عجز القوة لا يزال…

بلال شرارة

في عزّ المفاوضات لإنهاء الحرب «الإسرائيلية» على لبنان صيف عام 2006 حاولت «إسرائيل» الضغط بالنار، رغم أنها لمست عجز القوة، وحاول معها اجتماع روما لوزراء خارجية الدول الراعية للحرب، وهو الاجتماع الذي تزعّمته مستشارة الأمن القومي الأميركي كونداليزا رايس حاول هذا الاجتماع بواسطة الدبلوماسية الناعمة أن يؤهّل لبنان لقبول وقف النار بالشروط «الإسرائيلية»، والتي ضمنها أن لا سلاح ولا مسلحين شمال نهر الليطاني وإضفاء شرعية دولية على مهمات قوات «اليونيفيل»، وبالتالي تحويلها من قوات سلام إلى مخفر ، وهي تلك القوات في بداية مهامها حاولت تكريس أمر واقع من هذا النوع، فسيّرت الدوريات المجنزرة في القرى والبلدات وكادت تذهب بما عندنا من زفت ، وحاولت تسجيل رقم كلّ سيارة عبّارة، وأن تُحصي علينا أنفاسنا، ولكننا سرعان ما ضقنا ذرعاً ووضعنا الحدّ على الزعرورة استناداً إلى ما تضمّنه قرار مجلس الأمن 1701.

منذ ذلك الحين التزم الجانب اللبناني بكلّ مضمون القرار، ولكن كالعادة وحدها «إسرائيل» لم تلتزم، فلا تزال تخرق السيادة اللبنانية براً وبحراً وجواً ولا تزال ألغامها وقنابلها العنقودية منتشرة على حدودنا وفي حقولنا ولا تزال لم تدفع للبنان أيّ تعويض جراء حروبها على بلدنا ولا تزال تريد ماءنا وترابنا.

طبعاً كنتُ حتى هذا السطر أتجنّب أن أقول إنّ في لبنان مَن يريد لقوات «اليونيفيل» أن تمدّ بساط عملها وانتشارها على الحدود مع سورية ومراقبتها ووضع كلّ أنواع التكنولوجيا لرصد حركة السلاح العابر للحدود نحو المقاومة ومنع تزويدها بمنظومات السلاح الجديدة.

الآن يصادف كلام أميركي أنه لم تكد تمضي بضعة أيام على تصريحات محلية تدعو الى نشر القرار 1701 نحو الحدود الشرقية لمعركة جرود عرسال وفليطة ونتائجها، مع الإشارة إلى أنّ موقف البعض كان ولا زال لا يعرف خط الحدود اللبنانية ويعتبر أنّ تلك الجرود مساحة جغرافية خرافية وضائعة.

– -2

الآن تصرّح المندوبة الأميركية الدائمة بالأمم المتحدة نيكي هالي عن عزم أميركا إدخال تعديلات على قوات حفظ السلام المؤقتة جنوب لبنان، «اليونيفيل»، مع تجديد تفويضها نهاية الشهر الحالي، موضحة «أنّ التعديلات تأتي بهدف تعزيز ! قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان «اليونيفيل» وزيادة قدراتها والتزامها بالتحقيق في أيّ انتهاكات والإبلاغ عنها»؟

والحقيقة سواء لفتت هالي النظر إلى أنّ قصد واشنطن هو إثارة موضوع لما يوصف بالتهديد الذي يشكّله حزب الله أم لا فإنه لا يفوتنا أنّ واشنطن تريد العودة إلى إعادة إنتاج القرار 1701 عبر السعي إلى إدخال تعديلات كبيرة على «اليونيفيل» عندما يجدّد مجلس الأمن تفويضها خلال هذا الشهر.

طبيعة تلك التعديلات تحتاج إلى العودة بالذاكرة 11 عاماً إلى الخلف والانتباه إلى أنّ واشنطن، وعملياً «إسرائيل»، تريدان منع انتشار أسلحة المقاومة وصواريخها، وهو ما تعتبران أنه يشكل تهديداً للأمن والاستقرار، أيّ أنهما تريدان أن تكون «اليونيفيل» ومعها الجيش «حراس حدود إسرائيل».

طبعاً نشير إلى أنّ هالي نوّهت برسالة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الى مجلس الأمن في 4 آب الحالي التي أوصى فيها بتجديد ولاية قوة «اليونيفيل» التي من المقرّر أن تنتهي في 31 من الشهر نفسه، مع لفت انتباه مجلس الأمن إلى أنّ الرسالة تضمّنت دعوة غوتيريس إلى نزع سلاح جميع الجماعات المسلحة في لبنان لتعزيز الجيش وسلطة الحكومة.

وهالي أعربت عن مشاطرة أميركا رغبة الأمين العام القوية في تعزيز جهود «اليونيفيل» لمنع انتشار الأسلحة غير المشروعة في جنوب لبنان، محذّرة من أنّ هذه الأسلحة ينتهي بها المطاف في أيدي حزب الله الذي يهدّد حسب قولها أمن واستقرار المنطقة، ولذلك يتعيّن على قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان أن تزيد قدراتها والتزامها بالتحقيق في هذه الانتهاكات والإبلاغ عنها.

– -3

كنا نريد ولا زلنا أن تنتبه واشنطن إلى أنّ المقاومة كانت ولا تزال نتيجة للعدوانية «الإسرائيلية»، وهي لم تكن لأننا نرغب بحمل السلاح من أجل حمل السلاح، بل من أجل ضمان أمننا واستقرارنا، والشعب اللبناني حمل السلاح عندما تخلّت الدولة عن واجب الدفاع وعندما تخلّى العالم عن تزويد جيشنا بالسلاح الذي يلزمه وكذلك دعمه بالإمكانيات من أجل أن يتزوّد العديد اللازم.

نحن لا نريد أن نحاكم التاريخ الآن، ولكننا لا نريد أن يحكمنا المستقبل إلى القلق وإلى الغموض، في وقت لا تزال أرضنا تقع، كما على باب الكنيست، ضمن تحديد شعارات أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل ونحن لا نعرف متى يدق الكوز بالجرة فيعود جيش الهجوم الإسرائيلي إلى استباحة أرضنا.

لو أنّ الولايات المتحدة لا تضيّع الوقت، كما البوصلة وتعترف أنّ المطلوب هو وضع حدّ للعدوانية «الإسرائيلية».

في الحالات كلّها نحن نقول اللهم احمنا من أصدقائنا، أما أعداؤنا فنحن كفيلون بهم .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى