«الكابوس» الكوري الشمالي.. أميركا تُصاب بالهلع

معن حمية

أشعلت الصواريخ الباليستية التي أطلقتها كوريا الشمالية، «نار غضب» الولايات المتحدة الأميركية، وأخرجتها عن طورها لتجد نفسها مضطرة لاتخاذ إجراءات ضدّ كوريا الشمالية، حتى لا تهتزّ صورتها كقوة عظمى أولى في العالم، وحتى لا تخسر استثمارات تدخّلها في شؤون الدول والشعوب في العالم والمنطقة.

ردّ فعل بيونغ يانغ على الإجراءات الأميركية جاء صادماً لواشنطن، وهو أعاد خلط الأوراق الدولية مجدّداً، لأنّ في رصيد كوريا الشمالية أقماراً صناعية في الفضاء، وأكثر من تجربة نووية واختبار، وأكثر من حالة إطلاق لصواريخ باليستية، وبالتالي فإنّ الولايات المتحدة مجبرة على التعامل مع هذا الرصيد الكبير والذي كبر أكثر في ظلّ الحصار والعقوبات.

في مناسبات عدة سبقت إطلاق الصاروخين الباليستيين وسبقت التصعيد، أبدت كوريا الشمالية استعدادها للبحث عن حلول للقضايا النووية، وعلى هذا الأساس دخلت المحادثات السداسية بمشاركة الكوريتين واليابان والصين وروسيا والولايات المتحدة . وقد ساهمت هذه المحادثات في تخفيف التوترات، لدرجة أنّ واشنطن اعتقدت أنها استطاعت تحييد كوريا الشمالية عن خطوط المواجهة المباشرة، في حين اندفعت إلى تعزيز وتطوير علاقاتها العسكرية والاقتصادية مع كوريا الجنوبية، التي لجأت أكثر من مرة إلى استفزاز جارتها الشمالية، ما ولّد قناعة لدى القيادة الكورية الشمالية بأنّ أميركا تتربّص بها، وبالتالي لا بدّ من الاحتفاظ بعناصر قوة رادعة عن طريق تطوير الترسانة الصاروخية والنووية.

لقد ارتكبت الولايات المتحدة الأميركية خطأ جسيماً بأن فرضت عقوبات على كوريا الشمالية، في حين كان بإمكانها احتواء التجارب الكورية الشمالية، من خلال تشغيل محرّكات الدبلوماسية والعودة الى مربع المحادثات السداسية، لكن فائض الشعور بالقوة وضع أميركا في موقف صعب يهدّد نفوذها في العالم، خصوصاً أنها لم تحفظ خط العودة إلى وضعية مريحة، بعدما لامست إدارة رئيسها دونالد ترامب خطوطاً حمراء صينية بالحديث عن تخلي واشنطن عن سياسة

صين واحدة، إضافة إلى إزعاج روسيا الاتحادية بالعقوبات على خلفية مزاعم تدخّلها في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وبسبب ضمّ روسيا جزيرة القرم.

إن عودة «الكابوس» الكوري الشمالي للظهور أحدثت حالة من الهلع الأميركي، خصوصاً بعد تهديد بالغ الخطورة صدر عن السلطات الكورية الشمالية، بأنها تبحث جديّاً في خطة لتوجيه ضربة صاروخية تستهدف قواعد عسكرية أميركية في جزيرة غوام الأميركية في المحيط الهادئ.

التهديد الكوري الشمالي دفع ترامب إلى إطلاق تهديد ضدّ بيونغ يانغ «بنار وغضب لم يشهدهما العالم».

وفي وقت لم يصدر في كوريا الشمالية ما يخفّف من وطأة تهديداتها، حرص عدد من المسؤولين الأميركيين على التقليل من حدة تهديدات ترامب، وأعلن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون أنّ الخطاب الأميركي القاسي إزاء كوريا الشمالية، لا يعني اختيار الأسلوب العسكري لحلّ الأزمة نافياً وجود أيّ خطر وشيك مصدره بيونغ يانغ يهدّد أميركا، قائلاً: «يمكن للأميركيين أن يناموا مطمئنّين». في حين دعت المديرة السابقة لقسم كوريا والصين في مجلس الأمن القومي الأميركي لاورا روزنبيرغر بلادها الى تجنّب أيّ خطاب مشتعل، قد يتسبّب في شنّ هجوم نحاول تفاديه، معتبرة أنّ تصريحات ترامب قد تدفع إلى تعجيل قرار الهجوم. وخرج السيناتور الجمهوري جون ماكين داعياً ترامب إلى التعامل بحذر كبير قائلاً: «كلّ ما يمكن انتظاره من ذلك هو اقترابنا من مواجهة خطيرة».

في المحصلة بات جلياً من خلال سيل التصريحات الأميركية التي أعقبت تهديد ترامب لبيونغ يانغ أنّ الإدارة الأميركية تسعى إلى التقليل من تأثير وانعكاس الخطاب في الشارع الأميركي وطمأنته. وهذا ما يعكس عمق الأزمة التي بات يعيشها المجتمع الأميركي في ظلّ قيادة ترامب لدفة البيت الأبيض.

وعليه فإنّ التصعيد المستجدّ والذي يحظى بمتابعة من العالم أجمع، والتحذيرات من نشوب حرب نووية، تدفع مراقبين الى القول بأنّ الكابوس الكوري الشمالي من شأنه أن يعزز أدوار الصين وروسيا وإيران وحلفائهم على حساب الدور الأميركي، الذي يشهد تراجعاً انحدارياً كبيراً، خصوصاً في منطقتنا…

عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى