هل سيكون انفصال إقليم كردستان العراق نواةً لتقسيم المنطقة؟

أسامة العرب

رغم أنه من المبكر الحديث عن الأجندة الأميركية الحقيقية تجاه الوضع في العراق وسورية، غير أنه يمكن التكهّن بذلك من خلال تصريح الرئيس ترامب بأنه: «أمام القادة العراقيين ثلاثة خيارات البقاء على حالة العنف أو اللجوء إلى مبادرة شاملة للسلم الأهلي يتفقون عليها، أو تقسيم العراق ثلاث دول«، وليس من الغريب أن نسمع هذا الكلام، إذ إنّ ذلك يتناغم مع قانون تقسيم العراق، الذي أقرّه الكونغرس الأميركي في جلسته الاعتيادية التي عقدت بتاريخ 2/5/2015 تحت عنوان «توازن القوى في العراق»، الى دولة للأكراد شمال العراق، ودولة للشيعة وتكون عاصمتها بغداد، ودولة للسنة في مناطق غرب العراق.

إن ما تعلنه الولايات المتحدة حتى الآن أنها لا تدعم توجّه الإقليم الكردي للانفصال وأنها تؤيد سيادة العراق ووحدة أراضيه، إلا أن هذه المواقف الجديدة تتعارض فعلياً مع مواقفها المتباينة من الأزمتين العراقية والسورية، وتتعارض أيضاً مع جميع الخطط الأميركية التي أكّدت السير بمشروع التقسيم كخطة ليزلي جليب وخطة هنري كيسنجر حول الشرق الأوسط الكبير وخطة بيتر غالبريث وخطط جوزيف بايدن، الأمر الذي يؤكد بأن أميركا تخفي مخططاً لسورية والعراق. هذا الأمر، أكده سابقاً وزير الأمن «الإسرائيليّ» أفيغدور ليبرمان عندما قال بأنّ هناك ثلاثة استنتاجات يجب على العالم أنْ يستخلصها، أهمها أنّه لا حل للنزاعات في الشرق الأوسط من دون القبول بمشاريع التقسيم، مشدّداً على أنّ «إسرائيل» تمارس ضغوطاً على الدولة الأميركية لحماية أمنها القوميّ والسير قدماً بمخططات التقسيم. أضف إلى ذلك، فإن صحيفة التايمز وغيرها نشرت مؤخراً احتمال اللجوء إلى التقسيم، وأشارت إلى وجود رغبة أميركية جادة باعتماد أربع دويلات في كل من سورية والعراق، الدولة الأولى هي دولة للأكراد تقع في شمال شرق العراق وأبرز مدنها كركوك وأربيل ودهوك والسليمانية وزاخو وتتميّز بثروتها النفطية الكبيرة، وستتحد هذه الدولة مع المناطق الكردية في سورية والتي يقع أغلبها على الحدود مع العراق في أقصى الشمال وبالتالي فسيسهل انصهار المنطقة الكردية السورية مع العراقية في كيان واحد. الدولة الثانية هي دولة التنظيمات التكفيرية التي يُطلق عليها الغرب تسمية الدولة السنية، أما الدولة الثالثة فهي الدولة الشيعية والتي تمتدّ من العاصمة بغداد وحتى أقصى جنوب البلاد، وأخيراً الدولة السورية المفيدة التي ستمتدّ من العاصمة دمشق مروراً بمدن الساحل حتّى مدينة حلب في الشمال، وعموماً جميع المناطق المدنية المأهولة.

وبالتالي، فإن التعجيل بالسعي لانفصال إقليم كردستان العراق يشكل مقدّمة لانفصال أجزاء أخرى في المنطقة، تعلن انفصالها إقليماً أو تكوين حكم ذاتي مستقل، كما أن خطوة الاستفتاء في كردستان العراق إذا ما جرت فسوف تعقبها خطوات استفتاء أخرى. ومن هنا تكمن خطورة هذا الأمر. ولهذا السبب فإن المواقف الإقليمية كلها تتوالى بإعلان رفضها لفكرة الانفصال، وفي مقدّمتها الحكومة العراقية المركزية في بغداد برئاسة حيدر العبادي، ولو كان الاستفتاء المزمع إجراؤه يصوّت على مبدأ الانفصال ولا يقرّره.

وهنا لا بدّ أن نشدّد على أهمية المحافظة على وحدة الأراضي العراقية والسورية، بما يحفظ سلامة شعبيهما، سيما وأن حلم الصهيونيّة الأزلي، كان وما زال وسيبقى تقسيم المنطقة إلى كيانات عرقيّةٍ وطائفيّةٍ ومذهبيّةٍ، لتفتيت المُفتت وتقسيم المُقسّم. وهذا الحلم هو نتاج العقيدة التي فرضت الحكم العسكريّ بحقّ الفلسطينيين بعد النكبة على مَنْ بقوا في فلسطين. هذا عدا أن مشروع التقسيم يتماهى ونظرية هنري كسينجر عن «حرب المئة عام المقبلة» في المنطقة، والتي أفاد فيها بأن الاستراتيجية الأميركية ترمي لإغراق الشرق الأوسط في صراع بين السنة والشيعة على غرار حرب المئة عام بين الكاثوليك والبروتستانت، وبأن هذه الحرب ستعيد صياغة المنطقة بما يخدم أميركا، كما تمّت صياغة دول أوروبا سابقاً على هوى واضعي السياسة العالمية. كما يتماهى هذا المشروع أيضاً مع نظرية وزير الدفاع «الإسرائيلي» السابق شاؤول موفاز الذي شدّد على أهمية خلق «إسرائيل» صراعات بين السنة والشيعة من أجل حماية أمنها وتأمين استمرارها. وإن كان ما يدور بأذهان الصهاينة حقيقةً ليس بحرب بين السنة والشيعة، وإنما حرب بين المشروع الصهيوني والمشروع المقاوم له، ومخطط يرمي لاستبدال الصراع مع «إسرائيل» بصراعات إقليمية ترمي لطمس قضية فلسطين والقدس والأقصى.

السؤال الذي يطرح: هل سوف تتخلّى «إسرائيل» ومن ورائها بكل بساطة عن هوسها بمشاريع التقسيم والحروب الطائفية والإثنية؟ الإجابة عن هذا التساؤل نجدها في تصريح الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن، عندما قال بأن الولايات المتحدة الأميركية سوف لن تترك العراق قبل أن تجتث الإرهاب منه، وبهذه الطريقة تحوّل الإرهاب سبباً لبقاء أميركا في العراق، والقضاء على الإرهاب سبباً لخروجها منه. وبطريقة أو بأخرى، وجدنا بأن الصراعات المذهبية نشأت، والتنظيمات التكفيرية نشطت، وبقي شعار محاربة الإرهاب فارغاً من مضمونه.

أما اليوم، فها هي أميركا تتذرع مجدداً بـ «الحرب على الإرهاب» كي تبرر بقائها العسكري وتبسط نفوذها وهيمنتها على المنطقة. ولو كانت أميركا جادة برغبتها في القضاء على داعش، هل كانت لتشنّ غارات غامضة الاثنين الماضي على فصائل الحشد الشعبي قرب الحدود العراقية السورية أثناء قيامهم ببناء سواتر تمنع دخول وخروج الإرهابيين من العراق وإليه؟ وهل كانت لتقصفهم وتغتال أكثر من 36 شهيداً عراقياً، وتجرج 80 آخرين؟ أما بعد، فيبقى الإرهاب سيفاً مسلطاً على رقاب شعوبنا المستضعفة لإكراهها على «فيروس» الانهيار أو التقسيم أو ببساطة الفوضى الدائمة وتبقى المقاومة الدواء الوحيد القادر على محاربة هذه الفيروسات والميكروبات والغزو الأجنبي لطردها عن بلادنا.

لكن الفجوة التي نعاني منها حالياً في منطقتنا تكمن بين فضاءين كبيرين، الفضاء الشعبي العام والفضاء السياسي. وهذه الفجوة سببها بعض الثقافات السياسية التي لا تتورّع عن السعي لتحقيق المكاسب الفئوية على حساب المصلحة العامة، ولا تتورّع عن السعي لتحقيق الأهداف والانتصارات الوهمية على حساب آلام شعب مستضعف ومعاناة أمة. فأين هي المصلحة العامة من الاختلاف حول كيفية اجتثاث الإرهاب من جذوره؟ وأين هي المصلحة العامة من تبني المشاريع الفئوية والخطابات الفتنوية؟ وأين هي المصلحة العامة من التفريق بين الجيوش والفصائل المقاومة؟ وأين هي المصلحة العامة من التخطيط للتقسيم عوضاً عن التوحّد؟

تكثر التنبؤات اليوم حول مستقبل الشرق الأوسط في ظل الأوضاع الراهنة، إلا أن كل المؤشرات تؤكد انتهاء عصر الهيمنة الأميركية المنفردة على المنطقة واتجاه النظام العالمي نحو التعدّدية القطبية، لذا تبدو احتمالات التوافق بين أميركا وروسيا حول تسوية نهائية لجميع الملفات الشائكة قي المنطفة أمراً وشيكاً وحتمياً، وإن تأخر هذا الأمر قليلاً بسبب عدم استيعاب الداخل الأميركي بعد للمتغيرات التي عصفت بالساحة الدولية، لاسيما بعد صعود التنين الصيني وتصاعد حدّة التوتر بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة عقب تطوير الأولى برامجها الصاروخية الباليستية العابرة للقارات والقادرة على حمل رؤوس نووية حربية كبيرة الحجم. ونختم بالقول: مشروع التقسيم والفتنة والفرقة ساقط منطقياً وعملانياً، وقدر أمتنا أن تقاوم، وقدرها أن تنتصر بإذن الله مهما تأخر الزمن!.

محامٍ، نائب رئيس الصندوق الوطني للمهجَّرين سابقاً

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى