الحرب النفسية خطّة حرب لا ترفاً ولا حذاقة

ناصر قنديل

– خطت المقاومة اللبنانية، خصوصاً مقاومة حزب الله بشخص قائدها السيد حسن نصرالله معالم مدرسة تزاوج بين الحرب الميدانية والحرب النفسية، وردع ميداني يتزاوج مع الردع النفسي، وأثبتت فعاليتها في محطّات مختلفة بتحقيق نتائج لا تزال تفعل فعلها في صناعة موازين القوى الحقيقية والخفية الحاكمة للصراع بين المقاومة و»إسرائيل». وفيما يجهد الكثيرون لاستخلاص قواعد مدرسة الحرب النفسية التي تنتهجها المقاومة، تمهيداً لاستعارتها يفوتهم أنها ليست ترفاً قام به باحثون أكاديميون، ولا حذاقة أعدّ معالمها وقواعدها فنانون محترفون، بل هي خطة حرب مكلفة متمّمة لفعل الحرب نفسها مرة وسابقة لفعلها مرات، لكنها في كلّ مرة بكلفة الحرب نفسها.

– أليس مدعاة للفخر للمقاومة وسيّدها، قيام القيادة «الإسرائيلية» بمستوياتها السياسية والعسكرية والأمنية والقضائية والمالية كافة بالتصديق على قرار تفكيك مستوعبات الأمونيا في حيفا، كتداعٍ لحملة انطلقت مع تهديد سيد المقاومة بجعلها هدفاً من أهداف الحرب المقبلة، بمثل ما كانت معادلة «إسرائيل» أوهن من بيت العنكبوت واحدة من عناوين الحرب في تموز 2006، وهي معادلة انطلقت في العام 2000 من خطاب النصر للسيد نصرالله من ساحة بنت جبيل، وصار أحد أهداف حرب تموز بلوغ الساحة نفسها وزرع العلم «الإسرائيلي»، حيث كانت منصة السيد نصرالله للقول، لا ليست «إسرائيل» أوهن من بيت العنكبوت، وكان من علامات النصر في تموز فشل المحاولة «الإسرائيلية» بدخول بنت جبيل وبلوغ نقطة منصة خطاب النصر وزرع العلم «الإسرائيلي» فيها.

– في الحلقات المتتالية لمعادلات الحرب النفسية تكون الكلفة دماء وجهوداً مضنية واستعدادات لا حدّ لها، فلا يملك القول باستهداف مستوعبات الأمونيا مَن لا يملك القدرة على وضع تهديده موضع التنفيذ، وإقناع عدوّه بمستوياته الشعبية والرسمية كافة بمصداقية القدرة والجدية والصدق في تنفيذ التهديد، وقبل قول ذلك كان على المقاومة أن تضع بين أيدي المعنيين في مستويات القرار وصناعة الرأي العام لدى العدو ما يجعلهم على يقين من الصدق والمصداقية في القول وربط القول بقدرة وجدّية الفعل، بامتلاك صواريخ دقيقة الإصابة، قادرة على التدمير، متحرّكة القدرات في مداها، قادرة على تفادي محاولات صدّها. وهذا يعني حرباً كاملة، في تمارين صواريخ المقاومة وتمارين مقابلة للقبة الحديدية، وبنوك الأهداف المتقابلة والقدرات الاستخبارية المتسابقة في بلوغ المزيد من المعلومات والدقة في مسح المعطيات، فتصير الحرب النفسية كتلة عصبية متحفزة أنتجتها حرب لم تقع، لكنها استدعت العرق والدماء والقدرات التي تستهلكها حرب كاملة.

– معادلة «إسرائيل» أوهن من بيت العنكبوت وضعت عام 2000 لكنها تثبّتت عام 2006، ومعادلة نحن قوم لا نترك أسرانا في السجون وضعت عام 2001، لكنها تثبّتت بعد حرب تموز 2006 مع تحرير الأسرى، حتى قال أحد جنرالات الحرب «الإسرائيليين» في تحقيقات فينوغراد، إذا تسنّى لنا في حرب مقبلة أن نحصل على أسرى لحزب الله، فعلينا تفادي ذلك، لأننا نجلب على أنفسنا حرباً مقبلة ربما تقع في ظروف غير مؤاتية.

– معادلة أردتموها حرباً مفتوحة، فلتكن حرباً مفتوحة، وحيفا وما بعد ما بعد حيفا، ومعادلة خبأنا لكم الكثير من المفاجآت، كلها ما كانت لها قيمة لو لم تكن المقاومة قد أعدّت لكلّ واحدة منها خطة قادرة على ترجمتها في الميدان، مقدّرة خوض الحرب المفتوحة التي أظهرتها المقاومة في حرب تموز، على بلوغ صواريخها حيفا وما بعد حيفا وما بعد ما بعد حيفا، وصولاً إلى ما كانت عليه بداية الحرب مفاجأة تدمير البارجة «ساعر» على الهواء بالتزامن مع خطاب السيد نصرالله.

– معادلة الحرب في سورية كانت، ستندمون على رهان استنزافنا، فسنخرج من هذه الحرب أشدّ قوة، ولن تصرفنا عنكم فما أعدّ لكم يزداد ويتراكم، رغم الحرب في سورية، معادلة ثبتت باعترافات «الإسرائيليين» اليوم عن تعاظم قوة حزب الله، والأهمّ منها في وعيهم ولا وعيهم معادلة قرار الحرب في سورية وعنوانها سنكون حيث يجب أن نكون، ويقيسها «الإسرائيليون» على مقارنة تخطّي الحدود نحو سورية وتخطّيها لاحقاً نحو فلسطين، فيستخلصون التحسّب لجدية التهديد بالعبور البري إلى الجليل أو إلى الجولان، أو لكليهما، وها هم يقومون بإسقاطات حسابية وجغرافية وعسكرية لعملية جرود عرسال على كلّ من مزارع شبعا والجولان.

– في خطاب النصر مرّر السيد نصرالله عبارة من وحيّ تفكيك حاويات الأمونيا مضمونها، فكّروا بديمونا فهو أخطر. وهي تحتلّ عناوين الصحف والقنوات التلفزيونية، وقد بدأت تتحوّل إلى معادلة الحرب النفسية المقبلة، وأهميتها التاريخية والاستراتيجية، أنها تصيب العقيدة العسكرية «الإسرائيلية» التي أسّسها بن غوريون على نظرية امتلاك كلّ سلاح فتاك تعويضاً عن قصور الجغرافيا في منح «إسرائيل» فرص خوض حرب متكافئة مع جيوش المنطقة، فكانت القنبلة النووية هدف بن غوريون لحماية «إسرائيل»، واليوم يسود الخبراء «الإسرائيليين» منطق يقول إنّ المدى الجغرافي الضيّق يفرض على «إسرائيل» التخلص من السلاحين النووي والكيميائي، لأنّ استهدافهما سيجعلهما وبالاً على «إسرائيل» التي لن تستطيع استعمالهما في أي حرب مقبلة.

– مقاومة تصنع المعادلات، لأنها تصنع الحرب، ولأنها تأسّست وتواصل مسيرتها بصدق ومصداقية، خطة حربها هي أصل حربها النفسية، وواضع الخطتين قائدها، وهنا مكمن سحره وتفوّقه بما يختزن من خصال الصدق والمصداقية ومن رمزية الحرب والنصر، وتراكم التناوب بين القول والفعل وبين حرب وحرب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى