كأنّ الخونة لم يقرأوا التاريخ…!

محمد شادي توتونجي

رياض حجاب… «أنا جندي مخلص من جنود الثورة السورية» هكذا عرّف رياض حجاب عن نفسه في مؤتمره الصحافي الذي عقده في عمّان منتصف شهر آب 2012، حيث قال فيه إنه «جندي مخلص من جنود الثورة السورية»، وذلك في أعقاب انشقاقه وهروبه من سورية، حيث قام ما كان يعرف بـ «الجيش الحر» بتأمين هروبه عبر درعا إلى الأردن مع عائلته وعائلات إخوته في السادس من آب عام 2012.

هذا «الحرّ الثوري المخلص المدعو رياض فريد حجاب» الذي تولى منصب رئاسة حكومة الجمهورية العربية السورية، كان ثمنه حفنة من البترودولارات المنغمسة بدماء أبناء شعبه كثمن لحريتهم وتحقيق الديمقراطية في سورية، وتخلى عن منصبه لأنه يشعر بالغبن الذي يحيق بأبناء الشعب السوري وأحوالهم المادية الخانقة، فقرّر أن يكون الجندي المحارب عنهم لاسترجاع هذه الحقوق والحريات وتحقيق الرفاه المادي لأبناء شعبه!

ولذلك هرب بكلّ ثوريته وإخلاصه إلى منصات الديمقراطيات العالمية بدءاً من المملكة الأردنية الهاشمية، وصولاً إلى مشيخة قطر، حيث تلقى هناك معاملة سيادية تناسب أهميته عندما اضطر حجاب الذي استدعي من جانب حاكم المشيخة للانتظار مهاناً لأكثر من ساعة ونصف الساعة على «باب الأمير» قبل أن يُسمح له بالدخول، دون تقديم أيّ اعتذار له من جانب مدير مكتب حاكم المشيخة، مكتفياً بوجود أمور طارئة يعالجها «أمير البلاد».

وتستمرّ فصول الحرية والسيادة في حياة هذا الرجل عندما يُعيّن من قبل وزير خارجية حكومة بني سعود بمنصب «منسق عام لهيئة التفاوض العليا» المشكلة في عاصمة الحريات والديمقراطية في العالم عاصمة مملكة بني سعود «الرياض»، حيث الانتخابات التشريعية والبرلمانية، ومنظمات حقوق الإنسان، ومنظمات حقوق المرأة، وحرية الصحافة، وحرية الأديان والمعتقدات!

تلك العاصمة التي اتخذت فيها كلّ قرارات العدوان على العالمين العربي والإسلامي، من ليبيا إلى العراق فسورية ومصر واليمن والمنطقة الشرقية في السعودية والبحرين، والتي انغمس حكامها بكلّ الدم المسفوك في تلك الدول والتي يتهافت صانعو القرار فيها إلى التطبيع واستكمال مظاهر التبعية والعبودية لأسيادهم الصهاينة والأميركيين، وتسليم بل والتنازل عن مقدرات الأمة وثرواتها لأعداء الأمة فقط لكي يزيدوا في استعبادهم مقابل بقاء عروشهم، واستعدادهم لتقديم المزيد وسفك دماء المزيد لتحقيق مصالح الحلف الصهيوأميركي في المنطقة والعالم، والمساهمة والدفع لتدمير كلّ بلد عربي وإسلامي يرفض مشاريع الهيمنة والتقسيم ويرفض الخنوع والذلّ لأميركا والصهاينة.

كلّ هذه المواصفات التي يتزيّن بها نظام بني سعود، وكلّ هذه الأعمال الإجرامية التي يمارسها بحق شعبه حتى من أبناء المنطقة الشرقية من قتل وتدمير وتهجير واستباحة أعراض وأموال وسفك دماء على الهوية والمذهب، لم تستطع عينا هذا الرجل الثوري الحرّ رؤيتها أو ربما أنه يعتبرها شأناً داخلياً، وبالتالي حسب فكره الثوري ونهجه الديماقراطي قرّر ألا يتدخل بما لا يعنيه، فهو هناك من أجل استجلاب الحرية لأبناء شعبه، الذي يتلقى التعليم والطبابة بالمجان من ذلك النظام الديكتاتوري في سورية التي فرّ منها.

ربما يجب أن نلتمّس عذراً لهذا الرجل بعدم تمكنه من قراءة التاريخ بسبب مشاغله أو بالأحرى انشغاله الدائم بقضايا ومصالح أبناء شعبه، وبأنه لم يكن يجد الوقت الكافي لقراءة بعض قصص التاريخ عن الخونة والعملاء والمأجورين وكيف تنتهي سيرتهم عند انتهاء مهامهم أو فشل الغاية التي استُخدموا من أجلها، فهو من المؤكد أنه لم يأت على مسامعه ما قاله هتلر لأحد العملاء حين سأله أحدهم: «مَن أحقر الناس الذين قابلتهم في حياتك؟ فردّ قائلاً: «أحقر الناس الذين قابلتهم في حياتي هم هؤلاء الذين ساعدوني على احتلال أوطانهم».

ومن المؤكد أيضاً أنه لم يقرأ عن مصير «شاهنشاه إيران» ملك ملوك إيران المدعو محمد رضا بهلوي، أكبر خادم للصهيونية وأميركا وبريطانيا في العالم، وكيف انتهى به الحال وتخلّى عنه كلّ من كان يدعمه ويساعده عندما كان يؤدّي المهمة في إخضاع إيران لسياسات الغرب وتنفيذ مصالح دوله، وكان يسمّى في عهده بشرطي الخليج بسبب القوة والدعم الذي أولي له من قبل الغرب عندما كان خادماً على رأس عمله، وكيف تُرك لمصيره بعد انتصار الثورة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولم تقدّم له يد المساعدة إلى أن أوعز إلى العميل الآخر أنور السادات بقبوله في مصر.

ربما تكون هذه القصص وقد كان المدعو رياض حجاب ولداً صغيراً ولكن هل فعلاً فاتته الدروس الكبيرة التي أصابت عملاء آخرين لأميركا والصهاينة، من زين العابدين بن علي إلى حسني مبارك وكيف انتهت بهم الأيام إما في المنافي أو في السجون.

لا يُطلب من بني سعود أن تكون لديهم هذه المعرفة لأنهم أصلاً من خارج سياق التاريخ، أُتي بهم إلى منصات الحكم على ظهر الدبابات البريطانية وهم بالأصل من صناعة جهاز المخابرات الخارجي البريطاني، ولكن العتب على هذا الخائن العميل الذي اعتلى أرفع المناصب في أمّ الحضارات والتاريخ سورية أمّ الأبجديات، ومحطة تلاقي الحضارات، وبلد الديانات والتعايش، بأن يكون لم يسمع ولم يقرأ ولم يدرك مصير الخونة والعملاء، وأن ينتهي حاله كحال الذين قال عنهم الرئيس بشار حافظ الأسد بأنهم: «عبيدٌ مأمورن عند عبيدٍ مأمورين».

فماذا نستطيع أن نقول غير هذا الكلام عندما يتوجب على رئيس ما يسمّى «هيئة التفاوض السورية العليا» بتقديم استقالته إلى وزير خارجية مملكة بني سعود عادل الجبير؟

هذا الوزير الذي أبلغه سادته الأميركان بأنّ الحرب في سورية انتهت وانتهى دوركم وأنّ الاتفاق مع روسيا تمّ لتنظيم الهزيمة والانسحاب، والذي أبلغ بدوره مأجوريه وعمّاله وعملائه أنّ «الرئيس الأسد باقٍ» وما علينا وعليكم سوى التسليم والاقتناع بالهزيمة…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى