بطاركة الشرق الكاثوليك: لفصل الدّين عن الدّولة

دعا بطاركة الشرق الكاثوليك إلى فصل الدّين عن الدّولة في بلدان الشّرق، لكي يشعر المسيحي بالطّمأنينة، وينعم بحقوق المواطنة.

وعقد مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك مؤتمره الخامس والعشرين في الفترة ما بين 9 و11 آب الحالي، في المقرّ الصيفي للبطريركية المارونيّة في الديمان شارك فيه بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للموارنة الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي، بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك إبراهيم إسحاق سدراك، بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي مار إغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندرية وأورشليم للروم الملكيّين الكاثوليك يوسف العبسي، بطريرك بابل على الكلدان مار لويس روفائيل ساكو، كاثوليكوس بطريرك كيليكيا للأرمن الكاثوليك كريكور بدروس العشرين، المطران وليم شوملي ممثّلاً المدبّر الرسولي لبطريركية اللاتين في القدس رئيس الأساقفة بيرباتيستا بيتسابالا، وشارك في جلسة الافتتاح السفير البابوي المطران غبريللي كاتشيا.

بدأت الجلسة بصلاة عقَبتها كلمة ترحيب للكاردينال الراعي، تكلّم فيها عن معاني عقد المؤتمر على مشارف وادي القدّيسين والحبساء والمؤمنين الصامدين بالإيمان والصلاة، وكلمة للبطريرك مار إغناطيوس يوسف الثالث يونان، أشار فيها إلى التحدّيات التي تواجه مسيحيّي الشرق في هذه الظروف وكيفيّة العمل على تذليلها، وكلمة ثالثة للسفير البابوي ذكّر فيها باهتمام الكرسي الرسولي بمسيحيّي الشرق، وخصوصاً بسينودوس الأساقفة من أجل «الشرق الأوسط»، وبنداءات البابا فرنسيس في شأن أهميّة وجود المسيحيين وشهادتهم وثباتهم في هذا الشرق، رغم المحن والصعوبات .

بعد ذلك، وجّه الآباء برقيّة إلى قداسة البابا فرنسيس أطلعوه فيها على موضوع المؤتمر.

وفي الختام، أصدروا بياناً أكّدوا فيه أهميّة لبنان كدولة لها خصوصياتها وميزاتها بين بلدان «الشّرق الأوسط»، ودعوا إلى حلّ قضيّة النّازحين واللاّجئين الذين باتوا يشكّلون عبئاً ثقيلاً وخطراً سياسياً واقتصادياً وأمنياً واجتماعياً على لبنان، لكن مع التّضامن الإنساني معهم ومع قضيّتهم، يجب العمل على إعادتهم إلى بلدانهم في أسرع ما يمكن، من أجل استعادة حقوقهم وثقافتهم.

ودعا بطاركة الشرق الكاثوليك رئيس الجمهورية التدخّل من أجل تجنّب التّداعيات الخطيرة التي يتسبّب بها قانون سلسلة الرّتب والرّواتب على المدارس الخاصّة، المجّانيّة وغير المجّانيّة، وطلب التّشاور مع الأمانة العامّة للمدارس الكاثوليكيّة واتّحاد المدارس الخّاصة. فلا بدّ من إعادة النّظر في هذه السّلسلة بعد صدور الموازنة، خصوصاً الضّرائب المفروضة على المواطنين ذوي الدّخل المحدود، وغير القادرين، وبعد إقرار الإصلاحات، وضبط المال العام.

ووجّه البطاركة نداءات إلى أبنائهم وإخوتهم في العراق وسورية والأراضي المحتلة ومصر ولبنان، فأعربوا عن سعادتهم بتحرير الموصل وقرى وبلدات سهل نينوى من تنظيم «داعش» الإرهابي، وعن تضامنهم مع العراقيّين، لا سيّما المسيحيين، ووقوفهم إلى جانبهم وقد هُجّروا وعانوا الكثير. كما عبّروا عن قلقهم من استمرار فكر «داعش» الظلاميّ، والخطابات التحريضيّة، ومناخ الصراعات في هذه المنطقة. وناشدوا جميع المسؤولين في الحكومة المركزيّة وحكومة إقليم كردستان والمجتمع الدولي احترام حقوق المسيحيين والمكوّنات الوطنية الأخرى في تقرير مستقبل بلدهم، بعيداً عن الضغوط، لكي ينالوا نصيبهم العادل من المشاركة في الإدارة والتوظيف والحياة السياسية، وعدم تغيّر وضعهم التاريخي والجغرافي. وقال البيان: «نشجّع أبناءنا على البقاء في أرضهم وترسيخ حضورهم، والمحافظة على حضارتهم والإسهام مع مواطنيهم في بناء دولة مدنيّة حديثة، دولة العدالة والقانون، دولة تضمن المواطنة الكاملة للجميع مع تعدّدية انتماءاتهم الدينيّة والمذهبيّة والإثنيّة».

وتوجّهوا إلى أبنائهم وإخوانهم في سورية بكلمة محبّة وتضامن، ودعوهم إلى التمسّك بالرجاء في خضمّ الأحداث الدامية التي تعصف ببلدهم: «لن تذهب سدىً الدماء التي أُهرِقت والخراب الذي حصل. لا بدّ أن تنتهي هذه الأحداث وأن تخرج سورية منها قويّة مزدهرة آمنة. المستقبل ليس للعنف والحرب، بل للسلام والحياة المشتركة. إنّ الوحدة القائمة على أساس المواطنة، والتي متّنَتها الأحداث خلافاً لما كان يريد البعض، سوف تستمرّ، والمصالحات التي تحصل هنا وهناك خير دليل على ذلك. وسوف نبقى متشبّثين بأرضنا من أجل بناء الوطن الذي نريد، وطن الحرّية والكرامة».

ولفت المطارنة إلى أنّهم «يتابعون باهتمام كبير معاناة الشعب الفلسطيني في الأراضي المقدّسة، وهو يسعى إلى تقرير مصيره واستعادة سيادته على أرضه. ومن المضايقات اليومية التي يتعرّضون لها خطر فقدان الهوية للمقدسيّين، وانعدام لمّ الشمل واستمراريّة بناء المستوطنات ومصادرة الأراضي. نحن نعلم أنّ الوضع الاقتصادي والأمني أدّيا إلى هجرة الكثيرين من أبنائنا المسيحيين من فلسطين، لكنّ الأرض المقدّسة بحاجة إلى حضورهم، حتى لو لزم تقديم بعض التضحيات من أجل الوصول إلى حلّ سياسي تكون القدس فيه عاصمة لشعبين ومدينة مقدّسة مفتوحة للجميع».

وثمّن البطاركة «دور الأردن في حلّ الأزمة الأخيرة دفاعاً عن حرية المصلّين في المسجد الأقصى، ودور الوصايا الهاشمية على الأماكن المقدّسة الإسلامية والمسيحية في القدس. ونقدّر استضافته للمهجّرين السوريّين والعراقيين. إنّنا نصلّي كي يبقى الأردن واحة أمن وسلام لأهله، ونموذجاً للعيش المشترك بين المسلمين والمسيحيّين يُحتذى به».

وثمّن البطاركة «مواقف المسيحيّين في مصر الشجاعة للحفاظ على إيمانهم القويم حتى الاستشهاد، شهادة للمسيح الحيّ»، وثمّنوا «دفاعهم عن وطنهم، ضدّ من أراد هدمه، في وحدة مع شركائنا في الوطن، المسلمين، متحمّلين كلّ الصعوبات والمشقّات من كلّ نوع. فهيّا معاً نواصل الطريق الصعب لبناء بلد يتمتّع فيه كلّ مصري بالمواطنة الحقّة، من دون النظر إلى انتمائه الديني، بلد يعيش فيه المصري وكرامته الإنسانيّة مصانة، حرّاً في التعبير عن رأيه من دون خوف من أيّ تهديد، يشارك فيه المواطن في بناء وطن يسوده الاحترام المتبادل وتحكمه العدالة والمساواة، ورفض كلّ فكر هدّام يقسّم أبناء الوطن الواحد، حتى نبني مستقبلاً أفضل».

وأكّد المطارنة، أنّ «لبنان كنز ثمين تجب المحافظة عليه وعلى ثقافته ومميّزاته التي اكتسبها بفضل ميثاقه الوطني والدستور وخبرته في ممارسة العيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين، في المساواة والمشاركة على أساس المواطنة». وناشدوا الجماعة السياسية فيه العمل الجادّ على حماية هذا الوطن بكلّ مكوّناته، ومشاركة الجميع في الحكم والإدارة من دون أيّ إقصاء لأحد بحكم النفوذ الحزبي أو السياسي أو المذهبي، وتعزيز دور لبنان كبلد استقرار وانفتاح ولقاء في المنطقة.

وتابعوا: «لقد حان الوقت لكي نطلق نداءً نبوياً شهادةً للحقيقة التي تحرّرنا حسب روح الإنجيل، فنحن مدعوّون إلى التمسّك بهويّتنا المشرقية والأمانة لرسالتنا».

وناشدوا منظّمة الأمم المتّحدة، والدّول المعنيّة مباشرةً بالحرب في سورية والعراق وفلسطين، إيقاف الحروب التي ظهرت غايتها واضحة في الهدم والقتل والتّشريد وإحياء المنظّمات الإرهابيّة وإذكاء روح التّعصّب والنّزاعات بين الأديان والثّقافات. وشدّدوا على أنّ «استمراريّة هذه الحالة، والعجز عن إحلال سلام عادل وشامل ودائم في المنطقة، وإهمال عودة اللاّجئين والنّازحين والمهجّرين إلى أوطانهم وممتلكاتهم بكرامة وعدل، لَوصمةُ عارٍ في جبين القرن الحادي والعشرين».

إلى ذلك، عرض الأمين العام للمجلس قدس الأب خليل علوان ميزانية المجلس وموازنته وأقرّها الآباء البطاركة، ثمّ اطّلعوا على التقارير السنويّة للّجان والمجالس والهيئات والوسائل الإعلاميّة المعنيّ بها المجلس، وعلى توصياتها وحاجاتها. وهي:

1 – الأمانة العامّة للعلمانيّين في الشّرق الأوسط.

2 – لجنة التعليم المسيحي المشتركة في لبنان.

3 – هيئة التنسيق بين لجان العائلة في الشرق الأوسط.

4 – الهيئة الكاثوليكيّة للتعليم المسيحي في الشّرق الأوسط.

5 – كاريتاس الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا.

6 – مجلس كنائس الشرق الأوسط.

7 – منسّقية مرشديّات السجون في الشرق الأوسط.

8 – تلفزيون «نورسات».

9 – إذاعة «صوت المحبّة» وتلفزيون «تيفي تشارتي».

وقرّر المجلس عقد مؤتمره المقبل في البطريركية الكلدانية في أربيل – العراق، ما بين 14 و18 أيار 2018، بضيافة البطريرك مار لويس روفائيل ساكو، تحت عنوان «الشبيبة علامة رجاء في بلدان الشرق الأوسط».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى