والتكفيريين والهاربين من العدالة وقطاع الطرق وتجار المخدرات والرقيق الأبيض من بقاع الأرض الأربع… ليُسقط صمودها بالتالي مشاريع الربيع الأميركي في المنطقة العربية.

من هنا نرى دعوات البعض بأنّ مطلب رحيل الرئيس العربي السوري الدكتور بشار الأسد لم يعد مطلوباً… ومع أنّ هذه المطالبات لا تقدّم ولا تؤخّر موضوعياً.. إلا أنها تعكس استسلام وفشل مشروع تدمير الدولة الوطنية السورية، وتعكس أيضاً صمود سورية وتماثلها للخروج من الأزمة وإلحاق الهزيمة الناجزة الكاملة بأعدائها.

في الجانب الآخر نرى مثلاً أنّ المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وما توصلت إليه المنظمة من اتفاق مع الكيان الصهيوني أوسلو وما استتبع من مبادرة عربية فإسلامية مع «إسرائيل»، والتزام السلطة الفلسطينية بأوسلو وبالمبادرتين لم يجلب للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني إلا المزيد من الدمار والاستيطان وبناء الجدران والإستيلاء على المزيد من الأراضي والحواجز والتفكيك والهدم والتجريف والأسرى بمن في ذلك النساء والأطفال والمسنين، والحصار والعدوانات الهمجية الواسعة، وايضاً الصراع على السلطة بين الفلسطينيين أنفسهم.

بكلمات ليس أمام الأمم والدول والشعوب، إلا أن تصمد وأن تعمل على كلّ الجبهات، وأن تناضل بكلّ أشكال النضال، وأن تقاتل بالقوة المسلحة لأجل إنجاز مهام تحرّرها وتحرير ترابها الوطني وفرض إرادتها وقرارها المستقلّ وبناء مستقبلها، ولا يمكن أن يتحقق شيء من ذلك بالمراهنة على سلمية الخصم أو المحتلّ أو الطامع أو المعتدي أو المغتصب أو العميل لمن سبق، حيث لا تضمن الاتفاقيات غير المنبثقة عن استعمال القوة وتحقيق النصر، حقاً، ولا تردع غازياً ولا تحقق أملاً ولا تحرّر وطناً، والاتفاقيات التي لا تفرض معطياتها القوة باشكالها كافة ليست ذات معنى بأيّ حال وهي استتسلام بغيض للعدو وركوع، حتى لو تغلّف بعبارات الحق ووقتية الاتفاق بزمن محدّد.

m.sh.jayousi hotmail.co.uk

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى