حنّا فرحة في «صدى ضائع بين تلاله».. جلجلة العثور على الصوت

سليمان بختي

يكتب حنا حبيب فرحة في مجموعته «صدى ضائع بين التلال»، القصائد التي تعبّر عن الموقف، عن الروح، عن التعبير الذي يجد أرضه في غابات المشاعر والحنين والخيبة.

ألا يقول هيغل: «الشعر تأوّج القول في التعبير عن الروح». وهكذا يصير: «الشوق قوس قزح

والمسافة لحظة

وعلى غصن قريب

يقف عصفور تنهمر من عينيه الدموع».

أو: «أهرول نحو عينيك لأشفى

فيشفى العالم».

يكتب حنّا حبيب فرحة من قريته جديدة مرجعيون، ومن واشنطن، ومن تورنتو، ومن آرلنغتون ـ فرجينيا، ومن جدّة، ومن بيروت، ومن تونس، ومن عين عار. ولعلّه يكتب حيث يفاجئه القول أو يهزّه المعنى. ويصرخ في وجه العالم: «أوقفوا مسيرة الجنون… وسيروا معه نحو الحرّية». ودائماً تحمله فلسطين وشؤونها وشجونها إلى أعتاب القصيدة مثل قصيدة «فلسطين عائدة»، أو قصيدة «أنا طفل» أطفال غزّة الذين يستشهدون على الشاطئ ، وأيضاً مثل قصيدتَي «يا أطفال غزة» و«يا شهداء غزة»، أو قصيدة «الفدائي الذي يعود مع حبّات الورد»، أو قصيدة «جسر العودة» الذي ينهيها بصرخة وأمل:

«تشهد مزاميري بأنّ

أطفال الحجارة

هم بركة الربّ

وهم وحدهم سيكونون

جسر العودة الوحيد

قبل الرحيل الأخير».

وفي مقدّمة لقصيدة «فدائيين فلسطين» أواخر الستينات وأوائل السبعينات، يسأل فرحة الفدائيّ: «متى تنتهي رحلة الليل الطويل؟». وحتى في قصائد النوستالجيا والحنين ثمة صورة الوالد على فرسه الشقراء عائداً من حقول فلسطين. وحزنه عليه يظهر «حزناً على الوالد والوطن والتاريخ».

قصائد حنّا حبيب فرحة مبلّلة بالذاتيّ والعام معاً. كمن يغنّي للكلمة، للحياة، للبيت، للحرّية، للوجع، للشبّاك الذي من عطر. يتدفّق حنيناً وأملاً وصرخة. وتحمل الكتابة الموقف وتضيء أقاليم الليل والنهار. ولكن حنّا حبيب فرحة، ابن جديدة مرجعيون، والمناضل في صفوف النهضة، تظلّ عينه على مصير الشرق، ولو ضاع الطريق:

«زورقي

خشبة بلا شراع

يسير على خيط من ضباب

نافذته مفتوحة أبداً

على الشرق».

وكلّما بعُد في هذا العالم وحمل التاريخ على كتفيه، ظلّ وجهه نحو الشرق. وتظلّ الأسئلة تكابده. وكما في قصيدة «وداعاً يا أجمل الزائرات»، وفيها سؤال:

«ماذا فعلتم ببيروت حبيبتي؟

ماذا تفعل؟

عندما تقفل الطريق

ويصمت البحر والريح والرفيق

ويسقط الرحيل؟

ماذا عندما يغيب الوطن أو تفرط المحبّة أشلاء؟»، لعلّه السؤال الأصعب في مجموعته كلّها.

وأخيراً، حنّا حبيب فرحة في مجموعته «صدى ضائع بين التلال» يسجّل ما ضاع، ولكنه يعثرعلى صوته وعلى إيمانه بأنّ هذا العالم لا يمكن أن ينهض من دون الموقف الإنساني الحقيقي، وأن الواحات البعيدة ينتظرها جمال، وأن الشعر هو صرخة في وجه الظلم، لحظة حلم أو حنين أو شوق، صدانا فلا نضيع بل نظل، رغم كلّ شيء ، نرى الطريق.

«صدى ضائع بين التلال»، قصائد لِحنّا حبيب فرحة، في 172 صفحة، من إصدارات «دار نلسن» 2017.

كاتب وناشر

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى